الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا﴾ الزَّحْفُ: جَماعَةٌ يَزْحَفُونَ إلى عَدْوِّهِمْ؛ قالَهُ اللَّيْثُ. والتَّزاحُفُ: التَّدانِي والتَّقارُبُ، قالَ الأعْشى: لِمَنِ الظَّعائِنُ سَيْرُهُنَّ تَزْحَفُ قالَ الزَّجّاجُ: ومَعْنى الكَلامِ: إذا واقَفْتُمُوهم لَلْقِتالِ فَلا تُدْبِرُوا (وَمَن يُوَلِّهِمْ) يَوْمَ حَرْبِهِمْ (دُبُرَهُ) إلّا أنْ يَتَحَرَّفَ لَيُقاتِلَ، أوْ يَتَحَيَّزَ إلى فِئَةٍ؛ فَ "مُتَحَرِّفًا" و"مُتَحَيِّزًا" مَنصُوبانِ عَلى الحالِ. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ نَصْبُهُما عَلى الِاسْتِثْناءِ؛ فَيَكُونُ المَعْنى: إلّا رَجُلًا مُتَحَرِّفًا أوْ مُتَحَيِّزًا وأصْلُ مُتَحَيِّزٍ: مُتَحْيْوِزٍ؛ فَأُدْغِمَتِ الياءُ في الواوِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ﴾ أيْ: مَرْجِعُهُ إلَيْها؛ ولا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلى التَّخْلِيدِ. * فَصْلٌ اخْتَلَفَ العُلَماءُ في حُكْمِ هَذِهِ الآَيَةِ، فَقالَ قَوْمٌ: هَذِهِ خاصَّةً في أهْلِ بَدْرٍ، وهو مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وأبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، والحَسَنِ، وابْنِ جُبَيْرٍ، وقَتادَةَ، والضَّحّاكِ. وقالَ آَخَرُونَ: هي عَلى عُمُومِها في كُلِّ ِمُنْهَزِمٍ؛ وهَذا مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أيْضًا. وقالَ آَخَرُونَ هي عَلى عُمُومِها، غَيْرِ أنَّها نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ: ﴿فَإنْ يَكُنْ مِنكم مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ﴾ [الأنْفالِ:٦٦] فَلَيْسَ لَلْمُسْلِمِينَ أنْ يَفِرُّوا مِن مِثْلَيْهِمْ، وبِهِ قالَ (p-٣٣٢)عَطاءُ بْنُ أبِي رَباحٍ. ورَوى أبُو طالِبٍ عَنْ أحْمَدَ أنَّهُ سُئِلَ عَنِ الفِرارِ مِنَ الزَّحْفِ، فَقالَ: لا يَفِرُّ رَجُلٌ مِن رَجُلَيْنِ؛ فَإنْ كانُوا ثَلاثَةً، فَلا بَأْسَ. وقَدْ نُقِلَ نَحْوُ هَذا عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. وقالَ مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ: إذا بَلَغَ الجَيْشُ اثْنَيْ عَشَرَ ألْفًا، فَلَيْسَ لَهم أنْ يَفِرُّوا مِن عَدُوِّهِمْ، وإنْ كَثُرَ عَدَدُهم. ونُقِلَ نَحْوُ هَذا عَنْ مالِكٍ؛ ووَجْهُهُ ما رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: « "ما هُزِمَ قَوْمٌ إذا بَلَغُوا اثْنَيْ عَشَرَ ألْفًا مِن قِلَّةٍ" إذا صَبَرُوا وصَدَّقُوا.»
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب