الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الحاجِّ﴾ في سَبَبِ نُزُولِها سِتَّةُ أقْوالٍ. أحَدُها: رَواهُ مُسْلِمٌ في "صَحِيحِهِ" مِن حَدِيثِ النُّعْمانِ بْنِ بَشِيرٍ قالَ: «كُنْتُ عِنْدَ مِنبَرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقالَ رَجُلٌ: ما أُبالِي أنْ لا أعْمَلَ عَمَلًا بَعْدَ [الإسْلامِ إلّا] أنْ أسْقِيَ الحاجَّ، وقالَ الآَخَرُ: ما أُبالِيَ أنْ لا أعْمَلَ عَمَلًا بِعْدَ [الإسْلامِ إلّا] أنْ أُعَمِّرَ المَسْجِدَ الحَرامَ، وقالَ آَخَرُ: الجِهادُ في سَبِيلِ اللَّهِ أفْضَلُ مِمّا قُلْتُمْ، فَزَجَرَهم عُمَرُ، وقالَ: لا تَرْفَعُوا أصْواتَكم عِنْدَ مِنبَرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وهو يَوْمُ الجُمْعَةِ، ولَكِنِّي إذا صَلَّيْتُ الجُمْعَةَ، دَخَلْتُ فاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ فِيما اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآَيَةُ.» (p-٤١٠)والثّانِي: أنَّ العَبّاسَ بْنَ عَبَدِ المَطَّلِبِ قالَ يَوْمَ بَدْرٍ: لَئِنْ كُنْتُمْ سَبَقْتُمُونا بِالإسْلامِ والهِجْرَةِ والجِهادِ، لَقَدْ كُنّا نُعَمِّرُ المَسْجِدَ الحَرامَ ونَسَقِيَ الحاجَّ ونَفُكُّ العانِيَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآَيَةُ، رَواهُ عَلِيُّ بْنُ أبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّالِثُ: أنَّ المُشْرِكِينَ قالُوا: عِمارَةُ بَيْتِ اللَّهِ الحَرامِ، والقِيامُ عَلى السِّقايَةِ، خَيْرٌ مِمَّنْ آَمَنَ وجاهَدَ، وكانُوا يَفْتَخِرُونَ بِالحَرَمِ مِن أجْلِ أنَّهم أهْلُهُ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآَيَةُ، رَواهُ عَطِيَّةُ العَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والرّابِعُ: أنَّ عَلِيًّا والعَبّاسَ وطَلْحَةَ - يَعْنِي سادِنَ الكَعْبَةِ افْتَخَرُوا، فَقالَ طَلْحَةُ: أنا صاحِبُ البَيْتِ، بِيَدِي مِفْتاحُهُ، ولَوْ أشاءُ بِتُّ فِيهِ. وقالَ العَبّاسُ: أنا صاحِبُ السِّقايَةِ، والقائِمُ عَلَيْها، ولَوْ أشاءُ بِتُّ في المَسْجِدِ. وقالَ عَلَيٌّ: ما أدْرِي ما تَقُولُونَ، لَقَدْ صَلَّيْتُ سِتَّةَ أشْهُرٍ قَبْلَ النّاسِ، وأنا صاحِبُ الجِهادِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآَيَةُ، قالَهُ الحَسَنُ، والشَّعْبِيُّ، والقُرَظِيُّ. والخامِسُ: أنَّهم لَمّا أُمِرُوا بِالهِجْرَةِ قالَ العَبّاسُ: أنا أسْقِي الحاجَّ، وقالَ طَلْحَةُ: أنا صاحِبُ الكَعْبَةِ فَلا نُهاجِرُ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآَيَةُ والَّتِي بَعْدَها، قالَهُ مُجاهِدٌ. هَكَذا ذَكَرَ مُجاهِدٌ، وإنَّما الصَّوابُ عُثْمانُ بْنُ طَلْحَةَ، لِأنَّ طَلْحَةَ هَذا لَمْ يُسْلِمْ. والسّادِسُ: أنَّ عَلِيًّا قالَ لَلْعَبّاسِ: ألا تَلْحَقُ بِالنَّبِيِّ ﷺ؟ فَقالَ: ألَسْتُ في أفْضَلَ مِنَ الهِجْرَةِ، ألَسْتُ أسْقِيَ حاجَّ بَيْتِ اللَّهِ وأعْمُرَ المَسْجِدَ الحَرامَ؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآَيَةُ والَّتِي بَعْدَها، قالَهُ المُرَّةُ الهَمْدانِيُّ، وابْنُ سِيرِينَ. قالَ الزَّجّاجُ: ومَعْنى الآَيَةِ: أجَعَلْتُمْ أهْلَ سِقايَةِ الحاجِّ وأهْلَ عِمارَةِ المَسْجِدِ الحَرامِ كَمَن آَمَنَ بِاللَّهِ؟ فَحَذَفَ المُضافَ، وأقامَ المُضافَ إلَيْهِ مَقامَهُ. قالَ الحَسَنُ: كانَ يُنْبِذُ زَبِيبٌ، فَيَسْقُونَ (p-٤١١)الحاجَّ في المَوْسِمِ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: عِمارَةُ المَسْجِدِ: تَجْمِيرُهُ، وتَخْلِيقُهُ، فَأخْبَرَ اللَّهُ أنَّ أفْعالَهم تِلْكَ لا تَنْفَعُهم مَعَ الشِّرْكِ، وسَمّاهم ظالِمِينَ لَشِرْكِهِمْ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أعْظَمُ دَرَجَةً﴾ قالَ الزَّجّاجُ: هو مَنصُوبٌ عَلى التَّمْيِيزِ. والمَعْنى: أعْظَمُ مِن غَيْرِهِمْ دَرَجَةً. والفائِزُ: الَّذِي يَظْفَرُ بِأُمْنِيَّتِهِ مِنَ الخَيْرِ. فَأمّا النَّعِيمُ، فَهو لِينُ العَيْشِ، والمُقِيمُ: الدّائِمُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب