الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ في مَواطِنَ كَثِيرَةٍ﴾ أيْ: في أماكِنَ. قالَ الفَرّاءُ: وكُلُّ جَمْعٍ كانَتْ فِيهِ ألِفٌ قَبْلَها حَرْفانِ وبَعْدَها حَرْفانِ لَمْ يُجْرَ، مِثْلُ، صَوامِعَ، ومَساجِدَ. وجُرِيَ "حُنَيْنٌ" لِأنَّهُ اسْمٌ لَمُذَكِّرٍ، وهو وادٍ بَيْنَ مَكَّةَ والطّائِفِ، وإذا سَمَّيْتَ ماءً أوْ وادِيًا أوْ جَبَلًا بِاسْمٍ مُذَكَّرٍ لا عِلَّةَ فِيهِ، أجْرَيْتَهُ مِن ذَلِكَ: حَنِينَ، وبَدْرَ، وحِراءَ، وثَبِيرَ، ودابِقَ. ومَعْنى الآَيَةِ: أنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ أعْلَمَهم أنَّهم إنَّما يَغْلِبُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ لا بِكَثْرَتِهِمْ. وفي عَدَدِهِمْ يَوْمَ حُنَيْنٍ أرْبَعَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّهم كانُوا سِتَّةَ عَشَرَ ألْفًا، رَواهُ عَطاءٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّانِي: عَشْرَةُ آَلافٍ، رَواهُ أبُو صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. (p-٤١٤)والثّالِثُ: كانُوا اثْنَيْ عَشَرَ ألْفًا، قالَهُ قَتادَةُ، وابْنُ زَيْدٍ، وابْنُ إسْحاقَ، والواقِدَيُّ. والرّابِعُ: أحَدَ عَشَرَ ألْفًا وخَمْسَمِائَةٍ، قالَهُ مُقاتِلٌ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: فَقالَ ذَلِكَ اليَوْمَ سَلَمَةُ بْنُ سَلامَةَ بْنِ وقْشٍ، وقَدْ عَجِبَ لَكَثْرَةِ النّاسِ: لَنْ تُغْلَبَ اليَوْمَ مِن قِلَّةٍ فَساءَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَلامُهُ، ووُكِلُوا إلى كَلِمَةِ الرَّجُلِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿إذْ أعْجَبَتْكم كَثْرَتُكم فَلَمْ تُغْنِ عَنْكم شَيْئًا﴾ وقالَ سَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ: القائِلُ لِذَلِكَ أبُو بَكْرٍ الصَّدِّيقُ. وحَكى ابْنُ جَرِيرٍ أنَّ القائِلَ لِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ . وقِيلَ: بَلِ العَبّاسُ. وقِيلَ: رَجُلٌ مِن بَنِي بَكْرٍ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الأرْضُ بِما رَحُبَتْ﴾ أيْ: بِرَحْبِها. قالَ الفَرّاءُ: والباءُ هاهُنا بِمَنزِلَةِ "فِي" كَما تَقُولُ: ضاقَتْ عَلَيْكُمُ الأرْضُ في رَحْبِها وبِرَحْبِها. الإشارَةُ إلى القِصَّةِ قالَ أهْلُ العِلْمِ بِالسِّيرَةِ: «لَمّا فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَكَّةَ تَآَمَرَ عَلَيْهِ أشْرافُ هَوازِنَ وثَقِيفٍ، فَجاؤُوا حَتّى نَزَلُوا أوْطاسَ، وأجْمَعُوا المَسِيرَ إلَيْهِ، فَخَرَجَ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَلَمّا التَقَوْا أعْجَبَتْهم كَثْرَتُهم فَهُزِمُوا.» وَقالَ البَراءُ بْنُ عازِبٍ: «لَمّا حَمَلْنا عَلَيْهِمُ انْكَشَفُوا، فَأكْبَبْنا عَلى الغَنائِمِ، فَأقْبَلُوا بِالسِّهامِ، فانْكَشَفَ المُسْلِمُونَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ . وبَعْضُهم يَقُولُ: (p-٤١٥)ثَبَتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمَئِذٍ جَماعَةٌ مِن أصْحابِهِ مِنهم أبُو بَكْرٍ، وعُمَرُ، وعَلِيٌّ، والعَبّاسُ، وأبُو سُفْيانَ بْنُ الحارِثِ. وَبَعْضُهم يَقُولُ: لَمْ يَبْقَ مَعَهُ سِوى العَبّاسُ وأبِي سُفْيانَ فَجَعَلَ النَّبِيُّ يَقُولُ لِلْعَبّاسِ: "نادِ يا مَعْشَرَ الأنْصارِ، يا أصْحابَ السُّمْرَةِ، يا أصْحابَ سُورَةِ البَقَرَةِ" فَنادى، وكانَ صَيِّتًا، فَأقْبَلُوا كَأنَّهُمُ الإبِلُ إذا حَنَّتْ إلى أوْلادِها، يَقُولُونَ: يا لَبَّيْكَ، فَنَظَرَ النَّبِيُّ ﷺ إلى قِتالِهِمْ، فَقالَ: "الآَنَ حَمِيَ الوَطِيسُ" أنا النَّبِيُّ لا كَذِبَ، أنا ابْنُ عَبْدِ المَطَّلِبِ" ثُمَّ قالَ لَلْعَبّاسِ: "ناوِلْنِي الحَصَياتِ" فَناوَلَهُ، فَقالَ: "شاهَتِ الوُجُوهُ" ورَمى بِها، وقالَ: "انْهَزِمُوا ورَبِّ الكَعْبَةِ"، فَقَذَفَ اللَّهُ في قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فانْهَزَمُوا. وقِيلَ: أخَذَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ كَفّا مِن تُرابٍ، فَرَماهم بِهِ فانْهَزَمُوا. وكانُوا يَقُولُونَ: ما بَقِيَ مِنّا أحَدٌ إلّا امْتَلَأتْ عَيْناهُ بِالتُّرابِ.»
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب