الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَنَزَعْنا ما في صُدُورِهِمْ مِن غِلٍّ﴾ . فِيمَن عُنِيَ بِهَذِهِ الآَيَةِ أرْبَعَةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: أهْلُ بَدْرٍ. رَوى الحَسَنُ عَنْ عَلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّهُ قالَ: فِينا واللَّهِ أهْلَ بَدْرٍ نَزَلَتْ: ﴿وَنَزَعْنا ما في صُدُورِهِمْ مِن غِلٍّ﴾ ورَوى عَمْرُو بْنُ الشَّرِيدِ عَنْ عَلَيٍّ أنَّهُ قالَ: إنِّي لِأرْجُوَ أنْ أكُونَ أنا، وعُثْمانُ، وطَلْحَةُ، والزُّبَيْرُ، مِنَ الَّذِينَ قالَ اللَّهُ: ﴿وَنَزَعْنا ما في صُدُورِهِمْ مِن غِلٍّ﴾
والثّانِي: أنَّهم أهْلُ الأحْقادِ مِن أهْلِ الجاهِلِيَّةِ حِينَ أسْلَمُوا. رَوى كُثَيْرُ النِّوّاءِ عَنْ أبِي جَعْفَرَ قالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآَيَةُ في عَلَيٍّ، وأبِي بَكْرٍ، وعُمَرَ، قُلْتُ لِأبِي جَعْفَرَ: فَأيُّ غِلٍّ هُوَ؟ قالَ: غِلُّ الجاهِلِيَّةِ، كانَ بَيْنَ بَنِي هاشِمٍ وبَنِي تَيْمٍ وبَنِي عَدِيٍّ في (p-٢٠٠)الجاهِلِيَّةِ شَيْءٌ، فَلَمّا أسْلَمَ هَؤُلاءِ، تَحابُّوا، فَأخَذَتْ أبا بَكْرٍ الخاصِرَةُ، فَجَعَلَ عَلَيٌّ يُسَخِّنُ يَدَهُ ويُكَمِّدُ بِها خاصِرَةَ أبِي بَكْرٍ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآَيَةُ.
والثّالِثُ: أنَّهم عَشَرَةٌ مِنَ الصَّحابَةِ: أبُو بَكْرٍ، وعُمَرُ، وعُثْمانُ، وعَلِيُّ، وطَلْحَةُ، والزُّبَيْرُ، وعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وسَعْدُ بْنُ أبِي وقّاصٍ، وسَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ، وعَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ، قالَهُ أبُو صالِحٍ.
والرّابِعُ: أنَّها في صِفَةِ أهْلِ الجَنَّةِ إذا دَخَلُوها. رَوى أبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ عَنَ النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ تَعالى وسَلَّمَ أنَّهُ قالَ: « "يَخْلُصُ المُؤْمِنُونَ مِنَ النّارِ، فَيُحْبَسُونَ عَلى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الجَنَّةِ والنّارِ، حَتّى إذا هُذِّبُوا ونُقَّوْا، أُذِنَ لَهم في دُخُولِ الجَنَّةِ. فَوالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَأحَدُهم أهْدى بِمَنزِلَةٍ في الجَنَّةِ مِنهُ بِمَنزِلِهِ كانَ في الدُّنْيا" .» وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: أوَّلُ ما يَدْخُلُ أهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ، تُعْرَضُ لَهم عَيْنانِ، فَيَشْرَبُونَ مِن إحْدى العَيْنَيْنِ، فَيُذْهِبُ اللَّهُ ما في قُلُوبِهِمْ مِن غِلٍّ وغَيْرِهِ مِمّا كانَ في الدُّنْيا، ثُمَّ يَدْخُلُونَ إلى العَيْنِ الأُخْرى، فَيَغْتَسِلُونَ مِنها، فَتُشْرِقُ ألْوانُهم وتَصْفُوا، وُجُوهُهم، وتَجْرِي عَلَيْهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ.
(p-٢٠١)فَأمّا النَّزْعُ، فَهو قَلْعُ الشَّيْءِ مِن مَكانِهِ. والغِلُّ: الحِقْدُ الكامِنُ في الصَّدْرِ.
وَقالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: الغِلُّ: الحَسَدُ والعَداوَةُ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهَذا﴾ قالَ الزَّجّاجُ: مَعْناهُ: هَدانا لَمّا صَيَّرَنا إلى هَذا. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: يَعْنُونَ ما وصَلُوا إلَيْهِ مِن رِضْوانِ اللَّهِ وكَرامَتِهِ. ورَوى عاصِمُ بْنُ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وجْهَهُ قالَ: تَسْتَقْبِلُهُمُ الوِلْدانُ كَأنَّهم لُؤْلُؤٌ مَنثُورٌ، فَيَطُوفُونَ بِهِمْ كَإطافَتِهِمْ بِالحَمِيمِ جاءَ مِنَ الغَيْبَةِ، ويُبَشِّرُونَهم بِما أعَدَّ اللَّهُ لَهم، ويَذْهَبُونَ إلى أزْواجِهِمْ فَيُبَشِّرُونَهم، فَيَسْتَخِفُّهُنَّ الفَرَحُ، فَيَقُمْنَ عَلى أُسْكُفَّةِ البابِ، فَيَقُلْنَ: أنْتَ رَأيْتُهُ، أنْتَ رَأيْتُهُ؟ قالَ: فَيَجِيءُ إلى مَنزِلِهِ فَيَنْظُرُ في أساسِهِ، فَإذا صَخْرٌ مِن لُؤْلُؤٍ، ثُمَّ يَرْفَعُ بَصَرَهُ، فَلَوْلا أنَّ اللَّهَ ذَلَّلَهُ لَذَهَبَ بَصَرُهُ، ثُمَّ يَنْظُرُ أسْفَلَ مِن ذَلِكَ، فَإذا هو بِالسُّرُرِ المَوْضُونَةِ، والفُرُشِ المَرْفُوعَةِ، والذَّرابِي المَبْثُوثَةِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ قالُوا: ﴿الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهَذا وما كُنّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أنْ هَدانا اللَّهُ﴾ كُلُّهم قَرَأ "وَما كُنّا" بِإثْباتِ الواوِ، غَيْرَ ابْنَ عامِرٍ، فَإنْهُ قَرَأ "ما كُنّا لَنَهْتَدِيَ" بِغَيْرِ واوٍ، وكَذَلِكَ هي في مَصاحِفِ أهْلِ الشّامِ. قالَ أبُو عَلِيٍّ: وجْهُ الِاسْتِغْناءِ عَنِ الواوِ، أنَّ القِصَّةَ مُلْتَبِسَةٌ بِما قَبِلَها، فَأغْنى التِباسَها بِهِ عَنْ حَرْفِ العَطْفِ، ومِثْلُهُ ﴿رابِعُهم كَلْبُهُمْ﴾ [الكَهْفِ:٢٢] .
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالحَقِّ﴾ هَذا قَوْلُ أهْلِ الجَنَّةِ حِينَ رَأوْا ما وعَدَهُمُ الرُّسُلُ عَيانًا. ﴿وَنُودُوا أنْ تِلْكُمُ الجَنَّةُ﴾ قالَ الزَّجّاجُ: إنَّما قالَ "تِلْكُمْ" لِأنَّهم وعَدُوا بِها في الدُّنْيا، فَكَأنَّهُ قِيلَ لَهُمْ: هَذِهِ تِلْكُمُ الَّتِي وعَدْتُمْ بِها. وجائِزٌ أنَّ يَكُونَ هَذا قِيلَ لَهم حِينَ عايَنُوها قَبْلَ دُخُولِهِمْ إلَيْها. قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، وعاصِمٌ، وابْنُ عامِرٍ، "أُورِثْتُمُوها" غَيْرَ مُدْغَمَةٍ. وقَرَأ أبُو عَمْرٍو، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ "أُورِتَمُوها" مُدْغَمَةً، وكَذَلِكَ قَرَؤُوا في [الزُّخْرُفِ:٧٢] قالَ (p-٢٠٢)أبُو عَلِيٍّ: مَن تَرَكَ الإدْغامَ، فَلِتَبايُنِ مَخْرَجِ الحَرْفَيْنِ، ومَن أدْغَمَ فَلِأنَّ التّاءَ والثّاءَ مَهْمُوسَتانِ مُتَقارِبَتانِ. وفي مَعْنى أُورِثْتُمُوها أرْبَعَةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: ما رَوى أبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قالَ: « "ما مِن أحَدٍ إلّا ولَهُ مَنزِلٌ في الجَنَّةِ ومَنزِلٌ في النّارِ، فَأمّا الكافِرُ فَإنَّهُ يَرِثُ المُؤْمِنُ مَنزِلَهُ مِنَ النّارِ، والمُؤْمِنُ يَرِثُ الكافِرَ مَنزِلَهُ مِنَ الجَنَّةِ" فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ .» وقالَ بَعْضُهُمْ: لَمّا سُمِّيَ الكُفّارُ أمْواتًا بِقَوْلِهِ: ﴿أمْواتٌ غَيْرُ أحْياءٍ﴾ . [النَّحْلِ:٢١] . وسَمّى المُؤْمِنِينَ أحْياءً بِقَوْلِهِ: ﴿لِيُنْذِرَ مَن كانَ حَيًّا﴾ [يس:٧٠] أوْرَثَ الأحْياءَ المَوْتى.
والثّانِي: أنَّهم أوْرَثُوها عَنِ الأعْمالِ، لِأنَّها جُعِلَتْ جَزاءً لِأعْمالِها، وثَوابًا عَلَيْها، إذْ هي عَواقِبُها، حَكاهُ أبُو سُلَيْمانَ الدِّمَشْقِيُّ. .
والثّالِثُ: أنَّ دُخُولَ الجَنَّةِ بِرَحْمَةِ اللَّهِ، واقْتِسامُ الدَّرَجاتِ بِالأعْمالِ. فَلَمّا كانَ يُفَسِّرُ نِيلَها لا عَنْ عِوَضٍ، سُمِّيَتْ مِيراثًا. والمِيراثُ: ما أخَذْتَهُ عَنْ غَيْرِ عِوَضٍ.
والرّابِعُ: أنَّ مَعْنى المِيراثِ هاهُنا: أنَّ أمْرَهم يُؤُولُ إلَيْها كَما يُؤُولُ المِيراثُ إلى الوارِثِ.
{"ayah":"وَنَزَعۡنَا مَا فِی صُدُورِهِم مِّنۡ غِلࣲّ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهِمُ ٱلۡأَنۡهَـٰرُۖ وَقَالُوا۟ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِی هَدَىٰنَا لِهَـٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهۡتَدِیَ لَوۡلَاۤ أَنۡ هَدَىٰنَا ٱللَّهُۖ لَقَدۡ جَاۤءَتۡ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلۡحَقِّۖ وَنُودُوۤا۟ أَن تِلۡكُمُ ٱلۡجَنَّةُ أُورِثۡتُمُوهَا بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











