الباحث القرآني

(p-٣٤١)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واتَّقُوا فِتْنَةً﴾ اخْتَلَفُوا فِيمَن نَزَلَتْ عَلى أرْبَعَةِ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّها نَزَلَتْ في أصْحابِ النَّبِيِّ ﷺ خاصَّةً، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، والضَّحّاكُ. وقالَ الزُّبَيْرُ بْنُ العَوّامِ: لَقَدْ قَرَأْناها زَمانًا، وما نُرى أنّا مِن أهْلِها، فَإذًا نَحْنُ المَعْنِيُّونَ بِها. والثّانِي: أنَّها نَزَلَتْ في رَجُلَيْنِ مِن قُرَيْشٍ، قالَهُ أبُو صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، ولَمْ يُسَمِّهِما. والثّالِثُ: أنَّها عامَّةٌ، قالَ ابْنُ أبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: في هَذِهِ الآَيَةِ، أمَرَ اللَّهُ المُؤْمِنِينَ أنْ لا يُقِرُّوا المُنْكَرَ بَيْنَ أظْهُرِهِمْ، فَيَعُمَّهُمُ اللهُ بِالعَذابِ. وقالَ مُجاهِدٌ: هَذِهِ الآَيَةُ لَكم أيْضًا. والرّابِعُ: أنَّها نَزَلَتْ في عَلَيٍّ، وعَمّارٍ، وطَلْحَةَ، والزُّبَيْرِ، قالَهُ الحَسَنُ. وقالَ السُّدِّيُّ: نَزَلَتْ في أهْلِ بَدْرٍ خاصَّةً، فَأصابَتْهم يَوْمَ الجَمَلِ. وَفِي الفِتْنَةِ هاهُنا سَبْعَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: القِتالُ. والثّانِي: الضَّلالَةُ. والثّالِثُ: السُّكُوتُ عَنْ إنْكارِ المُنْكَرِ. والرّابِعُ: الِاخْتِبارُ. والخامِسُ: الفِتْنَةُ بِالأمْوالِ والأوْلادِ. والسّادِسُ: البَلاءُ. والسّابِعُ: ظُهُورُ البِدَعِ. فَأمّا قَوْلُهُ: ﴿لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكم خاصَّةً﴾ فَقالَ الفَرّاءُ: أمَرَهم، ثُمَّ نَهاهم، وفِيهِ طَرَفٌ مِنَ الجَزاءِ. وإنْ كانَ نَهْيًا، كَقَوْلِهِ: ﴿يا أيُّها النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكم لا يَحْطِمَنَّكم سُلَيْمانُ﴾ [النَّمْلِ:١٨] أمَرَهم، ثُمَّ نَهاهُمْ؛ وفِيهِ تَأْوِيلُ الجَزاءِ. وقالَ الأخْفَشُ: "لا تُصِيبَنَّ" لَيْسَ بِجَوابٍ، وإنَّما هو نَهْيٌ (p-٣٤٢)بَعْدَ نَهْيٍ؛ ولَوْ كانَ جَوابًا ما دَخَلَتِ النُّونُ. وذَكَرَ ابْنُ الأنْبارِيِّ فِيها قَوْلَيْنِ. أحَدُهُما: أنَّ الكَلامَ تَأْوِيلُهُ تَأْوِيلَ الخَبَرِ، إذْ كانَ المَعْنى: إنَّ لا يَتَّقُوها، تُصِبِ الَّذِينَ ظَلَمُوا، أيْ: وغَيْرُهم، أيْ: لا تَقَعُ بِالظّالِمِينَ دُونَ غَيْرِهِمْ لَكِنَّها تَقَعُ بِالصّالِحِينَ والطّالِحِينَ؛ فَلَمّا ظَهَرَ الفِعْلُ ظُهُورَ النَّهْيِ، والنَّهْيُ راجِعٌ إلى مَعْنى الأمْرِ، إذِ القائِلُ يَقُولُ: لا تَقُمْ، يُرِيدُ: دَعِ القِيامَ، ووَقَّعَ مَعَ هَذا جَوابًا لَلْأمْرِ، أوْ كالجَوابِ لَهُ فَأُكِّدَ لَهُ شِبْهُ النَّهْيِ، فَدَخَلَتِ النُّونُ المَعْرُوفُ دُخُولُها في النَّهْيِ وما يُضارِعُهُ. والثّانِي: أنَّها نَهْيٌ مَحْضٌ، مَعْناهُ: لا يَقْصِدَنَّ الظّالِمُونَ هَذِهِ الفِتْنَةَ، فَيَهْلَكُوا؛ فَدَخَلَتِ النُّونُ لِتَوْكِيدِ الِاسْتِقْبالِ، كَقَوْلِهِ: "لا يَحْطِمَنَّكُمْ" . ولِلْمُفَسِّرِينَ في مَعْنى الكَلامِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: لا تُصِيبَنَّ الفِتْنَةُ الَّذِينَ ظَلَمُوا. والثّانِي: لا يُصِيبَنَّ عِقابُ الفِتْنَةِ. فَإنْ قِيلَ: فَما ذَنْبُ مَن لَمْ يَظْلِمْ؟ فالجَوابُ: أنَّهُ بِمُوافَقَتِهِ لَلْأشْرارِ، أوْ بِسُكُوتِهِ عَنِ الإنْكارِ، أوْ بِتَرْكِهِ لَلْفِرارِ، اسْتَحَقَّ العُقُوبَةَ. وقَدْ قَرَأ عَلَيٌّ، وابْنُ مَسْعُودٍ، وأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ "لَتُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا" بِغَيْرِ ألِفٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب