الباحث القرآني
(p-٤١١)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: كُلُّ نَفْسٍ بالِغَةٍ مُرْتَهَنَةٌ بِعَمَلِها لِتُحاسَبَ عَلَيْهِ ﴿إلا أصْحابَ اليَمِينِ﴾ وهم أطْفالُ المُسْلِمِينَ، فَإنَّهُ لا حِسابَ عَلَيْهِمْ، لِأنَّهُ لا ذُنُوبَ لَهُمْ، قالَهُ عَلِيٌّ، واخْتارَهُ الفَرّاءُ.
والثّانِي: كُلُّ نَفْسٍ مِن أهْلِ النّارِ مُرْتَهَنَةٌ في النّارِ، إلّا أصْحابَ اليَمِينِ، وهُمُ المُؤْمِنُونَ، فَإنَّهم في الجَنَّةِ، قالَهُ الضَّحّاكُ.
والثّالِثُ: كُلُّ نَفْسٍ مُرْتَهَنَةٌ بِعَمَلِها لَتُحاسَبَ عَلَيْهِ إلّا أصْحابَ اليَمِينِ، فَإنَّهم لا يُحاسَبُونَ، قالَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَتَساءَلُونَ﴾ ﴿عَنِ المُجْرِمِينَ﴾ قالَ مُقاتِلٌ: إذا خَرَجَ أهْلُ التَّوْحِيدِ مِنَ النّارِ قالَ المُؤْمِنُونَ لِمَن بَقِيَ في النّارِ: ﴿ما سَلَكَكم في سَقَرَ؟﴾ قالَ المُفَسِّرُونَ: سَلَكَكم بِمَعْنى: أدْخَلَكم. وقالَ مُقاتِلٌ: ما حَبَسَكم فِيها؟ ﴿قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلِّينَ﴾ لِلَّهِ في دارِ الدُّنْيا ﴿وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ المِسْكِينَ﴾ أيْ: لَمْ نَتَصَدَّقْ لِلَّهِ ﴿وَكُنّا نَخُوضُ مَعَ الخائِضِينَ﴾ أهْلِ الباطِلِ والتَّكْذِيبِ ﴿وَكُنّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ﴾ أيْ" بِيَوْمِ الجَزاءِ والحِسابِ ﴿حَتّى أتانا اليَقِينُ﴾ وهو المَوْتُ. يَقُولُ اللَّهُ تَعالى: ﴿فَما تَنْفَعُهم (p-٤١٢)شَفاعَةُ الشّافِعِينَ﴾ وهَذا إنَّما جَرى بَعْدَ شَفاعَةِ الأنْبِياءِ والمَلائِكَةِ والشُّهَداءِ والمُؤْمِنِينَ. وهَذا يَدُلُّ عَلى نَفْعِ الشَّفاعَةِ لِمَن آمَنَ ﴿فَما لَهم عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ؟﴾ يَعْنِي: كَفّارَ قُرَيْشٍ حِينَ نَفَرُوا مِنَ القُرْآنِ والتَّذْكِيرِ بِمَواعِظِهِ. والمَعْنى: لا شَيْءَ لَهم في الآخِرَةِ إذْ أعْرَضُوا عَنِ القُرْآنِ فَلَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ، ثُمَّ شَبَّهَهم في نُفُورِهِمْ عَنْهُ بِالحُمُرِ، فَقالَ تَعالى: ﴿كَأنَّهم حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ﴾ قَرَأ أبُو جَعْفَرٍ، ونافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ، والمُفَضَّلُ عَنْ عاصِمٍ بِفَتْحِ الفاءِ. والباقُونَ بِكَسْرِها. قالَ أبُو عُبَيْدَةَ، وابْنُ قُتَيْبَةَ: مَن قَرَأ بِفَتْحِ الفاءِ أرادَ: مَذْعُورَةً، اسْتُنْفِرَتْ فَنَفَرَتْ. ومَن قَرَأ بِكَسْرِ الفاءِ أرادَ: نافِرَةً. قالَ الفَرّاءُ: أهْلُ الحِجازِ يَقُولُونَ: حُمُرٌ مُسْتَنْفَرَةٌ. وناسٌ مِنَ العَرَبِ يَكْسِرُونَ الفاءَ. والفَتْحُ أكْثَرُ في كَلامِ العَرَبِ. وقِراءَتُنا بِالكَسْرِ. أنْشَدَنِي الكِسائِيُّ:
؎ احْبِسْ حِمارَكَ إنَّهُ مُسْتَنْفِرٌ في إثْرِ أحْمِرَةٍ عَمَدْنَ لِغُرَّبِ
"وَغُرَّبٌ" مَوْضِعٌ.
وَفِي "القَسْوَرَةِ" سَبْعَةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: أنَّهُ الأسَدُ، رَواهُ يُوسُفُ بْنُ مِهْرانَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. وبِهِ قالَ أبُو هُرَيْرَةَ، وزَيْدُ بْنُ أسْلَمَ، وابْنُهُ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: الحُمُرُ الوَحْشِيَّةُ إذا عايَنَتِ الأسَدَ هَرَبَتْ مِنهُ، فَكَذَلِكَ هَؤُلاءِ المُشْرِكُونَ إذا سَمِعُوا النَّبِيَّ ﷺ هَرَبُوا مِنهُ، (p-٤١٣)وَإلى هَذا ذَهَبَ أبُو عُبَيْدَةَ، والزَّجّاجُ. قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: كَأنَّهُ مِنَ القَسْرِ والقَهْرِ. فالأسَدُ يَقْهَرُ السِّباعَ.
والثّانِي: أنَّ القَسْوَرَةَ: الرُّماةُ، رَواهُ عَطاءٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وبِهِ قالَ أبُو مُوسى الأشْعَرِيُّ، ومُجاهِدٌ، وقَتادَةُ، والضَّحّاكُ، ومُقاتِلٌ، وابْنُ كَيْسانَ.
والثّالِثُ: أنَّ القَسْوَرَةَ: حِبالُ الصَّيّادِينَ، رَواهُ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ.
والرّابِعُ: أنَّهم عُصَبُ الرِّجالِ، رَواهُ أبُو حَمْزَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. واسْمُ أبِي حَمْزَةَ: نَصْرُ بْنُ عِمْرانَ الضَّبْعِيُّ.
والخامِسُ: أنَّهُ رِكْزُ النّاسِ، وهَذا في رِوايَةِ عَطاءٍ أيْضًا عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. ورِكْزُ النّاسِ: حِسُّهم وأصْواتُهم.
والسّادِسُ: أنَّهُ الظُّلْمَةُ واللَّيْلُ، قالَهُ عِكْرِمَةُ.
والسّابِعُ: أنَّهُ النَّبْلُ، قالَهُ قَتادَةُ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنهم أنْ يُؤْتى صُحُفًا مُنَشَّرَةً﴾ فِيها ثَلاثَةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: أنَّهم قالُوا لِلنَّبِيِّ ﷺ: إنْ سَرَّكَ أنْ نَتَّبِعَكَ، فَلْيُصْبِحْ عِنْدَ رَأْسِ كُلِّ رَجُلٍ مِنّا كِتابٌ مَنشُورٌ مِنَ اللَّهِ تَعالى إلى فُلانِ بْنِ فُلانٍ يُؤْمَرُ فِيهِ بِاتِّباعِكَ، قالَهُ الجُمْهُورُ.
والثّانِي: أنَّهم أرادُوا بَراءَةً مِنَ النّارِ أنْ لا يُعَذَّبُوا بِها، قالَهُ أبُو صالِحٍ.
والثّالِثُ: أنَّهم قالُوا: كانَ الرَّجُلُ إذا أذْنَبَ في بَنِي إسْرائِيلَ وجَدَهُ مَكْتُوبًا إذا أصْبَحَ في رُقْعَةٍ. فَما بالُنا لا نَرى ذَلِكَ؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، قالَهُ الفَرّاءُ. فَقالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿كَلا﴾ أيْ: لا يُؤْتَوْنَ الصُّحُفَ ﴿بَلْ لا يَخافُونَ الآخِرَةَ﴾ أيْ: لا يَخْشَوْنَ عَذابَها. والمَعْنى: أنَّهم لَوْ خافُوا النّارَ لَما اقْتَرَحُوا الآياتِ بَعْدَ قِيامِ (p-٤١٤)الدَّلالَةِ "كَلّا" أيْ: حَقًّا. وقِيلَ: مَعْنى ﴿كَلا﴾: لَيْسَ الأمْرُ كَما يُرِيدُونَ ويَقُولُونَ ﴿إنَّهُ تَذْكِرَةٌ﴾ أيْ: تَذْكِيرٌ ومَوْعِظَةٌ ﴿فَمَن شاءَ ذَكَرَهُ﴾ الهاءُ عائِدَةٌ عَلى القُرْآنِ فالمَعْنى: فَمَن شاءَ أنْ يَذْكُرَ القُرْآنَ ويَتَّعِظَ بِهِ ويَفْهَمَهُ، ذَكَرَهُ. ثُمَّ رَدَّ المَشِيئَةَ إلى نَفْسِهِ فَقالَ تَعالى: ﴿وَما يَذْكُرُونَ إلا أنْ يَشاءَ اللَّهُ﴾ أيْ: إلّا أنْ يُرِيدَ لَهُمُ الهُدى ﴿هُوَ أهْلُ التَّقْوى﴾ أيْ: أهْلٌ أنْ يُتَّقى ﴿وَأهْلُ المَغْفِرَةِ﴾ أيْ: أهْلُ أنْ يَغْفِرَ لِمَن تابَ. رَوى أنَسٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ «أنَّهُ تَلا هَذِهِ الآيَةَ، فَقالَ: قالَ رَبُّكم عَزَّ وجَلَّ: أنا أهْلٌ أنْ أُتَّقى، فَلا يُشْرِكُ بِي غَيْرِي. وأنا أهْلٌ لِمَنِ اتَّقى أنْ يُشْرِكَ بِي غَيْرِي أنْ أغْفِرَ لَهُ.»
{"ayahs_start":38,"ayahs":["كُلُّ نَفۡسِۭ بِمَا كَسَبَتۡ رَهِینَةٌ","إِلَّاۤ أَصۡحَـٰبَ ٱلۡیَمِینِ","فِی جَنَّـٰتࣲ یَتَسَاۤءَلُونَ","عَنِ ٱلۡمُجۡرِمِینَ","مَا سَلَكَكُمۡ فِی سَقَرَ","قَالُوا۟ لَمۡ نَكُ مِنَ ٱلۡمُصَلِّینَ","وَلَمۡ نَكُ نُطۡعِمُ ٱلۡمِسۡكِینَ","وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ ٱلۡخَاۤىِٕضِینَ","وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِیَوۡمِ ٱلدِّینِ","حَتَّىٰۤ أَتَىٰنَا ٱلۡیَقِینُ","فَمَا تَنفَعُهُمۡ شَفَـٰعَةُ ٱلشَّـٰفِعِینَ","فَمَا لَهُمۡ عَنِ ٱلتَّذۡكِرَةِ مُعۡرِضِینَ","كَأَنَّهُمۡ حُمُرࣱ مُّسۡتَنفِرَةࣱ","فَرَّتۡ مِن قَسۡوَرَةِۭ","بَلۡ یُرِیدُ كُلُّ ٱمۡرِئࣲ مِّنۡهُمۡ أَن یُؤۡتَىٰ صُحُفࣰا مُّنَشَّرَةࣰ","كَلَّاۖ بَل لَّا یَخَافُونَ ٱلۡـَٔاخِرَةَ","كَلَّاۤ إِنَّهُۥ تَذۡكِرَةࣱ","فَمَن شَاۤءَ ذَكَرَهُۥ","وَمَا یَذۡكُرُونَ إِلَّاۤ أَن یَشَاۤءَ ٱللَّهُۚ هُوَ أَهۡلُ ٱلتَّقۡوَىٰ وَأَهۡلُ ٱلۡمَغۡفِرَةِ"],"ayah":"وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِیَوۡمِ ٱلدِّینِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق