الباحث القرآني
(p-٣١٦)سُورَةُ الأنْفالِ
وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ بِإجْماعِهِمْ. وحَكى الماوَرْدِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّ فِيها سَبْعَ آَياتٍ مَكِّيّاتٍ، أوَّلُها: ﴿وَإذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [الأنْفالِ:٣٠] .
﴿يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفالِ قُلِ الأنْفالِ لِلَّهِ والرَّسُولِ فاتَّقُوا اللَّهَ وأصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكم وأطِيعُوا اللَّهَ ورَسُولَهُ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفالِ﴾ في سَبَبِ نُزُولِها ثَلاثَةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ يَوْمَ بَدْرٍ: "مَن قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ كَذا وكَذا، ومَن أسَرَ أسِيرًا فَلَهُ كَذا وكَذا"، فَأمّا المَشْيَخَةُ، فَثَبَتُوا تَحْتَ الرّاياتِ، وأمّا الشُّبّانُ، فَسارَعُوا إلى القَتْلِ والغَنائِمِ، فَقالَ المَشْيَخَةُ لَلشُّبّانِ: أشْرِكُونا مَعَكم، فَإنّا كُنّا لَكم رِدَءًا؛ فَأبَوْا، فاخْتَصَمُوا إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَنَزَلَتْ سُورَةُ [الأنْفال]» رَواهُ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ.
(p-٣١٧)والثّانِي: «أنَّ سَعْدَ بْنَ أبِي وقّاصٍ أصابَ سَيْفًا يَوْمَ بَدْرٍ، فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، هَبْهُ لِي، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآَيَةُ،» رَواهُ مُصْعَبُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أبِيهِ. وفي رِوايَةٍ أُخْرى «عَنْ سَعْدٍ قالَ: قَتَلْتُ سَعْدَ بْنَ العاصِ، وأخَذْتُ سَيْفَهُ فَأتَيْتُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ، فَقالَ: "اذْهَبْ فاطْرَحْهُ في القَبْضِ" فَرَجَعْتُ، وبِي ما لا يَعْلَمُهُ إلّا اللَّهُ؛ فَما جاوَزْتُ إلّا قَرِيبًا حَتّى نَزَلَتْ سُورَةُ (الأنْفال)، فَقالَ: "اذْهَبْ فَخُذْ سَيْفَكَ" .»
وَقالَ السُّدِّيُّ: «اخْتَصَمَ سَعْدٌ وناسٌ آَخَرُونَ في ذَلِكَ السَّيْفِ، فَسَألُوا النَّبِيَّ ﷺ، فَأخَذَهُ النَّبِيُّ ﷺ مِنهم، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآَيَةُ.»
والثّالِثُ: أنَّ الأنْفالَ كانَتْ خالِصَةً لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، لَيْسَ لِأحَدٍ مِنها شَيْءٌ، فَسَألُوهُ أنْ يُعْطِيَهم مِنها شَيْئًا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآَيَةُ، رَواهُ ابْنُ أبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. وفي المُرادِ بِالأنْفالِ سِتَّةُ أقْوالٍ: (p-٣١٨)أحَدُها: أنَّها الغَنائِمُ، رَواهُ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وبِهِ قالَ الحَسَنُ، ومُجاهِدٌ، وعَطاءٌ، وعِكْرِمَةُ، والضَّحّاكُ، وأبُو عُبَيْدَةَ، والزَّجّاجُ، وابْنُ قُتَيْبَةَ في آَخَرِينَ. وواحِدُ الأنْفالِ: نَفْلٌ، قالَ لَبِيدٌ:
؎ إنَّ تَقْوى رَبِّنا خَيْرُ نَفْلٍ وبِإذْنِ اللَّهِ رَيْثِي وعَجَلِ
والثّانِي: أنَّها ما نَفَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ القاتِلُ مَن سَلَبَ قَتِيلَهُ.
والثّالِثُ: أنَّها ما شَذَّ مِنَ المُشْرِكِينَ إلى المُسْلِمِينَ مِن عَبْدٍ أوْ دابَّةٍ بِغَيْرِ قِتالٍ، قالَهُ عَطاءٌ. وهَذا والَّذِي قَبْلَهُ مَرْوِيّانِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أيْضًا.
والرّابِعُ: أنَّهُ الخَمْسُ الَّذِي أخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنَ الغَنائِمِ، قالَهُ مُجاهِدٌ.
والخامِسُ: أنَّهُ أنْفالُ السَّرايا، قالَهُ عَلِيُّ بْنُ صالِحِ بْنِ حَيٍّ. وحُكِيَ عَنِ الحَسَنِ قالَ: هي السَّرايا الَّتِي تَتَقَدَّمُ أمامَ الجُيُوشِ.
والسّادِسُ: أنَّها زِياداتٌ يُؤْثِرُ بِها الإمامُ بَعْضَ الجَيْشِ لِما يَراهُ مِنَ المَصْلَحَةِ، ذَكَرَهُ الماوَرْدِيُّ. وفي "عَنْ" قَوْلانِ.
أحَدُهُما: أنَّها زائِدَةٌ، والمَعْنى: يَسْألُونَكَ الأنْفالَ؛ وكَذَلِكَ قَرَأ سَعْدُ بْنُ أبِي وقّاصٍ، وابْنُ مَسْعُودٍ، وأُبِيُّ بْنُ كَعْبٍ، وأبُو العالِيَةِ: "يَسْألُونَكَ الأنْفالَ" بِحَذْفِ "عَنْ"
والثّانِي: أنَّها أصْلٌ، والمَعْنى: يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفالِ لِمَن هِيَ؟ أوْ عَنْ حُكْمِ الأنْفالِ؛ وقَدْ ذَكَرْنا في سَبَبِ نُزُولِها ما يَتَعَلَّقُ بِالقَوْلَيْنِ. وذَكَرَ أنَّهم إنَّما سَألُوا عَنْ حُكْمِها لِأنَّها كانَتْ حَرامًا عَلى الأُمَمِ قَبْلَهم. (p-٣١٩)* فَصْلٌ
واخْتَلَفَ عُلَماءُ النّاسِخِ والمَنسُوخِ في هَذِهِ الآَيَةِ، فَقالَ بَعْضُهُمْ: إنَّها ناسِخَةٌ مِن وجْهٍ، مَنسُوخَةٌ مِن وجْهٍ، وذَلِكَ أنَّ الغَنائِمَ كانَتْ حَرامًا في شَرائِعِ الأنْبِياءِ المُتَقَدِّمِينَ، فَنَسَخَ اللَّهُ ذَلِكَ بِهَذِهِ الآَيَةِ، وجَعَلَ الأمْرَ في الغَنائِمِ إلى ما يَراهُ الرَّسُولُ ﷺ، ثُمَّ نَسَخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿واعْلَمُوا أنَّما غَنِمْتُمْ مِن شَيْءٍ فَأنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ [الأنْفالِ:٤١] . وقالَ آَخَرُونَ: المُرادُ بِالأنْفالِ شَيْئانِ.
أحَدُهُما: ما يَجْعَلُهُ الرَّسُولُ ﷺ لَطائِفَةٍ مِن شُجْعانِ العَسْكَرِ ومُتَقَدِّمِيهِ، يَسْتَخْرِجُ بِهِ نُصْحَهم، ويُحَرِّضُهم عَلى القِتالِ.
والثّانِي: ما يُفْضُلُ مِنَ الغَنائِمِ بَعْدَ قِسْمَتِها كَما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: «بَعَثَنا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ في سَرِيَّةٍ، فَغَنِمْنا إبِلًا، فَأصابَ كُلُّ واحِدٍ مِنّا اثْنا عَشَرَ بَعِيرًا، ونَفَلْنا بَعِيرًا بَعِيرًا؛ فَعَلى هَذا هي مَحْكَمَةٌ، لِأنَّ هَذا الحُكْمَ باقٍ إلى وقْتِنا هَذا.»
* فَصْلٌ
وَيَجُوزُ النَّفْلُ قَبْلَ إحْرازِ الغَنِيمَةِ، وهو أنْ يَقُولَ الإمامُ: مَن أصابَ شَيْئًا فَهو لَهُ، وبِهِ قالَ الجُمْهُورُ. فَأمّا بَعْدَ إحْرازِها، فَفِيهِ عَنْ أحْمَدَ رِوايَتانِ. وهَلْ يَسْتَحِقُّ القاتِلُ سَلْبَ المَقْتُولِ إذا لَمْ يَشْرُطْهُ لَهُ الإمامُ؟ فِيهِ قَوْلانِ.
أحَدُهُما: يَسْتَحِقُّهُ، وبِهِ قالَ الأوْزاعِيُّ، واللَّيْثُ، والشّافِعِيُّ.
والثّانِي: لا يَسْتَحِقُّهُ، ويَكُونُ غَنِيمَةً لَلْجَيْشِ، وبِهِ قالَ أبُو حَنِيفَةَ، ومالِكٌ؛ وعَنْ أحْمَدَ رِوايَتانِ كالقَوْلَيْنِ. (p-٣٢٠)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلِ الأنْفالُ لِلَّهِ والرَّسُولِ﴾ يَحْكُمانِ فِيها ما أرادا، ﴿فاتَّقُوا اللَّهَ﴾ بِتَرْكِ مُخالَفَتِهِ ﴿وَأصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ﴾ قالَ الزَّجّاجُ: مَعْنى "ذاتَ بَيْنِكُمْ" حَقِيقَةُ وصْلِكم. والبَيْنُ: الوَصْلُ؛ كَقَوْلِهِ: ﴿لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ﴾ [الأنْعامِ:٩٤] .
ثُمَّ في المُرادِ بِالكَلامِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنْ يَرُدَّ القَوِيُّ عَلى الضَّعِيفِ، قالَهُ عَطاءٌ. والثّانِي: تَرَكَ المُنازَعَةَ تَسْلِيمًا لَلَّهِ ورَسُولِهِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأطِيعُوا اللَّهَ ورَسُولَهُ﴾ أيِ: اقْبَلُوا ما أمَرْتُمْ بِهِ في الغَنائِمِ وغَيْرِها.
{"ayah":"یَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡأَنفَالِۖ قُلِ ٱلۡأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِۖ فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَأَصۡلِحُوا۟ ذَاتَ بَیۡنِكُمۡۖ وَأَطِیعُوا۟ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۤ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق