الباحث القرآني

(p-١٣٣)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَلا اقْتَحَمَ العَقَبَةَ﴾ قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: فَلَمْ يَقْتَحِمِ العَقَبَةَ [فِي الدُّنْيا] . وقالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: فَلا هو اقْتَحَمَ العَقَبَةَ. قالَ الفَرّاءُ: لَمْ يَضُمَّ إلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَلا اقْتَحَمَ العَقَبَةَ﴾ كَلامًا آخَرَ فِيهِ " لا "، والعَرَبُ لا تَكادُ تُفْرِدُ " لا " في الكَلامِ حَتّى يُعِيدُوها عَلَيْهِ في كَلامٍ آخَرَ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَلا صَدَّقَ ولا صَلّى﴾ [القِيامَةِ: ٣١]، ﴿وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا هم يَحْزَنُونَ﴾ [البَقَرَةِ: ٦٢] . ومَعْنى " لا " مَأْخُوذٌ مِن آخَرِ هَذا الكَلامِ، فاكْتَفى بِواحِدَةٍ مِنَ الأُخْرى، ألا تَرى أنَّهُ فَسَّرَ اقْتِحامَ العَقَبَةِ، فَقالَ: ﴿فَكُّ رَقَبَةٍ.﴾ ﴿أوْ إطْعامٌ في يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ﴾ ﴿ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ فَفَسَّرَها بِثَلاثَةِ أشْياءَ. فَكَأنَّهُ كانَ في أوَّلِ الكَلامِ: فَلا فَعَلَ ذا، ولا ذا، وذَهَبَ ابْنُ زَيْدٍ في آخَرِينَ إلى أنَّ المَعْنى: أفَلا اقْتَحَمَ العَقَبَةَ؟ عَلى وجْهِ الِاسْتِفْهامِ، والمَعْنى: فَهَلّا أنْفَقَ مالَهُ في فَكِّ الرِّقابِ والإطْعامِ لِيُجاوِزَ بِذَلِكَ العَقَبَةَ؟! . فَأمّا: الِاقْتِحامُ فَقَدْ بَيَّناهُ في [ص: ٥٩] . وَفِي العَقَبَةِ سَبْعَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّهُ جَبَلٌ في جَهَنَّمَ، قالَهُ ابْنُ عُمَرَ. (p-١٣٤)والثّانِي: عَقَبَةٌ دُونَ الجِسْرِ، قالَهُ الحَسَنُ. والثّالِثُ: سَبْعُونَ دَرَكَةً في جَهَنَّمَ، قالَهُ كَعْبٌ. والرّابِعُ: الصِّراطُ، قالَهُ مُجاهِدٌ، والضَّحّاكُ. والخامِسُ: نارٌ دُونَ الجِسْرِ، قالَهُ قَتادَةُ. والسّادِسُ: طَرِيقُ النَّجاةِ، قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ. والسّابِعُ: أنَّ ذِكْرَ العَقَبَةِ هاهُنا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ تَعالى لِمُجاهِدَةِ النَّفْسِ والهَوى والشَّيْطانِ في أعْمالِ البِرِّ، فَجَعَلَهُ كالَّذِي يَتَكَلَّفُ صُعُودَ العَقَبَةِ. يَقُولُ: لَمْ يَحْمِلْ عَلى نَفْسِهِ المَشَقَّةَ بِعِتْقِ الرَّقَبَةِ والإطْعامِ، ذَكَرَهُ عَلِيُّ بْنُ أحْمَدَ النَّيْسابُورِيُّ في آخَرِينَ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَما أدْراكَ ما العَقَبَةُ﴾ قالَ سُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: كُلُّ ما فِيهِ ﴿وَما أدْراكَ﴾ فَقَدْ أخْبَرَهُ بِهِ، وكُلُّ ما فِيهِ " وما يُدْرِيكَ " فَإنَّهُ لَمْ يُخْبِرْهُ بِهِ. قالَ المُفَسِّرُونَ: المَعْنى: وما أدْراكَ ما اقْتِحامُ العَقَبَةِ؟ . ثُمَّ بَيَّنَهُ فَقالَ تَعالى: (p-١٣٥)﴿فَكُّ رَقَبَةٍ﴾ قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرٍو، إلّا عَبْدَ الوارِثِ، والكِسائِيُّ، والدّاجُونِيُّ عَنِ ابْنِ ذَكْوانَ: " فَكَّ " بِفَتْحِ الكافِ " رَقَبَةً " بِالنَّصْبِ " أوْأطْعَمَ " بِفَتْحِ الهَمْزَةِ والمِيمِ وسُكُونِ الطّاءِ مِن غَيْرِ ألِفٍ. وقَرَأ عاصِمٌ، وابْنُ عامِرٍ، ونافِعٌ، وحَمْزَةُ: " فَكُّ " بِالرَّفْعِ " رَقَبَةٍ " بِالخَفْضِ " أوْ إطْعامٌ " بِالألِفِ. ومَعْنى فَكِّ الرَّقَبَةِ: تَخْلِيصُها مِن أسْرِ الرِّقِّ، وكُلُّ شَيْءٍ أطْلَقْتَهُ فَقَدْ فَكَكْتَهُ. ومَن قَرَأ " فَكَّ رَقَبَةً " عَلى الفِعْلِ، فَهو تَفْسِيرُ اقْتِحامِ العَقَبَةِ بِالفِعْلِ، واخْتارَهُ الفَرّاءُ، لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: والمَسْغَبَةُ: المَجاعَةُ. يُقالُ: سَغَبَ يَسْغَبُ سُغُوبًا: إذا جاعَ ﴿يَتِيمًا ذا مَقْرَبَةٍ﴾ أيْ: ذا قَرابَةٍ ﴿أوْ مِسْكِينًا ذا مَتْرَبَةٍ﴾ أيْ: ذا فَقْرٍ كَأنَّهُ لَصِقَ بِالتُّرابِ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: هو المَطْرُوحُ في التُّرابِ لا يَقِيهِ شَيْءٌ. ثُمَّ بَيَّنَ أنَّ هَذِهِ القُرَبَ إنَّما تَنْفَعُ مَعَ الإيمانِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ و " ثُمَّ " هاهُنا بِمَعْنى الواوِ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ﴾ [يُونُسَ: ٤٦] . (p-١٣٦)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ عَلى فَرائِضِ اللَّهِ وأمْرِهِ ﴿وَتَواصَوْا بِالمَرْحَمَةِ﴾ أيْ: بِالتَّراحُمِ بَيْنَهم. وقَدْ ذَكَرْنا أصْحابَ المَيْمَنَةِ والمَشْأمَةِ في [الواقِعَةِ: ٧، ٨] قالَ الفَرّاءُ: و " المُؤْصَدَةُ " المُطْبَقَةُ. قالَ مُقاتِلٌ: يَعْنِي أبْوابُها عَلَيْهِمْ مُطْبَقَةٌ فَلا يُفْتَحُ لَها بابٌ، ولا يَخْرُجُ مِنها غَمٌّ، ولا يَدْخُلُ فِيها رَوْحٌ آخِرَ الأبَدِ. وقالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: يُقالُ: أوْصَدْتُ البابَ وآصَدْتُهُ: إذا أطْبَقْتُهُ. وقالَ الزَّجّاجُ: المَعْنى: أنَّ العَذابَ مُطْبِقٌ عَلَيْهِمْ. وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ، والكِسائِيُّ، وأبُو بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ: " مُوصَدَةٌ " بِغَيْرِ هَمْزٍ هاهُنا وفي [الهُمَزَةِ: ٨] وقَرَأ أبُو عَمْرٍو، وحَمْزَةُ، وحَفْصٌ عَنْ عاصِمٍ بِالهَمْزِ في المَوْضِعَيْنِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب