الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿كَلا﴾ قالَ الزَّجّاجُ: "كَلّا" رَدْعٌ وتَنْبِيهٌ. المَعْنى: ارْتَدِعُوا (p-٤٢٤)عَمّا يُؤَدِّي إلى العَذابِ. وقالَ غَيْرُهُ: مَعْنى ﴿كَلا﴾: لا يُؤْمِنُ الكافِرُ بِهَذا. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إذا بَلَغَتِ﴾ يَعْنِي: النَّفْسَ. وهَذِهِ كِنايَةٌ عَنْ غَيْرِ مَذْكُورٍ. وَ ﴿التَّراقِيَ﴾ العِظامُ المُكْتَنِفَةُ لِنُقْرَةِ النَّحْرِ عَنْ يَمِينٍ وشِمالٍ. وواحِدَةُ التَّراقِي: تَرْقُوَةٌ، ويُكَنّى بِبُلُوغِ النَّفْسِ التَّراقِيَ عَنِ الإشْفاءِ عَلى المَوْتِ، ﴿وَقِيلَ مَن راقٍ﴾ فِيهِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّهُ قَوْلُ المَلائِكَةِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ: مَن يَرْقى رُوحَهُ، مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ، أوْ مَلائِكَةُ العَذابِ؟ رَواهُ أبُو الجَوْزاءِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وبِهِ قالَ أبُو العالِيَةِ ومُقاتِلٌ. والثّانِي: أنَّهُ قَوْلُ أهْلِهِ: هَلْ مِن راقٍ يَرْقِيهِ بِالرُّقى؟ وهو مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أيْضًا، وبِهِ قالَ عِكْرِمَةُ، والضَّحّاكُ، وأبُو قُلابَةَ، وقَتادَةُ، وابْنُ زَيْدٍ، وأبُو عُبَيْدَةَ، وابْنُ قُتَيْبَةَ، والزَّجّاجُ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَظَنَّ﴾ أيْ: أيْقَنَ الَّذِي بَلَغَتْ رُوحُهُ التَّراقِيَ "أنَّهُ الفِراقُ" لِلدُّنْيا ﴿والتَفَّتِ السّاقُ بِالسّاقِ﴾ فِيهِ خَمْسَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أمْرُ الدُّنْيا بِأمْرِ الآخِرَةِ، رَواهُ الوالِبِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: وبِهِ قالَ مُقاتِلٌ. والثّانِي: اجْتَمَعَ فِيهِ الحَياةُ والمَوْتُ، قالَهُ الحَسَنُ. وعَنْ مُجاهِدٍ كالقَوْلَيْنِ. والثّالِثُ: التَفَّتْ ساقاهُ في الكَفَنِ، قالَهُ سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ. والرّابِعُ: التَفَّتْ ساقاهُ عِنْدَ المَوْتِ، قالَهُ الشَّعْبِيُّ. (p-٤٢٥)والخامِسُ: الشِّدَّةُ بِالشِّدَّةِ، قالَهُ قَتادَةُ. قالَ الزَّجّاجُ: آخِرُ شِدَّةِ الدُّنْيا بِأوَّلِ شِدَّةِ الآخِرَةِ. قَوْلُهُ تَعالى ﴿إلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ المَساقُ﴾ أيْ: إلى اللَّهِ المُنْتَهى ﴿فَلا صَدَّقَ ولا صَلّى﴾ قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: "لا" ها هُنا" في مَوْضِعِ "لَمْ" . قالَ المُفَسِّرُونَ: هو أبُو جَهْلٍ ﴿وَلَكِنْ كَذَّبَ وتَوَلّى﴾ عَنِ الإيمانِ ﴿ثُمَّ ذَهَبَ إلى أهْلِهِ يَتَمَطّى﴾ أيْ: رَجَعَ إلَيْهِمْ يَتَبَخْتَرُ ويَخْتالُ. قالَ الفَرّاءُ: "يَتَمَطّى" أيْ: يَتَبَخْتَرُ، لِأنَّ الظَّهْرَ هو المَطا، فَيَلْوِي ظَهْرَهُ مُتَبَخْتِرًا. وقالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: أصْلُهُ يَتَمَطَّطُ، فَقُلِبَتِ الطّاءُ فِيهِ ياءً، كَما قِيلَ: يَتَظَنّى، وأْصْلُهُ: يَتَظَنَّنُ، ومِنهُ المِشْيَةُ المُطَيْطاءُ. وأصْلُ الطّاءِ في هَذا كُلِّهِ دالٌ. إنَّما هو مَدُّ يَدِهِ في المَشْيِ إذا تَبَخْتَرَ. يُقالُ: مَطَطْتُ ومَدَدْتُ بِمَعْنًى. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أوْلى لَكَ فَأوْلى﴾ قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: هو تَهْدِيدٌ ووَعِيدٌ. وقالَ الزَّجّاجُ: العَرَبُ تَقُولُ: أوْلى لِفُلانٍ: إذا دَعَتْ عَلَيْهِ بِالمَكْرُوهِ، ومَعْناهُ: ولِيَكَ المَكْرُوهُ يا أبا جَهْلٍ. قَوْلُهُ تَعالى ﴿أيَحْسَبُ الإنْسانُ﴾ يَعْنِي: أبا جَهْلٍ ﴿أنْ يُتْرَكَ سُدًى﴾ قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: أيْ: يُهْمَلُ فَلا يُؤْمَرُ ولا يُنْهى ولا يُعاقَبُ، يُقالُ: أسْدَيْتُ الشَّيْءَ، أيْ: أهْمَلْتَهُ. ثُمَّ دَلَّ عَلى البَعْثِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ألَمْ يَكُ نُطْفَةً مِن مَنِيٍّ يُمْنى﴾ قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وأبُو بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ: "تُمْنى" بِالتّاءِ. وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ، وحَفْصٌ عَنْ عاصِمٍ، ويَعْقُوبُ "يُمْنى" بِالياءِ. وعَنْ (p-٤٢٦)أبى عَمْرٍو كالقِراءَتَيْنِ. وقَدْ شَرَحْنا هَذا في [النَّجْمِ: ٢٤] "ثُمَّ كانَ عَلَقَةً" بَعْدَ النُّطْفَةِ "فَخَلَقَ" فِيهِ الرُّوحَ، وسَوّى خَلْقَهُ ﴿فَجَعَلَ مِنهُ﴾ أيْ: خَلَقَ مِن مائِهِ أوْلادًا ذُكُورًا وإناثًا ﴿ألَيْسَ ذَلِكَ﴾ الَّذِي فَعَلَ هَذا ﴿بِقادِرٍ؟﴾ وقَرَأ أبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وأبُو رَجاءٍ، وعاصِمٌ الجَحْدَرِيُّ "يَقْدِرُ" ﴿عَلى أنْ يُحْيِيَ المَوْتى؟!﴾ وهَذا تَقْرِيرٌ لَهُمْ، أيْ: إنَّ مَن قَدَرَ عَلى الِابْتِداءِ قَدَرَ عَلى الإعادَةِ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: إذا قَرَأ أحَدُكم هَذِهِ الآيَةَ، فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ بَلى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب