الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكم مِن نَفْسٍ واحِدَةٍ﴾ يَعْنِي بِالنَّفْسِ: آَدَمَ، (p-٣٠١)وَبِزَوْجِها: حَوّاءُ. ومَعْنى ﴿لِيَسْكُنَ إلَيْها﴾: لَيَأْنَسَ بِها ويَأْوِي إلَيْها. ﴿فَلَمّا تَغَشّاها﴾ أيْ: جامَعَها. قالَ الزَّجّاجُ: وهَذا أحْسَنُ كِنايَةٍ عَنِ الجِماعِ. والحَمْلُ، بِفَتْحِ الحاءِ: ما كانَ في بَطْنٍ، أوْ أخْرَجَتْهُ شَجَرَةٌ. والحَمْلُ، بِكَسْرِ الحاءِ: ما يُحْمَلُ. والمُرادُ بِالحَمْلِ الخَفِيفِ: الماءُ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَمَرَّتْ بِهِ﴾ أيِ: اسْتَمَرَّتْ بِهِ، قَعَدَتْ وقامَتْ ولَمْ يُثْقِلْها. وقَرَأ سَعْدُ بْنُ أبِي وقّاصٍ، وابْنُ مَسْعُودٍ، وابْنُ عَبّاسٍ، والضَّحّاكُ: فاسْتَمَرَّتْ بِهِ وقَرَأ أُبِيُّ بْنُ كَعْبٍ، والجَوْنَيُّ " اسْتَمارَّتْ بِهِ " بِزِيادَةِ ألِفٍ. وقَرَأ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو، والجَحْدَرِيُّ: فَمارَتْ بِهِ بِألِفٍ وتَشْدِيدِ الرّاءِ. وقَرَأ أبُو العالِيَةِ، وأيُّوبُ، ويَحْيى بْنُ يَعْمُرَ: فَمَرَّتْ بِهِ خَفِيفَةَ الرّاءِ، أيْ: شَكَتْ وتَمارَتْ أحَمَلَتْ، أمْ لا؟ ﴿فَلَمّا أثْقَلَتْ﴾ أيْ: صارَ حَمْلُها ثَقِيلًا. وقالَ الأخْفَشُ: صارَتْ ذا ثِقَلٍ. يُقالُ: أثْمَرْنا، أيْ: صِرْنا ذَوِي ثَمَرٍ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿دَعَوا اللَّهَ رَبَّهُما﴾ يَعْنِي آَدَمَ وحَوّاءَ ﴿لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحًا﴾ وفي المُرادِ بِالصّالِحِ قَوْلانِ.
أحَدُهُما: أنَّهُ الإنْسانُ المُشابِهُ لَهُما، وخافا أنْ يَكُونَ بَهِيمَةً، هَذا قَوْلُ الأكْثَرِينَ.
والثّانِي: أنَّهُ الغُلامُ، قالَهُ الحَسَنُ، وقَتادَةُ.
شَرْحُ السَّبَبِ في دُعائِهِما
ذَكَرَ أهْلُ التَّفْسِيرِ أنَّ إبْلِيسَ جاءَ حَوّاءَ، فَقالَ: ما يُدْرِيكَ ما في بَطْنِكِ، لَعَلَّهُ كَلْبٌ أوْ خِنْزِيرٌ أوْ حِمارٌ؛ وما يُدْرِيكَ مِن أيْنَ يَخْرُجُ، أيَشُقُّ بَطْنَكِ، أمْ يَخْرُجُ مِن فِيكِ، أوْ مِن مِنخَرَيْكِ؟ فَأحْزَنَها ذَلِكَ، فَدَعَوا اللَّهَ حِينَئِذٍ، فَجاءَ إبْلِيسُ (p-٣٠٢)فَقالَ: كَيْفَ تَجِدِينَكِ؟ قالَتْ: ما أسْتَطِيعُ القِيامَ إذا قَعَدْتُ، قالَ: أفَرَأيْتِ إنْ دَعَوْتِ اللَّهَ، فَجَعَلَهُ إنْسانًا مِثْلَكِ ومِثْلَ آَدَمَ، أتُسَمِّينَهُ بِاسْمِي؟ قالَتْ: نَعَمْ. فَلَمّا ولَدَتْهُ سَوِيًّا، جاءَها إبْلِيسُ فَقالَ: لِمَ لا تُسَمِّينَهُ بِي كَما وعَدْتِنِي؟ فَقالَتْ: وما اسْمُكَ؟ قالَ: الحارِثُ، وكانَ اسْمُ إبْلِيسَ في المَلائِكَةِ الحارِثُ، فَسَمَّتْهُ: عُبِدَ الحارِثِ، وقِيلَ: عَبَدُ شَمْسٍ بِرِضى آَدَمَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَلَمّا آتاهُما صالِحًا جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ﴾ . قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وابْنُ عامِرٍ، وأبُو عَمْرٍو، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وحَفْصٌ عَنْ عاصِمٍ: " شُرَكاءُ " بِضَمِّ الشِّينِ والمَدِّ، جَمْعُ شَرِيكٍ. وقَرَأ نافِعٌ. وأبُو بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ: " شِرْكًا " مَكْسُورَةَ الشِّينِ عَلى المَصْدَرِ، لا عَلى الجَمْعِ. قالَ أبُو عَلِيٍّ: مَن قَرَأ " شِرْكًا " حَذَفَ المُضافَ، كَأنَّهُ أرادَ: جَعَلا لَهُ ذا شِرْكٍ، وذَوِي شَرِيكٍ؛ فَيَكُونُ المَعْنى: جَعَلا لَغَيْرِهِ شِرْكًا، لِأنَّهُ إذا كانَ التَّقْدِيرُ: جَعَلا لَهُ ذَوِي شِرْكٍ، فالمَعْنى: جَعَلا لَغَيْرِهِ شِرْكًا؛ وهَذِهِ القِراءَةُ في المَعْنى كَقِراءَةِ مَن قَرَأ "شُرَكاءَ" وقالَ غَيْرُهُ: مَعْنى "شُرَكاءَ": شَرِيكًا، فَأوْقَعَ الجَمْعَ مَوْقِعَ الواحِدِ كَقَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إنَّ النّاسُ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ﴾ [آَلِ عِمْرانَ:١٧٣] . والمُرادُ بِالشَّرِيكِ: إبْلِيسُ، لِأنَّهُما أطاعاهُ في الِاسْمِ، فَكانَ الشِّرْكُ في الطّاعَةِ، لا في العِبادَةِ؛ ولَمْ (p-٣٠٣)يَقْصِدا أنَّ الحارِثَ رَبَّهُما، لَكِنْ قَصَدا أنَّهُ سَبَبُ نَجاةِ ولَدِهِما؛ وقَدْ يُطْلَقُ العَبْدُ عَلى مَن لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ. قالَ الشّاعِرُ:
؎ وإنِّي لَعَبْدُ الضَّيْفِ ما دامَ ثاوِيًا وما فِيَّ إلّا تِلْكَ مِن شِيمَةِ العَبْدِ
وَقالَ مُجاهِدٌ: كانَ لا يَعِيشُ لِآَدَمَ ولَدٌ، فَقالَ الشَّيْطانُ: إذا وُلِدَ لَكُما ولَدٌ فَسَمِّياهُ عَبْدَ الحارِثِ، فَأطاعاهُ في الِاسْمِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما﴾، هَذا قَوْلُ الجُمْهُورُ، وفِيهِ قَوْلٌ ثانٍ، رَواهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: ما أشْرَكَ آَدَمُ، إنَّ أوَّلَ الآَيَةِ لَشُكْرٌ، وآَخِرُها مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِمَن يَعْبُدُهُ في قَوْلِهِ: ﴿جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما﴾ . ورَوى قَتادَةُ عَنِ الحَسَنِ، قالَ: هُمُ اليَهُودُ والنَّصارى، رَزَقَهُمُ اللهُ أوْلادًا فَهَوَّدُوهم ونَصَّرُوهم. ورُوِيَ عَنِ الحَسَنِ، وقَتادَةَ قالا: الضَّمِيرُ في قَوْلِهِ: ﴿جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ﴾ عائِدٌ إلى النَّفْسِ وزَوْجِهِ مِن ولَدِ آَدَمَ، لا إلى آَدَمَ وحَوّاءَ. وقِيلَ: الضَّمِيرُ راجِعٌ إلى الوَلَدِ الصّالِحِ، وهو السَّلِيمُ الخَلْقِ؛ فالمَعْنى: جَعَلَ لَهُ ذَلِكَ الوَلَدُ شُرَكاءَ. وإنَّما قِيلَ: "جَعَلا" لِأنَّ حَوّاءَ كانْتْ تَلِدُ في كُلِّ (p-٣٠٤)بَطْنٍ ذَكَرًا وأُنْثى. قالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: الَّذِينَ جَعَلُوا لَهُ شُرَكاءَ اليَهُودُ والنَّصارى وغَيْرُهم مِنَ الكُفّارِ الَّذِينَ هم أوْلادُ آَدَمَ وحَوّاءَ. فَتَأْوِيلُ الآَيَةِ: فَلَمّا آَتاهُما صالِحًا، جَعَلَ أوْلادَهُما لَهُ شُرَكاءَ، فَحَذَفَ الأوْلادَ وأقامَهُما مَقامَهم كَما قالَ: ﴿واسْألِ القَرْيَةَ﴾ [يُوسُفَ:٨٢] . وذَهَبَ السُّدِّيُّ إلى أنَّ قَوْلَهُ: ﴿فَتَعالى اللَّهُ عَمّا يُشْرِكُونَ﴾ في مُشْرِكِي العَرَبِ خاصَّةً، وأنَّها مَفْصُولَةً عَنْ قِصَّةِ آَدَمَ وحَوّاءَ.
{"ayahs_start":189,"ayahs":["۞ هُوَ ٱلَّذِی خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسࣲ وَ ٰحِدَةࣲ وَجَعَلَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا لِیَسۡكُنَ إِلَیۡهَاۖ فَلَمَّا تَغَشَّىٰهَا حَمَلَتۡ حَمۡلًا خَفِیفࣰا فَمَرَّتۡ بِهِۦۖ فَلَمَّاۤ أَثۡقَلَت دَّعَوَا ٱللَّهَ رَبَّهُمَا لَىِٕنۡ ءَاتَیۡتَنَا صَـٰلِحࣰا لَّنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّـٰكِرِینَ","فَلَمَّاۤ ءَاتَىٰهُمَا صَـٰلِحࣰا جَعَلَا لَهُۥ شُرَكَاۤءَ فِیمَاۤ ءَاتَىٰهُمَاۚ فَتَعَـٰلَى ٱللَّهُ عَمَّا یُشۡرِكُونَ"],"ayah":"فَلَمَّاۤ ءَاتَىٰهُمَا صَـٰلِحࣰا جَعَلَا لَهُۥ شُرَكَاۤءَ فِیمَاۤ ءَاتَىٰهُمَاۚ فَتَعَـٰلَى ٱللَّهُ عَمَّا یُشۡرِكُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











