الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿كَما أخْرَجَكَ رَبُّكَ﴾ في مُتَعَلِّقٍ هَذِهِ الكافِ خَمْسَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّها مُتَعَلِّقَةٌ بِالأنْفالِ. ثُمَّ في مَعْنى الكَلامِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّ تَأْوِيلَهُ: امْضِ لِأمْرِ اللَّهِ في الغَنائِمِ وإنْ كَرِهُوا، كَما مَضَيْتَ في خُرُوجِكَ مَن بَيْتِكَ وهم كارِهُونَ، قالَهُ الفَرّاءُ. والثّانِي: أنَّ الأنْفالَ لَلَّهِ والرَّسُولِ ﷺ بِالحَقِّ الواجِبِ، كَما (p-٣٢٢)أخْرَجَكَ رَبُّكَ بِالحَقِّ، وإنْ كَرِهُوا ذَلِكَ، قالَهُ الزَّجّاجُ. والثّالِثُ: أنَّ المَعْنى: يَسْألُوكَ عَنِ الأنْفالِ مُجادَلَةً، كَما جادَلُوكَ في خُرُوجِكَ، حَكاهُ جَماعَةٌ مِنَ المُفَسِّرِينَ. والثّانِي: أنَّها مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ: ﴿فاتَّقُوا اللَّهَ وأصْلِحُوا﴾، والمَعْنى: إنَّ التَّقْوى والإصْلاحَ خَيْرٌ لَكم، كَما كانَ إخْراجُ اللَّهِ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا خَيْرًا لَكم وإنْ كَرِهَهُ بَعْضُكم، هَذا قَوْلُ عِكْرِمَةَ. والثّالِثُ: أنَّها مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ: ﴿يُجادِلُونَكَ﴾، فالمَعْنى: مُجادَلَتُهم إيّاكَ في الغَنائِمِ كَإخْراجِ اللَّهِ إيّاكَ إلى بَدْرٍ وهم كارِهُونَ، قالَهُ الكِسائِيُّ. والرّابِعُ: أنَّها مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ: ﴿أُولَئِكَ هُمُ المُؤْمِنُونَ﴾ والمَعْنى: وهُمُ المُؤْمِنُونَ حَقًّا كَما أخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالحَقِّ، ذَكَرَهُ بَعْضُ ناقِلِي التَّفْسِيرِ. والخامِسُ: أنْ "كَما" في مَوْضِعِ قَسَمٍ، مَعْناها: والَّذِي أخْرَجَكَ مِن بَيْتِكَ، قالَهُ أبُو عُبَيْدَةَ، واحْتَجَّ بِأنَّ "ما" في مَوْضِعِ "الَّذِي" ومِنهُ قَوْلُهُ: ﴿وَما خَلَقَ الذَّكَرَ والأُنْثى﴾ [اللَّيْلِ:٣] قالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: وفي هَذا القَوْلِ بَعْدَ؛ لِأنَّ الكافُ لَيْسَتْ مِن حُرُوفِ الإقْسامِ. وفي هَذا الخُرُوجِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّهُ خُرُوجُهُ إلى بَدْرٍ، وكَرِهَ ذَلِكَ طائِفَةٌ مِن أصْحابِهِ، لِأنَّهم عَلِمُوا أنَّهم لا يَظْفَرُونَ بِالغَنِيمَةِ إلّا بِالقِتالِ. والثّانِي: أنَّهُ خُرُوجُهُ مِن مَكَّةَ إلى المَدِينَةِ لَلْهِجْرَةِ. وَفِي مَعْنى قَوْلِهِ: "بِالحَقِّ" قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّكَ خَرَجْتَ ومَعَكَ الحَقُّ. والثّانِي: أنَّكَ خَرَجْتَ بِالحَقِّ الَّذِي وجَبَ عَلَيْكَ. وَفِي قَوْلِهِ: ﴿وَإنَّ فَرِيقًا مِنَ المُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ﴾ قَوْلانِ أحَدُهُما: كارِهُونَ خُرُوجَكَ. (p-٣٢٣)والثّانِي: كارِهُونَ صَرْفَ الغَنِيمَةِ عَنْهم، وهَذِهِ كَراهَةُ الطَّبْعِ لَمَشَقَّةِ السَّفَرِ والقِتالِ، ولَيْسَتْ كَراهَةً لِأمْرِ اللَّهِ تَعالى. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يُجادِلُونَكَ في الحَقِّ﴾ يَعْنِي في القِتالِ يَوْمَ بَدْرٍ، لِأنَّهم خَرَجُوا بِغَيْرِ عِدَّةٍ، فَقالُوا: هَلّا أخْبَرْتَنا بِالقِتالِ لِنَأْخُذَ العُدَّةَ، فَجادَلُوهُ طَلَبًا لَلرُّخْصَةِ في تَرْكِ القِتالِ. وفي قَوْلِهِ: ﴿بُعْدما تَبَيَّنَ﴾ ثَلاثَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: تَبَيَّنَ لَهم فَرْضُهُ. والثّانِي: تَبَيَّنَ لَهم صَوابُهُ. والثّالِثُ: تَبَيَّنَ لَهم أنَّكَ لا تَفْعَلُ إلّا ما أُمِرْتَ بِهِ. وفي "المُجادِلِينَ" قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّهم طائِفَةٌ مِنَ المُسْلِمِينَ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، والجُمْهُورُ. والثّانِي: أنَّهُمُ المُشْرِكُونَ، قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ، فَعَلى هَذا يَكُونُ جِدالُهم في الحَقِّ الَّذِي هو التَّوْحِيدُ، لا في القِتالِ. فَعَلى الأوَّلِ، يَكُونُ مَعْنى قَوْلُهُ: ﴿كَأنَّما يُساقُونَ إلى المَوْتِ﴾ أيْ: في لَقاءِ العَدُوِّ ﴿وَهم يَنْظُرُونَ﴾، لِأنَّ أشَدَّ حالٍ مَن يُساقُ إلى المَوْتِ أنْ يَكُونَ ناظِرًا إلَيْهِ، وعالِمًا بِهِ. وعَلى قَوْلِ ابْنِ زَيْدٍ: كَأنَّما يُساقُونَ إلى المَوْتِ حِينَ يُدْعَوْنَ إلى الإسْلامِ لَكَراهَتِهِمْ إيّاهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب