الباحث القرآني

٤٢٣ (p-٤٢٣)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَقالَتِ اليَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ﴾ قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، وأبُو عَمْرٍو، وابْنُ عامِرٍ، وحَمْزَةُ: "عُزَيْرُ ابْنُ اللَّهِ" بِغَيْرِ تَنْوِينٍ. وقَرَأ عاصِمٌ، والكِسائِيُّ، ويَعْقُوبُ، وعَبْدُ الوارِثِ عَنْ أبِي عَمْرٍو: مُنَوَّنًا. قالَ مَكِّيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ: مِن نَوَّنَ عُزَيْرًا رَفَعَهُ عَلى الِابْتِداءِ، "وابْنُ" خَبَرُهُ. ولا يَحْسُنُ حَذْفُ التَّنْوِينِ عَلى هَذا مِن "عُزَيْرٍ" لالتِقاءِ السّاكِنَيْنِ. ولا تُحْذَفُ ألِفُ "ابْنُ" مِنَ الخَطِّ، ويُكْسَرُ التَّنْوِينُ لالتِقاءِ السّاكِنَيْنِ. ومَن لَمْ يُنَوِّنْ "عُزَيْرًا" جَعَلَهُ أيْضًا مُبْتَدَأ، و"ابْنُ" صِفَةٌ لَهُ؛ فَيُحْذَفُ التَّنْوِينُ عَلى هَذا اسْتِخْفافًا لالتِقاءِ السّاكِنَيْنِ، ولِأنَّ الصِّفَةَ مَعَ المَوْصُوفِ كالشَّيْءِ الواحِدِ، وتُحْذَفُ ألِفُ "ابْنُ" مِنَ الخَطِّ، والخَبَرُ مُضْمَرٌ تَقْدِيرُهُ: عُزَيْرُ ابْنُ اللَّهِ نَبِيُّنا وصاحِبُنا. وسَبَبُ نُزُولِها «أنَّ سَلامَ بْنَ مُشْكِمٍ، ونُعْمانَ بْنَ أوْفى، وشاسَ بْنَ قَيْسٍ، ومالِكَ بْنَ الصَّيْفِ، أتَوْا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقالُوا: كَيْفَ نَتَّبِعُكَ وقَدْ تَرَكْتَ قِبْلَتَنا، وأنْتَ لا تَزْعُمُ أنَّ عُزَيْرَ ابْنُ اللَّهِ؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآَيَةُ،» قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. وقالَ ابْنُ عُمَرَ، وابْنُ جُرَيْجٍ: إنَ القائِلَ لِذَلِكَ فِنْحاصُ. فَأمّا العُزَيْرُ، فَقالَ شَيْخُنا أبُو مَنصُورٍ اللُّغَوِيُّ: هو اسْمٌ أعْجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ، وإنْ وافَقَ لَفْظَ العَرَبِيَّةِ، فَهو عِبْرانِيٌّ؛ كَذا قَرَأْتُهُ عَلَيْهِ. وقالَ مَكِّيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ: العُزَيْرُ عِنْدَ كُلِّ النَّحْوِيِّينَ: عَرَبِيٌّ مُشْتَقٌّ مِن قَوْلِهِ: يُعَزِّرُوهُ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: إنَّما قالُوا ذَلِكَ، لِأنَّهم لَمّا عَلِمُوا بِغَيْرِ الحَقِّ، أنْساهُمُ اللهُ التَّوْراةَ، ونَسَخَها مِن صُدُورِهِمْ، فَدَعا عُزَيْرٌ اللَّهَ تَعالى؛ فَعادَ إلَيْهِ الَّذِي نُسِخَ مِن صُدُورِهِمْ، ونَزَلَ نُورٌ مِنَ السَّماءِ فَدَخَلَ جَوْفَهُ، فَأذِنَ في قَوْمِهِ فَقالَ: قَدْ آَتانِيَ اللَّهُ التَّوْراةَ؛ فَقالُوا: ما أُوتِيَها إلّا لِأنَّهُ ابْنُ اللَّهِ. وفي رِوايَةٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: أنَّ بُخْتِنْصَّرَ (p-٤٢٤)لَمّا ظَهَرَ عَلى بَنِي إسْرائِيلَ، وهَدَمَ بَيْتَ المَقْدِسِ، وقَتَلَ مَن قَرَأ التَّوْراةَ، كانَ عُزَيْرٌ غُلامًا، فَتَرَكَهُ. فَلَمّا تُوُفِّيَ عُزَيْرٌ بِبابِلَ، ومَكَثَ مِائَةَ عامٍ، ثُمَّ بَعَثَهُ اللَّهُ تَعالى إلى بَنِي إسْرائِيلَ، فَقالَ: أنا عُزَيْرٌ؛ فَكَذَّبُوهُ وقالُوا: قَدْ حَدَّثَنا آَباؤُنا أنَّ عُزَيْرًا ماتَ بِبابِلَ، فَإنْ كُنْتَ عُزَيْرًا فَأمْلِلْ عَلَيْنا التَّوْراةَ؛ فَكَتَبَها لَهُمْ؛ فَقالُوا: هَذا ابْنُ اللَّهِ. وَفِي الَّذِينَ قالُوا هَذا عَنْ عُزَيْرٍ ثَلاثَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّهم جَمِيعُ بَنِي إسْرائِيلَ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّانِي: طائِفَةٌ مِن سَلَفِهِمْ، قالَهُ الماوَرْدِيُّ. والثّالِثُ: جَماعَةٌ كانُوا عَلى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وفِيهِمْ قَوْلانِ. أحَدُهُما: فِنْحاصُ وحْدَهُ، وقَدْ ذَكَرْناهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وابْنِ جُرَيْجٍ. والثّانِي: الَّذِينَ ذَكَرْناهم في أوَّلِ الآَيَةِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. فَإنْ قِيلَ: إنْ كانَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ، فَلِمَ أُضِيفَ إلى جَمِيعِهِمْ؟ فَعَنْهُ جَوابانِ. أحَدُهُما: أنَّ إيقاعَ اسْمِ الجَماعَةِ عَلى الواحِدِ مَعْرُوفٌ في اللُّغَةِ، تَقُولُ العَرَبُ: جِئْتُ مِنَ البَصْرَةِ عَلى البِغالِ، وإنْ كانَ لَمْ يَرْكَبْ إلّا بَغْلًا واحِدًا. والثّانِي: أنَّ مَن لَمْ يَقُلْهُ، لَمْ يُنْكِرْهُ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَقالَتِ النَّصارى المَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ﴾ في سَبَبِ قَوْلِهِمْ هَذا قَوْلانِ. أحَدُهُما: لِكَوْنِهِ وُلِدَ مِن غَيْرِ ذِكْرٍ. والثّانِي: لِأنَّهُ أحْيى المَوْتى، وأبْرَأ الكُمْهَ والبُرْصَ؛ وقَدْ شَرَحْنا هَذا المَعْنى في (المائِدَةِ:١١٠) . قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ذَلِكَ قَوْلُهم بِأفْواهِهِمْ﴾ إنَّ قالَ قائِلٌ: هَذا مَعْلُومٌ، فَما فائِدَتُهُ؟ فالجَوابُ: أنَّ المَعْنى: أنَّهُ قَوْلٌ بِالفَمِ، لا بَيانَ فِيهِ، ولا بُرْهانَ، ولا تَحْتَهُ مَعْنًى صَحِيحٌ، قالَهُ الزَّجّاجُ. قَوْلُهُ تَعالى: " يُضاهُونَ " قَرَأ الجُمْهُورُ: مِن غَيْرِ هَمْزٍ. وقَرَأ عاصِمٌ: (p-٤٢٥)"يُضاهِئُونَ" . قالَ ثَعْلَبٌ: لَمْ يُتابِعْ عاصِمًا أحَدٌ عَلى الهَمْزِ. قالَ الفَرّاءُ: وهي لُغَةٌ. قالَ الزَّجّاجُ: "يُضاهُونَ" يُشابِهُونَ قَوْلَ مَن تَقَدَّمَهم مِن كَفَرَتِهِمْ، فَإنَّما قالُوهُ اتِّباعًا لِمُتَقَدِّمِيهِمْ. وأصْلُ المُضاهاةِ في اللُّغَةِ: المُشابِهَةُ؛ والأكْثَرُ تَرْكُ الهَمْزِ؛ واشْتِقاقُهُ مِن قَوْلِهِمُ: امْرَأةٌ ضَهْياءُ، وهي الَّتِي لا يَنْبُتُ لَها ثَدْيٌ. وقِيلَ: هي الَّتِي لا تَحِيضُ، والمَعْنى: أنَّها قَدْ أشْبَهَتِ الرِّجالَ. قالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: يُقالُ: ضاهَيْتُ، وضاهَأْتُ: إذا شَبَّهْتَ. وفي ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ هاهُنا ثَلاثَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّهم عَبَدَةُ الأوْثانِ، والمَعْنى: أنَّ أُولَئِكَ قالُوا: المَلائِكَةُ بَناتُ اللَّهِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. والثّانِي: أنَّهُمُ اليَهُودُ، فالمَعْنى أنَّ النَّصارى في قَوْلِهِمُ: المَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ، شابَهُوا اليَهُودَ في قَوْلِهِمْ: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ، قالَهُ قَتادَةُ، والسُّدِّيُّ. والثّالِثُ: أنَّهم أسْلافُهم، تابَعُوهم في أقْوالِهِمْ تَقْلِيدًا، قالَهُ الزَّجّاجُ، وابْنُ قُتَيْبَةَ. وَفِي قَوْلِهِ: ﴿قاتَلَهُمُ اللَّهُ﴾ ثَلاثَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّ مَعْناهُ: لَعَنَهُمُ اللهُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. والثّانِي: قَتَلَهُمُ اللهُ، قالَهُ أبُو عُبَيْدَةَ. والثّالِثُ: عاداهُمُ اللهُ، ذَكَرَهُ ابْنُ الأنْبارِيِّ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أنّى يُؤْفَكُونَ﴾ أيْ: مِن أيْنَ يُصْرَفُونَ عَنِ الحَقِّ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿اتَّخَذُوا أحْبارَهُمْ﴾ قَدْ سَبَقَ في (المائِدَةِ:٤٤) مَعْنى الأحْبارِ والرُّهْبانِ. وقَدْ «رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الآَيَةِ، فَقالَ "أما إنَّهم لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَهم ولَكِنَّهم كانُوا إذا أحَلُّوا لَهم شَيْئًا اسْتَحَلُّوهُ وإذا حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ شَيْئًا حَرَّمُوهُ" .» فَعَلى هَذا المَعْنى: أنَّهم جَعَلُوهم كالأرْبابِ وإنْ لَمْ يَقُولُوا: إنَّهم أرْبابٌ. (p-٤٢٦)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿والمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: اتَّخَذُوهُ رَبًّا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب