الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإذا جاءَتِ الصّاخَّةُ﴾ وهي الصَّيْحَةُ الثّانِيَةُ. قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: الصّاخَّةُ تَصُخُّ صَخًّا، أيْ: تُصِمُّ. يُقالُ: رَجُلٌ أصَخُّ، وأصْلَخُ: إذا كانَ (p-٣٥)لا يَسْمَعُ. والدّاهِيَةُ صاخَّةٌ أيْضًا. وقالَ الزَّجّاجُ: هي الصَّيْحَةُ الَّتِي تَكُونُ عَلَيْها القِيامَةُ، تَصُخُّ الأسْماعَ، أيْ: تُصِمُّها، فَلا تَسْمَعُ إلّا ما تُدْعى بِهِ لِإحْيائِها. ثُمَّ فَسَّرَ في أيِّ وقْتٍ تَجِيءُ، فَقالَ تَعالى: ﴿يَوْمَ يَفِرُّ المَرْءُ مِن أخِيهِ﴾ قالَ المُفَسِّرُونَ: المَعْنى: لا يَلْتَفِتُ الإنْسانُ إلى أحَدٍ مِن أقارِبِهِ، لِعِظَمِ ما هو فِيهِ. قالَ الحَسَنُ: أوَّلُ مَن يَفِرُّ مِن أخِيهِ هابِيلُ، ومِن أمِّهِ وأبِيهِ إبْراهِيمُ، ومِن صاحِبَتِهِ نُوحٌ ولُوطٌ، ومِنِ ابْنِهِ نُوحٌ. وقالَ قَتادَةُ: يَفِرُّ هابِيلُ مِن قابِيلَ، والنَّبِيُّ ﷺ مِن أمِّهِ، وإبْراهِيمُ مِن أبِيهِ، ولُوطٌ مِن صاحِبَتِهِ، ونُوحٌ مِنِ ابْنِهِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِكُلِّ امْرِئٍ مِنهم يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾ قالَ الفَرّاءُ: أيْ: يَشْغَلُهُ عَنْ قَرابَتِهِ. وقالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: أيْ: يَصْرِفُهُ ويَصُدُّهُ عَنْ قَرابَتِهِ، يُقالُ: اغْنِ عَنِّي وجْهَكَ، أيِ: اصْرِفْهُ، واغْنِ عَنِّي السَّفِيهَ. وقَرَأ أبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، والزُّهْرِيُّ، وأبُو العالِيَةِ، وابْنُ السَّمَيْفَعِ، وابْنُ مُحَيْصِنٍ، وابْنُ أبِي عَبْلَةَ " يَعْنِيهِ " بِفَتْحِ الياءِ والعَيْنُ غَيْرُ مُعْجَمَةٍ. قالَ الزَّجّاجُ: مَعْنى الآيَةِ: لَهُ شَأْنٌ لا يَقْدِرُ مَعَ الِاهْتِمامِ بِهِ عَلى الِاهْتِمامِ بِغَيْرِهِ. وكَذَلِكَ قِراءَةُ مَن قَرَأ: " يُغْنِيهِ " بِالغَيْنِ، مَعْناهُ: لَهُ شَأْنٌ لا يُهِمُّهُ مَعَهُ غَيْرُهُ. (p-٣٦)وَقَدْ رَوى أنَسُ بْنُ مالِكٍ قالَ: «قالَتْ عائِشَةُ لِلنَّبِيِّ ﷺ: أنُحْشَرُ عُراةً؟ قالَ: نَعَمْ. قالَتْ: واسَوْءَتاهُ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿لِكُلِّ امْرِئٍ مِنهم يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾» . قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ﴾ أيْ: مُضِيئَةٌ قَدْ عَلِمَتْ ما لَها مِنَ الخَيْرِ ﴿ضاحِكَةٌ﴾ لِسُرُورِها ﴿مُسْتَبْشِرَةٌ﴾ أيْ: فَرِحَةٌ بِما نالَها مِن كَرامَةِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ ﴿وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ﴾ أيْ: غُبارٌ. وقالَ مُقاتِلٌ: أيْ: سَوادٌ وكَآبَةٌ ﴿تَرْهَقُها﴾ أيْ: تَغْشاها ﴿قَتَرَةٌ﴾ أيْ: ظُلْمَةٌ. وقالَ الزَّجّاجُ: يَعْلُوها سَوادٌ كالدُّخانِ. ثُمَّ بَيَّنَ مَن أهْلُ هَذِهِ الحالِ؟، فَقالَ تَعالى: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الكَفَرَةُ الفَجَرَةُ﴾ وهو جَمْعُ كافِرٍ وفاجِرٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب