الباحث القرآني

(p-٩٨)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ﴾ أيْ: في نِعْمَةٍ وكَرامَةٍ ﴿لِسَعْيِها﴾ في الدُّنْيا ﴿راضِيَةٌ﴾ والمَعْنى: رَضِيَتْ بِثَوابِ عَمَلِها ﴿فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ﴾ قَدْ فَسَّرْناهُ في " الحاقَّةِ " [آيَةُ: ٢٢] ﴿لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً﴾ قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرٍو، ورُوَيْسٌ " لا يُسْمَعُ " بِياءٍ مَضْمُومَةٍ. " لاغِيَةٌ " بِالرَّفْعِ. وقَرَأ نافِعٌ كَذَلِكَ إلّا أنَّهُ بِتاءٍ مَضْمُومَةٍ، والباقُونَ بِتاءٍ مَفْتُوحَةٍ، ونَصْبِ " لاغِيَةً " والمَعْنى: لا تَسْمَعُ فِيها كَلِمَةَ [لَغْوٍ] ﴿فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: ألْواحُها مِن ذَهَبٍ مُكَلَّلَةٌ بِالزَّبَرْجَدِ، والدُّرِّ، والياقُوتِ، مُرْتَفِعَةٌ ما لَمْ يَجِئْ أهْلُها، فَإذا أرادَ أنْ يَجْلِسَ عَلَيْها صاحِبُها، تَواضَعَتْ لَهُ حَتّى يَجْلِسَ عَلَيْها، ثُمَّ تَرْتَفِعُ إلى مَوْضِعِها ﴿وَأكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ﴾ عِنْدَهم وقَدْ ذَكَرْنا " الأكْوابَ " في [الزُّخْرُفِ: ٧١] ﴿وَنَمارِقُ﴾ وهي الوَسائِدُ، واحِدُها: نُمْرُقَةٌ بِضَمِّ النُّونِ. قالَ الفَرّاءُ: وسَمِعْتُ بَعْضَ كَلْبٍ تَقُولُ: نِمْرِقَةٌ، بِكَسْرِ النُّونِ والرّاءِ ﴿مَصْفُوفَةٌ﴾ بَعْضُها إلى جَنْبِ بَعْضٍ، والزَّرابِيُّ: الطَّنافِسُ [الَّتِي] لَها خَمْلٌ رَقِيقٌ [مَبْثُوثَةٌ] كَثِيرَةٌ. قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: كَثِيرَةٌ مُفَرَّقَةٌ. قالَ المُفَسِّرُونَ: لَمّا نَعَتَ اللَّهَ سُبْحانَهُ ما في الجَنَّةِ، عَجِبَ مِن ذَلِكَ أهْلُ الكَفَرَةِ، فَذَكَّرَهم صُنْعَهُ، فَقالَ تَعالى: ﴿أفَلا يَنْظُرُونَ (p-٩٩)إلى الإبِلِ﴾ وقالَ قَتادَةُ: ذَكَرَ اللَّهُ ارْتِفاعَ [سُرُرِ] الجَنَّةِ، وفُرُشِها، فَقالُوا: كَيْفَ نَصْعَدُها، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ. قالَ العُلَماءُ: وإنَّما خَصَّ الإبِلَ مِن غَيْرِها لِأنَّ العَرَبَ لَمْ يَرَوْا بَهِيمَةً قَطُّ أعْظَمَ مِنها، ولَمْ يُشاهِدُوا الفِيلَ إلّا الشّاذُّ مِنهُمْ، ولِأنَّها كانَتْ أنْفَسَ أمْوالِهِمْ وأكْثَرَها، لا تُفارِقُهم ولا يُفارِقُونَها، فَيُلاحِظُونَ فِيها العِبَرَ الدّالَّةَ عَلى قُدْرَةِ الخالِقِ، مِن إخْراجِ لَبَنِها مِن بَيْنِ فَرْثٍ ودَمٍ [وَ] مِن عَجِيبِ خَلْقِها، وهي عَلى عِظَمِها مُذَلَّلَةٌ لِلْحِمْلِ الثَّقِيلِ، وتَنْقادُ لِلصَّبِيِّ الصَّغِيرِ، ولَيْسَ في ذَواتِ الأرْبَعِ ما يُحْمَلُ عَلَيْهِ وقْرُهُ وهو بارِكٌ فَيُطِيقُ النُّهُوضَ بِهِ سِواها. وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ، وأبُو عِمْرانَ الجَوْنِيُّ، والأصْمَعِيُّ عَنْ أبِي عَمْرٍو: " الإبْلِ " بِإسْكانِ الباءِ، وتَخْفِيفِ اللّامِ. وقَرَأ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وعائِشَةُ، وأبُو المُتَوَكِّلِ، والجَحْدَرِيُّ، وابْنُ السَّمَيْفَعِ، ويُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ وهارُونُ كِلاهُما عَنْ أبِي عَمْرٍو: " الإبِلِّ " بِكَسْرِ الباءِ، وتَشْدِيدِ اللّامِ. قالَ هارُونُ: قالَ أبُو عَمْرٍو: " الإبِلُّ " بِتَشْدِيدِ اللّامِ: السَّحابُ الَّذِي يَحْمِلُ الماءَ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ وقَرَأ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ، وابْنُ عَبّاسٍ، وأبُو العالِيَةِ، وأبُو عِمْرانَ، وابْنُ أبِي عَبْلَةَ " خَلَقْتُ " بِفَتْحِ الخاءِ، وضَمِّ التّاءِ. وَكَذَلِكَ قَرَؤُوا: " رَفَعْتُ " و " نَصَبْتُ " و " سَطَحْتُ " . (p-١٠٠)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإلى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ﴾ مِنَ الأرْضِ حَتّى لا يَنالَها شَيْءٌ بِغَيْرِ عَمَدٍ ﴿وَإلى الجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ﴾ عَلى الأرْضِ لا تَزُولُ ولا تَتَغَيَّرُ ﴿وَإلى الأرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ﴾ أيْ: بُسِطَتْ. والسَّطْحُ: بَسْطُ الشَّيْءِ، وكُلُّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلى [قُدْرَةِ] خالِقِهِ ﴿فَذَكِّرْ﴾ أيْ: عِظْ ﴿إنَّما أنْتَ مُذَكِّرٌ﴾ أيْ: واعِظٌ، ولَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ أمْرٌ بِغَيْرِ التَّذْكِيرِ، ويَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ﴾ أيْ: بِمُسَلَّطٍ، فَتَقْتُلُهم وتُكْرِهُهم عَلى الإيمانِ. ثُمَّ نَسَخَتْها آيَةُ السَّيْفِ. وقَرَأ أبُو رَزِينٍ، وأبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وعِكْرِمَةُ، ومُجاهِدٌ، وقَتادَةُ، والحَلْوانِيُّ عَنِ ابْنِ عامِرٍ: " بِمُسَيْطِرٍ " بِالسِّينِ. وقَدْ سَبَقَ بَيانُ " المُسَيْطِرِ " في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿أمْ هُمُ المُصَيْطِرُونَ﴾ [الطَّوْرِ: ٣٧] . قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إلا مَن تَوَلّى﴾ وهَذا اسْتِثْناءٌ مُنْقَطِعٌ مَعْناهُ: لَكِنْ مَن تَوَلّى ﴿وَكَفَرَ﴾ بَعْدَ التَّذَكُّرِ. وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ، وعَمْرُو بْنُ العاصِ، وأنَسُ بْنُ مالِكٍ، وأبُو مِجْلَزٍ، وقَتادَةُ، وسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: " ألا مَن تَوَلّى " بِفَتْحِ الهَمْزَةِ وتَخْفِيفِ اللّامِ ﴿فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ العَذابَ الأكْبَرَ﴾ وهو أنْ يُدْخِلَهُ جَهَنَّمَ، وذَلِكَ أنَّهم قَدْ عَذَّبُوا في الدُّنْيا (p-١٠١)بِالجُوعِ، والقَتْلِ، والأسْرِ، فَكانَ عَذابُ جَهَنَّمَ هو الأكْبَرَ ﴿إنَّ إلَيْنا إيابَهُمْ﴾ قَرَأ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وعائِشَةُ، وعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وأبُو جَعْفَرٍ: " إيّابَهم " بِتَشْدِيدِ الياءِ، أيْ: رُجُوعُهم ومَصِيرُهم بَعْدَ المَوْتِ ﴿ثُمَّ إنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ﴾ قالَ مُقاتِلٌ: أيْ: جَزاءَهم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب