الباحث القرآني

(p-٥١)سُورَةُ المُطَفِّفِينَ وَفِيها ثَلاثَةُ أقْوالٍ أحَدُها: أنَّها مَكِّيَّةٌ، قالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، والضَّحّاكُ، ويَحْيى بْنُ سَلامٍ. والثّانِي: مَدَنِيَّةٌ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، والحَسَنُ، وعِكْرِمَةُ، وقَتادَةُ، ومُقاتِلٌ، إلّا أنَّ ابْنَ عَبّاسٍ، وقَتادَةَ قالا: فِيها ثَمانِي آياتٍ مَكِّيَّةٌ، مِن قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ أجْرَمُوا﴾ [المُطَفِّفِينَ: ٢٩] إلى آخِرِها. وقالَ مُقاتِلٌ: فِيها آيَةٌ مَكِّيَّةٌ، وهي قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أساطِيرُ الأوَّلِينَ﴾ [المُطَفِّفِينَ: ١٣] . والثّالِثُ: أنَّها نَزَلَتْ بَيْنَ مَكَّةَ، والمَدِينَةِ، قالَهُ جابِرُ بْنُ زَيْدٍ وابْنُ السّائِبِ، وذَكَرَ هِبَةُ اللَّهِ ابْنُ سَلامَةَ المُفَسِّرُ: أنَّها نَزَلَتْ في الهِجْرَةِ بَيْنَ مَكَّةَ والمَدِينَةِ، نِصْفُها يُقارِبُ مَكَّةَ، ونِصْفُها يُقارِبُ المَدِينَةَ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: «لَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (p-٥٢)المَدِينَةَ كانُوا مِن أخْبَثِ النّاسِ كَيْلًا، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ﴾ فَأحْسَنُوا الكَيْلَ بَعْدَ ذَلِكَ.» وقالَ السُّدِّيُّ: «قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ المَدِينَةَ، وبِها رَجُلٌ يُقالُ لَهُ: أبُو جُهَيْنَةَ، ومَعَهُ صاعانِ، يَكِيلُ بِأحَدِهِما، ويَكْتالُ بِالآخَرِ، فَأنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيَةَ.» وقَدْ شَرَحْنا مَعْنى " الوَيْلِ " في [البَقَرَةِ: ٧٩] . وقالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: المُطَفِّفُ: الَّذِي لا يُوَفِّي الكَيْلَ، يُقالُ: إناءٌ طَفّانٌ: إذا لَمْ يَكُنْ مَمْلُوءًا. وقالَ الزَّجّاجُ: إنَّما قِيلَ: مُطَفِّفٌ، لِأنَّهُ لا يَكادُ يَسْرِقُ في المِيزانِ والمِكْيالِ إلّا الشَّيْءَ الطَّفِيفَ، وإنَّما أُخِذَ مِن طَفِّ الشَّيْءِ، وهو جانِبُهُ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿الَّذِينَ إذا اكْتالُوا عَلى النّاسِ﴾ أيْ: مِنَ النّاسِ. فَـ " عَلى " بِمَعْنى " مِن " في قَوْلِ المُفَسِّرِينَ واللُّغَوِيِّينَ. قالَ الفَرّاءُ: " عَلى "، و " مِن " يَعْتَقِبانِ في هَذا المَوْضِعِ، لِأنَّكَ إذا قُلْتَ: اكْتَلْتُ عَلَيْكَ، فَكَأنَّكَ قُلْتَ: أخَذْتُ ما عَلَيْكَ [كَيْلا]، وإذا قُلْتَ: اكْتَلْتُ مِنكَ، فَهو كَقَوْلِكَ: اسْتَوْفَيْتُ مِنكَ [كَيْلًا] . قالَ الزَّجّاجُ: المَعْنى: إذا اكْتالُوا مِنَ النّاسِ اسْتَوْفَوْا عَلَيْهِمُ الكَيْلَ، وكَذَلِكَ إذا اتَّزَنُوا، ولَمْ يَذْكُرْ " إذا اتَّزَنُوا " لِأنَّ الكَيْلَ والوَزْنَ بِهِما الشِّراءُ والبَيْعُ فِيما يُكالُ ويُوزَنُ، فَأحَدُهُما يَدُلُّ عَلى الآخَرِ ﴿وَإذا كالُوهُمْ﴾ أيْ: كالُوا لَهم ﴿أوْ وزَنُوهُمْ﴾ أيْ: وزَنُوا لَهم. ﴿يُخْسِرُونَ﴾ أيْ: يُنْقِصُونَ في الكَيْلِ، والوَزْنِ. فَعَلى هَذا لا يَجُوزُ أنْ يَقِفَ عَلى " كالُوا "، ومِنَ النّاسِ مَن يَجْعَلُ " هم " تَوْكِيدًا لِما كالُوا، ويَجُوزُ أنْ يَقِفَ عَلى " كالُوا " والِاخْتِيارُ الأوَّلُ. قالَ الفَرّاءُ: سَمِعْتُ أعْرابِيَّةً تَقُولُ: (p-٥٣)إذا صَدَرَ النّاسُ أتَيْنا التّاجِرَ، فَيَكِيلُنا المُدَّ والمُدَّيْنِ إلى المَوْسِمِ المُقْبِلِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ألا يَظُنُّ أُولَئِكَ أنَّهم مَبْعُوثُونَ﴾ قالَ الزَّجّاجُ: المَعْنى: لَوْ ظَنُّوا أنَّهم يُبْعَثُونَ ما نَقَصُوا في الكَيْلِ والوَزْنِ ﴿لِيَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ يَعْنِي بِهِ يَوْمَ القِيامَةِ ﴿يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ﴾ مَنصُوبٌ بِقَوْلِهِ تَعالى ﴿مَبْعُوثُونَ﴾ . قالَ المُفَسِّرُونَ: والظَّنُّ هاهُنا بِمَعْنى العِلْمِ واليَقِينِ. ومَعْنى: يَقُومُ النّاسُ، أيْ: مِن قُبُورِهِمْ ﴿لِرَبِّ العالَمِينَ﴾ أيْ: لِأمْرِهِ، أوْ لِجَزائِهِ وحِسابِهِ. وقِيلَ: يَقُومُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ لِفَصْلِ القَضاءِ. وفي " الصَّحِيحَيْنِ " مِن حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أنَّهُ قالَ: في هَذِهِ الآيَةِ: " يَقُومُ أحَدُهم في رَشْحِهِ إلى أنْصافِ أُذُنَيْهِ "» . وقالَ كَعْبٌ: يَقِفُونَ ثَلاثَمِائَةِ عامٍ. قالَ مُقاتِلٌ: وذَلِكَ إذا خَرَجُوا مِن قُبُورِهِمْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب