الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿بَلى﴾ قالَ الفَرّاءُ: المَعْنى: بَلى لَيَحُورَنَّ، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ، فَقالَ تَعالى: ﴿إنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيرًا﴾ قالَ المُفَسِّرُونَ: بَصِيرًا عَلى جَمِيعِ أحْوالِهِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَلا أُقْسِمُ﴾ قَدْ سَبَقَ بَيانُهُ.
فَأمّا " الشَّفَقُ " فَقالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: هُما شَفَقانِ: الأحْمَرُ، والأبْيَضُ، فالأحْمَرُ: مِن لَدُنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إلى وقْتِ صَلاةِ العِشاءِ ثُمَّ يَغِيبُ، ويَبْقى الشَّفَقُ الأبْيَضُ إلى نِصْفِ اللَّيْلِ.
وَلِلْمُفَسِّرِينَ في المُرادِ " بِالشَّفَقِ " هاهُنا سِتَّةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: الحُمْرَةُ الَّتِي تَبْقى في الأُفُقِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ. وقَدْ رَوى ابْنُ (p-٦٦)عُمَرَ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أنَّهُ قالَ: " الشَّفَقُ: الحُمْرَةُ "»، وهَذا قَوْلُ عُمَرَ، وابْنِهِ، وابْنِ مَسْعُودٍ، وعُبادَةَ، وأبِي قَتادَةَ، وجابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وابْنِ عَبّاسٍ، وأبِي هُرَيْرَةَ، وأنَسٍ، وابْنِ المُسَيَّبِ، وابْنِ جُبَيْرٍ، وطاوُوسٍ، ومَكْحُولٍ، ومالِكٍ، والأوْزاعِيِّ، وأبِي يُوسُفَ، والشّافِعِيِّ، وأبِي عُبَيْدٍ، وأحْمَدَ، وإسْحاقَ، وابْنِ قُتَيْبَةَ، والزَّجّاجِ. قالَ الفَرّاءُ: سَمِعْتُ بَعْضَ العَرَبِ يَقُولُ وعَلَيْهِ ثَوْبٌ مَصْبُوغٌ: كَأنَّهُ الشَّفَقُ، وكانَ أحْمَرَ.
والثّانِي: أنَّهُ النَّهارُ.
والثّالِثُ: الشَّمْسُ، رُوِيَ القَوْلانِ عَنْ مُجاهِدٍ.
والرّابِعُ: ما بَقِيَ مِنَ النَّهارِ، قالَهُ عِكْرِمَةُ.
والخامِسُ: السَّوادُ الَّذِي يَكُونُ بَعْدَ ذَهابِ البَياضِ، قالَهُ أبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ.
والسّادِسُ: أنَّهُ البَياضُ، قالَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واللَّيْلِ وما وسَقَ﴾ أيْ: وما جَمَعَ وضَمَّ. وأنْشَدُوا:
؎ إنَّ لَنا قَلائِصًا حَقائِقًا مُسْتَوْسِقاتٍ لَوْ يَجِدْنَ سائِقًا
(p-٦٧)قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: ﴿وَما وسَقَ﴾ ما عَلا فَلَمْ يَمْنَعْ مِنهُ شَيْءٌ، فَإذا جَلَّلَ اللَّيْلُ الجِبالَ، والأشْجارَ، والبِحارَ، والأرْضَ، فاجْتَمَعَتْ لَهُ، فَقَدْ وسَقَها. وقالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنى: " ما وسَقَ ": ما جَمَعَ مِمّا كانَ مُنْتَشِرًا بِالنَّهارِ في تَصَرُّفِهِ إلى مَأْواهُ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿والقَمَرِ إذا اتَّسَقَ﴾ قالَ الفَرّاءُ: اتِّساقُهُ: اجْتِماعُهُ واسْتِواؤُهُ لَيْلَةَ ثَلاثَ عَشْرَةَ، وأرْبَعَ عَشْرَةَ، إلى سِتَّ عَشْرَةَ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ﴾ قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ: ﴿لَتَرْكَبُنَّ﴾ بِفَتْحِ التّاءِ والباءِ، وفي مَعْناهُ قَوْلانِ.
أحَدُهُما: أنَّهُ خِطابٌ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ . ثُمَّ في مَعْناهُ قَوْلانِ. أحَدُهُما: لَتَرْكَبَنَّ سَماءً بَعْدَ سَماءٍ، قالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، والشَّعْبِيُّ، ومُجاهِدٌ. والثّانِي: لَتَرْكَبَنَّ حالًا بَعْدَ حالٍ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، وقالَ: هو نَبِيُّكم.
والقَوْلُ الثّانِي: أنَّ الإشارَةَ إلى السَّماءِ. والمَعْنى: أنَّها تَتَغَيَّرُ ضُرُوبًا مِنَ التَّغْيِيرِ، فَتارَةً كالمُهْلِ، وتارَةً كالدِّهانِ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أيْضًا.
وَقَرَأ عاصِمٌ، ونافِعٌ، وأبُو عَمْرٍو، وابْنُ عامِرٍ " لَتَرْكَبُنَّ " بِفَتْحِ التّاءِ، وضَمِّ الباءِ، وهو خِطابٌ لِسائِرِ النّاسِ. ومَعْناهُ: لَتَرْكَبُنَّ حالًا بَعْدَ حالٍ. وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ، وأبُو الجَوْزاءِ، وأبُو الأشْهَبِ " لَيَرْكَبَنَّ " بِالياءِ، ونَصْبِ الباءِ. وقَرَأ أبُو المُتَوَكِّلِ، وأبُو عِمْرانَ، وابْنُ يَعْمَرَ " لَيَرْكَبُنَّ " بِالياءِ، وضَمِّ الباءِ. و " عَنْ " بِمَعْنى " بَعْدَ " . وهَذا قَوْلُ عامَّةِ المُفَسِّرِينَ واللُّغَوِيِّينَ، وأنْشَدُوا لِلْأقْرَعِ بْنِ حابِسٍ.
؎ إنِّي امْرُؤٌ قَدْ حَلَبْتُ الدَّهْرَ أشْطُرَهُ ∗∗∗ وساقَنِي طَبَقٌ مِنهُ إلى طَبَقِ
(p-٦٨)ثُمَّ في مَعْنى الكَلامِ خَمْسَةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: أنَّهُ الشَّدائِدُ، والأهْوالُ، ثُمَّ المَوْتُ، ثُمَّ البَعْثُ، ثُمَّ العَرْضُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ.
والثّانِي: أنَّهُ الرَّخاءُ بَعْدَ الشِّدَّةِ، والشِّدَّةُ بَعْدَ الرَّخاءِ، والغِنى بَعْدَ الفَقْرِ، والفَقْرُ بَعْدَ الغِنى، والصِّحَّةُ بَعْدَ السَّقَمِ، والسَّقَمُ بَعْدَ الصِّحَّةِ، [قالَهُ الحَسَنُ.
والثّالِثُ: أنَّهُ كَوْنُ الإنْسانِ رَضِيعًا ثُمَّ فَطِيمًا ثُمَّ غُلامًا شابًّا ثُمَّ شَيْخًا]، قالَهُ عِكْرِمَةُ.
والرّابِعُ: أنَّهُ تَغَيُّرُ حالِ الإنْسانِ في الآخِرَةِ بَعْدَ الدُّنْيا، فَيَرْتَفِعُ مَن كانَ وضِيعًا، ويَتَّضِعُ مَن كانَ مُرْتَفِعًا، وهَذا مَذْهَبُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ.
والخامِسُ: أنَّهُ رُكُوبُ سَنَنِ مَن كانَ قَبْلَهم مِنَ الأوَّلِينَ، قالَهُ أبُو عُبَيْدَةَ.
وَكانَ بَعْضُ الحُكَماءِ يَقُولُ: مَن كانَ اليَوْمَ عَلى حالَةٍ، وغَدًا عَلى حالَةٍ أُخْرى، فَلْيَعْلَمْ أنَّ تَدْبِيرَهُ إلى سِواهُ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَما لَهُمْ﴾ يَعْنِي: كُفّارَ مَكَّةَ ﴿لا يُؤْمِنُونَ﴾ أيْ: لا يُؤْمِنُونَ بِمُحَمَّدٍ والقُرْآنِ، وهو اسْتِفْهامُ إنْكارٍ ﴿وَإذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ القُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ﴾ فِيهِ قَوْلانِ.
أحَدُهُما: لا يُصَلُّونَ، قالَهُ عَطاءٌ، وابْنُ السّائِبِ.
(p-٦٩)والثّانِي: لا يَخْضَعُونَ لَهُ، ويَسْتَكِينُونَ، قالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، واخْتارَهُ القاضِي أبُو يُعْلى. قالَ: وقَدِ احْتَجَّ بِها قَوْمٌ عَلى وُجُوبِ سُجُودِ التِّلاوَةِ، ولَيْسَ فِيها دَلالَةٌ عَلى ذَلِكَ، وإنَّما المَعْنى: لا يَخْشَعُونَ، ألا تَرى أنَّهُ أضافَ السُّجُودَ إلى جَمِيعِ القُرْآنِ، والسُّجُودُ يَخْتَصُّ بِمَواضِعَ مِنهُ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ﴾ بِالقُرْآنِ، والبَعْثِ، والجَزاءِ ﴿واللَّهُ أعْلَمُ بِما يُوعُونَ﴾ في صُدُورِهِمْ ويُضْمِرُونَ في قُلُوبِهِمْ مِنَ التَّكْذِيبِ. قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: " يُوعُونَ ": يَجْمَعُونَ في قُلُوبِهِمْ. وقالَ الزَّجّاجُ: يُقالُ: أوْعَيْتُ المَتاعَ في الوِعاءِ، ووَعَيْتُ العِلْمَ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَبَشِّرْهم بِعَذابٍ ألِيمٍ﴾ أيْ: أخْبِرْهم بِذَلِكَ. وقالَ الزَّجّاجُ: اجْعَلْ لِلْكَفّارِ بَدَلَ البِشارَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ بِالجَنَّةِ والرَّحْمَةِ، العَذابَ الألِيمَ. و " المَمْنُونُ " عِنْدَ أهْلِ اللُّغَةِ: المَقْطُوعُ.
{"ayahs_start":15,"ayahs":["بَلَىٰۤۚ إِنَّ رَبَّهُۥ كَانَ بِهِۦ بَصِیرࣰا","فَلَاۤ أُقۡسِمُ بِٱلشَّفَقِ","وَٱلَّیۡلِ وَمَا وَسَقَ","وَٱلۡقَمَرِ إِذَا ٱتَّسَقَ","لَتَرۡكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقࣲ","فَمَا لَهُمۡ لَا یُؤۡمِنُونَ","وَإِذَا قُرِئَ عَلَیۡهِمُ ٱلۡقُرۡءَانُ لَا یَسۡجُدُونَ ۩","بَلِ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ یُكَذِّبُونَ","وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا یُوعُونَ","فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِیمٍ","إِلَّا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَهُمۡ أَجۡرٌ غَیۡرُ مَمۡنُونِۭ"],"ayah":"فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِیمٍ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق