الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَكُلُوا مِمّا غَنِمْتُمْ﴾ قالَ الزَّجّاجُ: الفاءُ لَلْجَزاءِ. والمَعْنى: قَدْ أحْلَلْتُ لَكُمُ الفِداءَ فَكُلُوا. والحَلالُ مَنصُوبٌ عَلى الحالِ. قالَ مُقاتِلٌ: إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ لِما أخَذْتُمْ مِنَ الغَنِيمَةِ قَبْلَ حِلِّها، رَحِيمٌ بِكم إذْ أحَلَّها لَكم. «فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ، وخَبّابَ بْنَ الأرَتِّ يَوْمَ بَدْرٍ عَلى القَبْضِ، وقَسَّمَها (p-٣٨٣)النَّبِيُّ ﷺ بِالمَدِينَةِ، وانْطَلَقَ بِالأسارى، فِيهِمُ العَبّاسُ، وعَقِيلٌ، ونَوْفَلُ بْنُ الحارِثِ بْنِ عَبْدِ المَطَّلِبِ. وكانَ مَعَ العَبّاسِ يَوْمَئِذٍ عِشْرُونَ أُوقِيَّةً مِن ذَهَبٍ، فَلَمْ تُحْسَبْ لَهُ مِن فِدائِهِ، وكُلِّفَ أنْ يَفْدِيَ ابْنَيْ أخِيهِ، فَأدّى عَنْهُما ثَمانِينَ أُوقِيَّةً مِن ذَهَبٍ. وقالَ النَّبِيُّ ﷺ: "أضْعِفُوا عَلى العَبّاسِ الفِداءَ" فَأخَذُوا مِنهُ ثَمانِينَ أُوقِيَّةً، وكانَ فِداءُ كُلِّ أسِيرٍ أرْبَعِينَ أُوقِيَّةً. فَقالَ العَبّاسُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: لَقَدْ تَرَكْتَنِي ما حَيِيتُ أسْألُ قُرَيْشًا بِكَفِّي. فَقالَ لَهُ: "أيْنَ الذَّهَبُ الَّذِي تَرَكْتُهُ عِنْدَ أُمِّ الفَضْلِ"؟ فَقالَ: أيِ الذَّهَبُ؟ فَقالَ: "إنَّكَ قُلْتَ لَها: إنِّي لا أدْرِي ما يُصِيبُنِي في وجْهِي هَذا، فَإنْ حَدَثَ بِي حَدَثٌ، فَهو لَكَ ولِوَلَدِكَ" فَقالَ: ابْنُ أخِي، مَن أخْبَرَكَ؟ فَقالَ: "اللَّهُ أخْبَرَنِي" فَقالَ العَبّاسُ: أشْهَدُ أنَّكَ صادِقٌ، وما عَلِمْتُ أنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ قَبْلَ اليَوْمِ؛ وأمَرَ ابْنَيْ أخِيهِ فَأسْلَما. وفِيهِمْ نَزَلَتْ: ﴿قُلْ لِمَن في أيْدِيكم مِنَ الأسْرى﴾ الآَيَةُ.» ورَوى العَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّها نَزَلَتْ في جَمِيعِ مَن أُسِرَ يَوْمَ بَدْرٍ. وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: «لَمّا بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، أتاهُ رِجالٌ، فَقالُوا: لَوْلا أنّا نَخافُ هَؤُلاءِ القَوْمِ لَأسْلَمْنا، ولَكِنّا نَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ وأنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ. فَلَمّا كانَ يَوْمَ بَدْرٍ، قالَ المُشْرِكُونَ: لا يَتَخَلَّفُ عَنّا أحَدٌ إلّا هَدَمْنا دارَهُ واسْتَحْلَلْنا مالَهُ، فَخَرَجَ أُولَئِكَ القَوْمُ فَقُتِلَتْ طائِفَةٌ مِنهم وأُسِرَتْ طائِفَةٌ فَأمّا الَّذِينَ قُتِلُوا، فَهُمُ الَّذِينَ قالَ اللَّهُ فِيهِمْ: ﴿الَّذِينَ تَتَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ ظالِمِي أنْفُسِهِمْ﴾ [النَّحْلِ:٢٨] . وأمّا الَّذِينَ أُسِرُوا فَقالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ أنْتَ تَعْلَمُ أنّا كُنّا نَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ وأنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ. وإنَّما خَرَجْنا مَعَ هَؤُلاءِ خَوْفًا مِنهم. فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿قُلْ لِمَن في أيْدِيكم مِنَ الأسْرى﴾ إلى قَوْلِهِ ﴿عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾» . فَأمّا قَوْلُهُ: ﴿إنْ يَعْلَمِ اللَّهُ في قُلُوبِكم خَيْرًا﴾ فَمَعْناهُ إسْلامًا وصِدْقًا ﴿يُؤْتِكم خَيْرًا مِمّا أُخِذَ مِنكُمْ﴾ مِنَ الفِداءِ. وفِيهِ قَوْلانِ. (p-٣٨٤)أحَدُهُما: أكْثَرُ مِمّا أُخِذَ مِنكم. والثّانِي: أحَلُّ وأطْيَبُ. وقَرَأ الحَسَنُ، ومُجاهِدٌ، وقَتادَةُ، وابْنُ أبِي عَبْلَةَ: "مِمّا أُخِذَ مِنكُمْ" بِفَتْحِ الخاءِ؛ يُشِيرُونَ إلى اللَّهِ تَعالى. وفي قَوْلِهِ: ﴿وَيَغْفِرْ لَكُمْ﴾ قَوْلانِ. أحَدُهُما: يَغْفِرُ لَكم كُفْرَكم وقِتالَكم رَسُولَ اللَّهِ، قالَهُ الزَّجّاجُ. والثّانِي: يَغْفِرُ لَكم خُرُوجَكم مَعَ المُشْرِكِينَ، قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ في تَمامِ كَلامِهِ الأوَّلِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب