الباحث القرآني
(p-٣٧)سُورَةُ التَّكْوِيرِ
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّها بِإجْماعِهِمْ
رَوى أبُو عَبْدِ اللهِ الحاكِمُ في " صَحِيحِهِ " مِن حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَن أحَبَّ أنْ يَنْظُرَ إلى يَوْمِ القِيامَةِ فَلْيَقْرَأْ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿إذا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾» .
وَفِي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿كُوِّرَتْ﴾ أرْبَعَةُ أقْوالٍ.
(p-٣٨)أحَدُها: أظْلَمَتْ، رَواهُ الوالِبِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وكَذَلِكَ قالَ الفَرّاءُ: ذَهَبَ ضَوْؤُها، وهَذا قَوْلُ قَتادَةُ، ومُقاتِلٍ.
والثّانِي: ذَهَبَتْ، رَواهُ عَطِيَّةُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وكَذَلِكَ قالَ مُجاهِدٌ: اضْمَحَلَّتْ.
والثّالِثُ: غُوِّرَتْ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وابْنِ الأنْبارِيِّ، وهَذا مِن قَوْلِ النّاسِ بِالفارِسِيَّةِ: كُورْبَكَرْدُ. وقَرَأْتُ عَلى شَيْخِنا أبِي مَنصُورٍ اللُّغَوِيِّ قالَ: هو بِالفارِسِيَّةِ كُورْبُورُ.
والرّابِعُ: أنَّها تُكَوَّرُ مِثْلَ تَكْوِيرِ العِمامَةِ، فَتُلَفُّ وتُمْحى، قالَهُ أبُو عُبَيْدَةَ.
قالَ الزَّجّاجُ: ومَعْنى: " كُوِّرَتْ " جُمِعَ ضَوْؤُها، ولُفَّتْ كَما تُلَفُّ العِمامَةُ. ويُقالُ: كَوَّرْتُ العِمامَةَ عَلى رَأْسِي أُكَوِّرُها: إذا لَفَفْتُها. قالَ المُفَسِّرُونَ: تُجْمَعُ الشَّمْسُ بَعْضُها إلى بَعْضٍ، ثُمَّ تُلَفُّ ويُرْمى بِها في البَحْرِ. وقِيلَ: في النّارِ. وقِيلَ: تُعادُ إلى ما خُلِقَتْ مِنهُ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإذا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ﴾ أيْ: تَناثَرَتْ، وتَهافَتَتْ. يُقالُ: انْكَدَرَ الطّائِرُ في الهَواءِ: إذا انْقَضَّ ﴿وَإذا الجِبالُ سُيِّرَتْ﴾ عَنْ وجْهِ الأرْضِ، فاسْتَوَتْ مَعَ الأرْضِ ﴿وَإذا العِشارُ عُطِّلَتْ﴾ قالَ المُفَسِّرُونَ وأهْلُ اللُّغَةِ: العِشارُ: النُّوقُ الحَوامِلُ، وهي الَّتِي أتى عَلَيْها في الحَمْلِ عَشْرَةُ أشْهُرٍ فَقِيلَ لَها: العِشارُ لِذَلِكَ، وذَلِكَ الوَقْتُ أحْسَنُ زَمانِ حَمْلِها، وهي تَضَعُ إذاوَضَعَتْ لِتَمامٍ في سَنَةٍ، فَهي أنْفَسُ ما لِلْعَرَبِ عِنْدَهُمْ، فَلا يُعَطِّلُونَها إلّا لِإتْيانِ ما يَشْغَلُهم عَنْها، وإنَّما (p-٣٩)خُوطِبَتِ العَرَبُ بِأمْرِ العِشارِ، لِأنَّ أكْثَرَ عَيْشِهِمْ ومالِهِمْ مِنَ الإبِلِ. ومَعْنى " عُطِّلَتْ " سُيِّبَتْ وأُهْمِلَتْ، لاشْتِغالِهِمْ عَنْها بِأهْوالِ القِيامَةِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإذا الوُحُوشُ﴾ يَعْنِي: دَوابَّ البَحْرِ ﴿حُشِرَتْ﴾ وفِيهِ قَوْلانِ.
أحَدُهُما: ماتَتْ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ.
والثّانِي: جُمِعَتْ إلى القِيامَةِ، قالَهُ السُّدِّيُّ. وقَدْ زِدْنا هَذا شَرْحًا في [الأنْعامِ: ١١١] .
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإذا البِحارُ سُجِّرَتْ﴾ قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرٍو، " سُجِرَتْ " بِتَخْفِيفِ الجِيمِ، وقَرَأ الباقُونَ بِتَشْدِيدِها.
وَفِي المَعْنى ثَلاثَةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: أُوقِدَتْ فاشْتَعَلَتْ نارًا، قالَهُ عَلِيٌّ وابْنُ عَبّاسٍ.
والثّانِي: يَبِسَتْ، قالَهُ الحَسَنُ.
والثّالِثُ: مُلِئَتْ بِأنْ صارَتْ بَحْرًا واحِدًا، وكَثُرَ ماؤُها، قالَهُ ابْنُ السّائِبِ، والفَرّاءُ، وابْنُ قُتَيْبَةَ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإذا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: قُرِنَتْ بِأشْكالِها، قالَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. الصّالِحُ مَعَ الصّالِحِ في الجَنَّةِ، والفاجِرُ مَعَ الفاجِرِ في النّارِ، وهَذا قَوْلُ الحَسَنِ، وقَتادَةَ.
والثّانِي: رُدَّتِ الأرْواحُ إلى الأجْسادِ، فَزُوِّجَتْ بِها، قالَهُ الشَّعْبِيُّ. وعَنْ عِكْرِمَةَ كالقَوْلَيْنِ.
والثّالِثُ: زُوِّجَتْ أنْفُسُ المُؤْمِنِينَ بِالحُورِ العِينِ، وأنْفُسُ الكافِرِينَ بِالشَّياطِينِ، قالَهُ عَطاءٌ، ومُقاتِلٌ.
(p-٤٠)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإذا المَوْءُودَةُ سُئِلَتْ﴾ قالَ اللُّغَوِيُّونَ: المَوْؤُودَةُ: البِنْتُ تُدْفَنُ وهي حَيَّةٌ، وكانَ هَذا مِن فِعْلِ الجاهِلِيَّةِ. ويُقالُ: وأدَ ولَدَهُ، أيْ: دَفَنَهُ حَيًّا. قالَ الفَرَزْدَقُ:
؎ ومِنّا الَّذِي مَنَعَ الوائِدا تِ فَأحْيا الوَئِيدَ ولَمْ يُوأدِ
يَعْنِي: صَعْصَعَةَ بْنَ صُوحانَ، وهو جَدُّ الفَرَزْدَقِ. قالَ الزَّجّاجُ: ومَعْنى سُؤالِها: تَبْكِيتُ قاتِلِيها في القِيامَةِ، لِأنَّ جَوابَها: قُتِلْتُ بِغَيْرِ ذَنْبٍ. ومِثْلُ هَذا التَّبْكِيتِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أأنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ اتَّخِذُونِي وأُمِّيَ إلَهَيْنِ﴾؟! [المائِدَةُ: ١١٦] . وقَرَأ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ، وابْنُ مَسْعُودٍ، وابْنُ عَبّاسٍ، وأبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وابْنُ يَعْمَرَ، وابْنُ أبِي عَبْلَةَ، وهارُونُ عَنْ أبِي عَمْرٍو: " سَألَتْ " بِفَتْحِ السِّينِ، وألِفٍ بَعْدَها ﴿بِأيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ﴾ بِإسْكانِ اللّامِ، وضَمِّ التّاءِ الأخِيرَةِ. وسُؤالُها هَذا أيْضًا تَبْكِيتٌ لِقاتِلِيها. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: كانَتِ المَرْأةُ في الجاهِلِيَّةِ إذا حَمَلَتْ، فَكانَ أوانُ وِلادِها حَفَرَتْ حَفِيرَةً، فَتَمَخَّضَتْ عَلى رَأْسِ الحَفِيرَةِ، فَإنْ ولَدَتْ جارِيَةً رَمَتْ بِها في الحَفِيرَةِ، وإنْ ولَدَتْ غُلامًا حَبَسَتْهُ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإذا الصُّحُفُ نُشِرَتْ﴾ قَرَأ نافِعٌ، وعاصِمٌ، وأبُو جَعْفَرٍ، وابْنُ عامِرٍ، ويَعْقُوبُ " نُشِرَتْ " بِالتَّخْفِيفِ، والباقُونَ بِالتَّشْدِيدِ. والمُرادُ بِالصُّحُفِ: صَحائِفُ أعْمالِ بَنِي آدَمَ تُنْشَرُ لِلْحِسابِ ﴿وَإذا السَّماءُ كُشِطَتْ﴾ قالَ الفَرّاءُ: نُزِعَتْ، فَطُوِيَتْ. وفي قِراءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: " قُشِطَتْ " بِالقافِ، وهَكَذا تَقُولُهُ قَيْسٌ، وتَمِيمٌ، وأسَدٌ: بِالقافِ. وأمّا قُرَيْشٌ، فَتَقُولُهُ بِالكافِ، والمَعْنى واحِدٌ. (p-٤١)والعَرَبُ تَقُولُ: القافُورُ، والكافُورُ، والقِسْطُ، والكِسْطُ. وإذا تَقارَبَ الحَرْفانِ في المَخْرَجِ تَعاقَبا في اللُّغاتِ، كَما يُقالُ: حَدَثٌ، وحَدَتٌ. قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: كُشِطَتْ كَما يُكْشَطُ الغِطاءُ عَنِ الشَّيْءِ، فَطُوِيَتْ. وقالَ الزَّجّاجُ: قُلِعَتْ كَما يُقْلَعُ السَّقْفُ. و ﴿سُعِّرَتْ﴾ أُوقِدَتْ. وقَرَأ نافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ، وحَفْصٌ عَنْ عاصِمٍ: " سُعِّرَتْ " مُشَدَّدَةً. قالَ الزَّجّاجُ: المَعْنى واحِدٌ. إلّا أنَّ مَعْنى المُشَدَّدِ: أُوقِدَتْ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ. و ﴿أُزْلِفَتْ﴾ قُرِّبَتْ مِنَ المُتَّقِينَ. وجَوابُ هَذِهِ الأشْياءِ ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أحْضَرَتْ﴾ أيْ: إذا كانَتْ هَذِهِ الأشْياءُ عَلِمَتْ في ذَلِكَ الوَقْتِ كُلُّ نَفْسٍ ما أحْضَرَتْ مِن عَمَلٍ، فَأُثِيبَتْ عَلى قَدْرِ عَمَلِها. ورُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ أنَّهُ قالَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أحْضَرَتْ﴾: لِهَذا جَرى الحَدِيثُ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: مِن أوَّلِ السُّورَةِ إلى هاهُنا اثْنَتا عَشْرَةَ خِصْلَةً، سِتَّةٌ في الدُّنْيا، وسِتَّةٌ في الآخِرَةِ.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["إِذَا ٱلشَّمۡسُ كُوِّرَتۡ","وَإِذَا ٱلنُّجُومُ ٱنكَدَرَتۡ","وَإِذَا ٱلۡجِبَالُ سُیِّرَتۡ","وَإِذَا ٱلۡعِشَارُ عُطِّلَتۡ","وَإِذَا ٱلۡوُحُوشُ حُشِرَتۡ","وَإِذَا ٱلۡبِحَارُ سُجِّرَتۡ","وَإِذَا ٱلنُّفُوسُ زُوِّجَتۡ","وَإِذَا ٱلۡمَوۡءُۥدَةُ سُىِٕلَتۡ","بِأَیِّ ذَنۢبࣲ قُتِلَتۡ","وَإِذَا ٱلصُّحُفُ نُشِرَتۡ","وَإِذَا ٱلسَّمَاۤءُ كُشِطَتۡ","وَإِذَا ٱلۡجَحِیمُ سُعِّرَتۡ","وَإِذَا ٱلۡجَنَّةُ أُزۡلِفَتۡ","عَلِمَتۡ نَفۡسࣱ مَّاۤ أَحۡضَرَتۡ"],"ayah":"إِذَا ٱلشَّمۡسُ كُوِّرَتۡ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق