الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَبَيْنَهُما حِجابٌ﴾ أيْ بَيْنِ الجَنَّةِ والنّارِ حاجِزٌ، وهو السُّورُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعالى في قَوْلِهِ: ﴿فَضُرِبَ بَيْنَهم بِسُورٍ لَهُ بابٌ﴾ [الحَدِيدِ:١٣]، فَسُمِّيَ هَذا السُّورُ بِالأعْرافِ لارْتِفاعِهِ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: الأعْرافِ: هو السُّورُ الَّذِي بَيْنَ الجَنَّةِ والنّارِ، لَهُ عُرْفٌ كَعُرْفِ الدِّيكِ. وقالَ أبُو هُرَيْرَةَ: الأعْرافِ: جِبالٌ بَيْنَ الجَنَّةِ والنّارِ، فَهم عَلى أعْرافِها، يَعْنِي: عَلى ذُراها، خِلْقَتُها كَخِلْقَةِ عُرْفِ الدِّيكِ. قالَ اللُّغَوِيُّونَ: الأعْرافُ عِنْدَ العَرَبِ: كُلُّ ما ارْتَفَعَ مِنَ الأرْضِ وعَلا؛ يُقالُ لَكُلِّ عالٍ: عُرْفٌ، وجَمْعُهُ: أعْرافٌ. (p-٢٠٥)قالَ الشّاعِرُ: ؎ كُلُّ كِنازٍ لَحْمُهُ نِيافٌ كالعِلْمِ المُوفِي عَلى الأعْرافِ وَقالَ الآَخَرُ: ؎ ورِثْتُ بِناءَ آَباءٍ كِرامٍ ∗∗∗ عَلَوْا بِالمَجْدِ أعْرافَ البِناءِ وَفِي "أصْحابِ الأعْرافِ" قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّهم مِن بَنِي آَدَمَ، قالَهُ الجُمْهُورُ. وزَعَمَ مُقاتِلٌ أنَّهم مِن أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ خاصَّةً. وفي أعْمالِهِمْ تِسْعَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّهم قَوْمٌ قُتِلُوا في سَبِيلِ اللَّهِ بِمَعْصِيَةِ آَبائِهِمْ، فَمَنَعَهم مِن دُخُولِ الجَنَّةِ مَعْصِيَةُ آَبائِهِمْ، ومَنَعَهم مِن دُخُولِ النّارِ قَتْلُهم في سَبِيلِ اللَّهِ، وهَذا مَرْوِيٌّ عَنَ النَّبِيِّ ﷺ . والثّانِي: أنَّهم قَوْمٌ تَساوَتْ حَسَناتُهم وسَيِّئاتُهم، فَلَمْ تَبْلُغْ حَسَناتُهم دُخُولَ الجَنَّةِ، ولا سَيِّئاتُهم دُخُولَ النّارِ، قالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وحُذَيْفَةُ، وابْنُ عَبّاسٍ، وأبُو هُرَيْرَةَ، والشَّعْبِيُّ، وقَتادَةُ، والثّالِثُ: أنَّهم أوْلادُ الزِّنا، رَواهُ صالِحٌ مَوْلى التَّوْأمَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والرّابِعُ: أنَّهم قَوْمٌ صالِحُونَ فُقَهاءُ عُلَماءُ، قالَهُ الحَسَنُ، ومُجاهِدٌ؛ فَعَلى هَذا يَكُونُ لُبْثُهم عَلى الأعْرافِ عَلى سَبِيلِ النُّزْهَةِ. (p-٢٠٦)والخامِسُ: أنَّهم قَوْمٌ رَضِيَ عَنْهم آَباؤُهم دُونَ أُمَّهاتِهِمْ، أوْ أُمَّهاتُهم دُونَ آَبائِهِمْ، رَواهُ عَبْدُ الوَهّابِ بْنُ مُجاهِدٍ عَنْ إبْراهِيمَ. والسّادِسُ: أنَّهُمُ الَّذِينَ ماتُوا في الفَتْرَةِ ولَمْ يُبَدِّلُوا دِينَهم، قالَهُ عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ يَحْيى. والسّابِعُ: أنَّهم أنْبِياءُ حَكاهُ ابْنُ الأنْبارِيِّ. والثّامِنُ: أنَّهم أوْلادُ المُشْرِكِينَ، ذَكَرَهُ المَنجُوفِي في تَفْسِيرِهِ. والتّاسِعُ: أنَّهم قَوْمٌ عَمِلُوا لَلَّهِ لَكِنَّهم راؤُوا في عَمَلِهِمْ، ذَكَرَهُ بَعْضُ العُلَماءِ. والقَوْلُ الثّانِي: أنَّهم مَلائِكَةٌ، قالَهُ أبُو مِجْلَزٍ، واعْتَرَضَ عَلَيْهِ، فَقِيلَ: إنَّهم رِجالٌ، فَكَيْفَ تَقُولُ: مَلائِكَةٌ؟ فَقالَ: إنَّهم ذُكُورٌ ولَيْسُوا بِإناثٍ. وقِيلَ: مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿وَعَلى الأعْرافِ رِجالٌ﴾ أيْ: عَلى مَعْرِفَةِ أهْلِ الجَنَّةِ مِن أهْلِ النّارِ، ذَكَرَهُ الزَّجّاجُ، وابْنُ الأنْبارِيِّ. وفِيهِ بُعْدٌ وخِلافٌ لَلْمُفَسِّرِينَ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَعْرِفُونَ كُلا بِسِيماهُمْ﴾ أيْ: يَعْرِفُ أصْحابُ الأعْرافِ أهْلَ الجَنَّةِ وأهْلَ النّارِ. وسِيما أهْلِ الجَنَّةِ: بَياضُ الوُجُوهِ، وسِيما أهْلِ النّارِ: سَوادُ الوُجُوهِ، وزُرْقَةُ العُيُونِ. والسِّيما: العَلامَةُ. وإنَّما عَرَّفُوا النّاسَ، لِأنَّهم عَلى مَكانٍ عالٍ يُشْرِفُونَ فِيهِ عَلى أهْلِ الجَنَّةِ والنّارِ، ونادَوْا يَعْنِي: أصْحابُ الأعْرافِ ﴿أصْحابَ الجَنَّةِ أنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ﴾ . وفي قَوْلِهِ: ﴿لَمْ يَدْخُلُوها وهم يَطْمَعُونَ﴾ قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّهُ إخْبارٌ مِنَ اللَّهِ تَعالى لَنا أنَّ أصْحابَ الأعْرافِ لَمْ يَدْخُلُوا الجَنَّةَ وهم يَطْمَعُونَ في دُخُولِها، قالَهُ الجُمْهُورُ. والثّانِي: أنَّهُ إخْبارٌ مِنَ اللَّهِ تَعالى لِأهْلِ الأعْرافِ إذا رَأوْا زُمْرَةً يَذْهَبُ بِها إلى الجَنَّةِ أنَّ هَؤُلاءِ لَمْ يَدْخُلُوها وهم يَطْمَعُونَ في دُخُولِها، هَذا قَوْلُ السُّدِّيِّ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب