الباحث القرآني

(p-٦٢)سُورَةُ الِانْشِقاقِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّها بِإجْماعِهِمْ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إذا السَّماءُ انْشَقَّتْ﴾ قالَ المُفَسِّرُونَ: انْشِقاقُها مِن عَلاماتِ السّاعَةِ. وقَدْ ذُكِرَ ذَلِكَ في مَواضِعَ مِنَ القُرْآنِ. [الفُرْقانِ: ٢٢٥، الرَّحْمَنِ: ٣٧، الحاقَّةِ: ١٦] ﴿وَأذِنَتْ لِرَبِّها﴾ أيِ: اسْتَمَعَتْ وأطاعَتْ في الِانْشِقاقِ، مِنَ الأذْنِ، وهو الِاسْتِماعُ لِلشَّيْءِ والإصْغاءُ إلَيْهِ، وأنْشَدُوا: ؎ صُمٌّ إذا سَمِعُوا خَيْرًا ذُكِرْتُ بِهِ فَإنْ ذُكِرْتُ بِسُوءٍ عِنْدَهَمْ أذِنُوا (p-٦٣)﴿وَحُقَّتْ﴾ أيْ: حُقَّ لَها أنْ تُطِيعَ رَبَّها الَّذِي خَلَقَها ﴿وَإذا الأرْضُ مُدَّتْ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: تُمَدُّ مَدَّ الأدِيمِ، ويُزادُ في سَعَتِها. وقالَ مُقاتِلٌ: لا يَبْقى جَبَلٌ ولا بِناءٌ إلّا دَخَلَ فِيها. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَألْقَتْ ما فِيها﴾ مِنَ المَوْتى والكُنُوزِ ﴿وَتَخَلَّتْ﴾ أيْ: خَلَتْ مِن ذَلِكَ، فَلَمْ يَبْقَ في باطِنِها شَيْءٌ. واخْتَلَفُوا في جَوابِ هَذِهِ الأشْياءِ المَذْكُوراتِ عَلى أرْبَعَةِ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّهُ مَتْرُوكٌ، لِأنَّ المَعْنى مَعْرُوفٌ قَدْ تَرَدَّدَ في القُرْآنِ. والثّانِي: أنَّهُ ﴿يا أيُّها الإنْسانُ﴾، كَقَوْلِ القائِلِ: إذا كانَ كَذا وكَذا فَيا أيُّها النّاسُ تَرَوْنَ ما عَمِلْتُمْ، فَيُجْعَلُ: ﴿يا أيُّها الإنْسانُ﴾ هو الجَوابَ، وتُضْمَرُ فِيهِ الفاءُ، كَأنَّ المَعْنى: يَرى الثَّوابَ والعِقابَ إذا السَّماءُ انْشَقَّتْ، وذَكَرَ القَوْلَيْنِ الفَرّاءُ. والثّالِثُ: أنَّ في الكَلامِ تَقْدِيمًا وتَأْخِيرًا، تَقْدِيرُهُ: ﴿يا أيُّها الإنْسانُ إنَّكَ كادِحٌ إلى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ﴾ ﴿إذا السَّماءُ انْشَقَّتْ﴾ قالَهُ المُبَرِّدُ. والرّابِعُ: أنَّ الجَوابَ مَدْلُولٌ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَمُلاقِيهِ﴾ . فالمَعْنى: إذا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ لَقِيَ الإنْسانُ عَمَلَهُ، قالَهُ الزَّجّاجُ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّكَ كادِحٌ إلى رَبِّكَ كَدْحًا﴾ فِيهِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: إنَّكَ عامِلٌ لِرَبِّكَ عَمَلًا، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. والثّانِي: ساعٍ إلى رَبِّكَ سَعْيًا، قالَهُ مُقاتِلٌ. قالَ الزَّجّاجُ: و" الكَدْحُ " في اللُّغَةِ: السَّعْيُ، والدَّأْبُ في العَمَلِ في بابِ الدُّنْيا والآخِرَةِ. قالَ تَمِيمُ بْنُ مُقْبِلٍ: ؎ وما الدَّهْرُ إلّا تارَتانِ فَمِنهُما ∗∗∗ أمُوتُ وأُخْرى أبْتَغِي العَيْشَ أكْدَحُ (p-٦٤)وَفِي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إلى رَبِّكَ﴾ قَوْلانِ. أحَدُهُما: عامِلٌ لِرَبِّكَ. وقَدْ ذَكَرْناهُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّانِي: إلى لِقاءِ رَبِّكَ، قالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ. وفي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَمُلاقِيهِ﴾ قَوْلانِ. أحَدُهُما: فَمُلاقٍ عَمَلَكَ. والثّانِي: فَمُلاقٍ رَبَّكَ، كَما ذَكَرَهُما الزَّجّاجُ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِسابًا يَسِيرًا﴾ وهو أنْ تُعْرَضَ عَلَيْهِ سَيِّئاتُهُ، ثُمَّ يَغْفِرُها اللَّهُ لَهُ. وفي " الصَّحِيحَيْنِ " مِن حَدِيثِ عائِشَةَ، قالَتْ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَن نُوقِشَ الحِسابَ هَلَكَ، فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، فَإنَّ اللَّهَ يَقُولُ: " فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِسابًا يَسِيرًا " ؟! قالَ: ذَلِكَ العَرْضُ.» قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَيَنْقَلِبُ إلى أهْلِهِ﴾ يَعْنِي: في الجَنَّةِ مِنَ الحُورِ العَيْنِ والآدَمِّيّاتِ ﴿مَسْرُورًا﴾ بِما أُوتِيَ مِنَ الكَرامَةِ ﴿وَأمّا مَن أُوتِيَ كِتابَهُ وراءَ ظَهْرِهِ﴾ قالَ المُفَسِّرُونَ: تُغَلُّ يَدُهُ اليُمْنى إلى عُنُقِهِ، وتُجْعَلُ يَدُهُ اليُسْرى وراءَ ظَهْرِهِ ﴿فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا﴾ قالَ الزَّجّاجُ: يَقُولُ: يا ويْلاهُ، يا ثُبُوراهُ، وهَذا يَقُولُهُ كُلُّ مَن وقَعَ في هَلَكَةٍ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَيَصْلى سَعِيرًا﴾ قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ، والكِسائِيُّ: " ويُصَلّى " بِضَمِّ الياءِ، وتَشْدِيدِ اللّامِ. وقَرَأ عاصِمٌ، وأبُو عَمْرٍو، وحَمْزَةُ: " ويَصْلى " بِفَتْحِ الياءِ خَفِيفَةً، إلّا أنَّ حَمْزَةَ والكِسائِيَّ يُمِيلانِها. وقَدْ شَرَحْناهُ في سُورَةِ [النِّساءُ: ١١] . (p-٦٥)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّهُ كانَ في أهْلِهِ﴾ يَعْنِي في الدُّنْيا ﴿مَسْرُورًا﴾ بِاتِّباعِ هَواهُ، ورُكُوبِ شَهَواتِهِ ﴿إنَّهُ ظَنَّ أنْ لَنْ يَحُورَ﴾ أيْ: لَنْ يَرْجِعَ إلى الآخِرَةِ، ولَنْ يُبْعَثَ وهَذِهِ صِفَةُ الكافِرِ. قالَ اللُّغَوِيُّونَ: الحَوْرُ في اللُّغَةِ: الرُّجُوعُ، وأنْشَدُوا لِلْبَيْدٍ: ؎ وما المَرْءُ إلّا كالشِّهابِ وضَوْئِهِ ∗∗∗ يَحُورُ رَمادًا بَعْدَ إذْ هو ساطِعُ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب