الباحث القرآني

(p-٩٤)سُورَةُ الغاشِيَةِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّها بِإجْماعِهِمْ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿هَلْ أتاكَ﴾ أيْ: قَدْ أتاكَ، قالَهُ قُطْرُبٌ. وقالَ الزَّجّاجُ: والمَعْنى: هَذا لَمْ يَكُنْ مِن عِلْمِكَ ولا مِن عِلْمِ قَوْمِكَ. وَفِي " الغاشِيَةِ " قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّها القِيامَةُ تَغْشى النّاسَ بِالأهْوالِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، والضَّحّاكُ، وابْنُ قُتَيْبَةَ. والثّانِي: أنَّها النّارُ تَغْشى وجُوهَ الكُفّارِ، قالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، والقُرَظِيُّ، ومُقاتِلٌ. (p-٩٥)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ﴾ أيْ: ذَلِيلَةٌ وفِيها قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّها وُجُوهُ اليَهُودِ والنَّصارى، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. والثّانِي: أنَّهُ جَمِيعُ الكُفّارِ، قالَهُ يَحْيى بْنُ سَلامٍ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿عامِلَةٌ ناصِبَةٌ﴾ فِيهِ أرْبَعَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّهُمُ الَّذِينَ عَمِلُوا ونَصَبُوا في الدُّنْيا عَلى غَيْرِ دِينِ الإسْلامِ، كَعَبَدَةِ الأوْثانِ، وكُفّارِ أهْلِ الكِتابِ، مِثْلُ الرُّهْبانِ وغَيْرِهِمْ، رَواهُ عَطاءٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّانِي: أنَّهُمُ الرُّهْبانُ، وأصْحابُ الصَّوامِعِ، رَواهُ أبُو الضُّحى عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وبِهِ قالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وزَيْدُ بْنُ أسْلَمَ. والثّالِثُ: عامِلَةٌ ناصِبَةٌ في النّارِ بِمُعالَجَةِ السَّلاسِلِ والأغْلالِ، لِأنَّها [لِمَ] تَعْمَلْ لِلَّهِ في الدُّنْيا، فَأعْمَلَها وأنْصَبَها في النّارِ، ورَوى هَذا المَعْنى العَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وبِهِ قالَ الحَسَنُ. وقالَ قَتادَةُ: تَكَبَّرَتْ في الدُّنْيا عَنْ طاعَةِ اللَّهِ، فَأعْمَلَها وأنْصَبَها في النّارِ بِالِانْتِقالِ مِن عَذابٍ إلى عَذابٍ. قالَ الضَّحّاكُ: يُكَلَّفُونَ ارْتِقاءَ جَبَلٍ في النّارِ. وقالَ ابْنُ السّائِبِ: يَخِرُّونَ عَلى وُجُوهِهِمْ في النّارِ. وقالَ مُقاتِلٌ: عامِلَةٌ في النّارِ تَأْكُلُ مِنَ النّارِ، ناصِبَةٌ لِلْعَذابِ. والرّابِعُ: عامِلَةٌ في الدُّنْيا بِالمَعاصِي ناصِبَةٌ في النّارِ يَوْمَ القِيامَةِ، قالَهُ عِكْرِمَةُ، والسُّدِّيُّ. والكَلامُ هاهُنا عَلى الوُجُوهِ، والمُرادُ أصْحابُها. وقَدْ بَيَّنّا مَعْنى " النَّصَبِ " في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لا يَمَسُّهم فِيها نَصَبٌ﴾ [الحِجْرِ: ٤٨] . (p-٩٦)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿تَصْلى نارًا حامِيَةً﴾ قَرَأ أهْلُ البَصْرَةِ وعاصِمٌ إلّا حَفْصًا " تُصْلى " بِضَمِّ التّاءِ. والباقُونَ بِفَتْحِها. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: قَدْ حَمِيَتْ فَهي تَتَلَظّى عَلى أعْداءِ اللَّهِ، ﴿تُسْقى مِن عَيْنٍ آنِيَةٍ﴾ أيْ: مُتَناهِيَةٌ في الحَرارَةِ. قالَ الحَسَنُ: وقَدْ [أُوقِدَتْ] عَلَيْها جَهَنَّمُ مُنْذُ خُلِقَتْ، فَدُفِعُوا إلَيْها [وِرْدًا] عِطاشًا. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَيْسَ لَهم طَعامٌ إلا مِن ضَرِيعٍ﴾ فِيهِ سِتَّةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّهُ نَبْتٌ ذُو شَوْكٍ لاطِئٍ بِالأرْضِ، وتُسَمِّيهِ قُرَيْشٌ " الشِّبْرِقَ " فَإذا هاجَ سَمَّوْهُ: ضَرِيعًا، رَواهُ العَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وبِهِ قالَ مُجاهِدٌ، وعِكْرِمَةُ، وقَتادَةُ. والثّانِي: أنَّهُ شَجَرٌ مِن نارٍ، رَواهُ الوالِبِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّالِثُ: أنَّها الحِجارَةُ، قالَهُ ابْنُ جُبَيْرٍ. والرّابِعُ: أنَّهُ السَّلَمُ، قالَهُ أبُو الجَوْزاءِ. والخامِسُ: أنَّهُ في الدُّنْيا: الشَّوْكُ اليابِسُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ ورَقٌ، وهو في الآخِرَةِ شَوْكٌ مِن نارٍ، قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ. (p-٩٧)والسّادِسُ: أنَّهُ طَعامٌ يَضْرَعُونَ إلى اللَّهِ تَعالى مِنهُ، قالَهُ ابْنُ كَيْسانَ. قالَ المُفَسِّرُونَ: لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ قالَ المُشْرِكُونَ: إنَّ إبِلَنا لَتَسْمَنُ عَلى الضَّرِيعِ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿لا يُسْمِنُ ولا يُغْنِي مِن جُوعٍ﴾ وكَذَبُوا، فَإنَّ الإبِلَ إنَّما تَرْعاهُ ما دامَ رَطِبًا، وحِينَئِذٍ يُسَمّى شِبْرِقًا، لا ضَرِيعًا، فَإذا يَبِسَ يُسَمّى: ضَرِيعًا لَمْ يَأْكُلْهُ شَيْءٌ. فَإنْ قِيلَ: إنَّهُ قَدْ أخْبَرَ في هَذِهِ الآيَةِ: ﴿لَيْسَ لَهم طَعامٌ إلا مِن ضَرِيعٍ﴾ وفي مَكانٍ آخَرَ ﴿وَلا طَعامٌ إلا مِن غِسْلِينٍ﴾ [الحاقَّةُ: ٣٦] فَكَيْفَ الجَمْعُ بَيْنَهُما؟ فالجَوابُ: أنَّ النّارَ دَرَكاتٌ، وعَلى قَدْرِ الذُّنُوبِ تَقَعُ العُقُوباتُ، فَمِنهم مَن طَعامُهُ الزَّقُّومُ، [وَمِنهُمْ] مَن طَعامُهُ غِسْلِينٌ، ومِنهم مَن شَرابُهُ الحَمِيمُ، ومِنهم مَن شَرابُهُ الصَّدِيدُ. قالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب