الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واتْلُ عَلَيْهِمْ﴾ قالَ الزَّجّاجُ: هَذا نَسَقٌ عَلى ما قَبْلُهُ، والمَعْنى: (p-٢٨٧)أتْلُ عَلَيْهِمْ إذْ أخَذَ رَبُّكَ، ﴿واتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا﴾ وفِيهِ سِتَّةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: أنَّهُ رَجُلٌ مِن بَنِي إسْرائِيلَ يُقالُ لَهُ: بُلْعُمُ بْنُ أبَرَّ، قالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: بُلْعُمُ بْنُ باعُوراءَ. ورُوِيَ عَنْهُ: أنَّهُ بِلْعامُ بْنُ باعُورَ، وبِهِ قالَ مُجاهِدٌ، وعِكْرِمَةُ، والسُّدِّيُّ. ورَوى العَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّ بَلْعَمًا مِن أهْلِ اليَمَنِ. ورَوى عَنْهُ ابْنُ أبِي طَلْحَةَ أنَّهُ مِن مَدِينَةِ الجَبّارِينَ.
والثّانِي: أنَّهُ أُمِّيَّةُ بْنُ أبِي الصَّلْتِ، قالَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو بْنُ العاصِ، وسَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ، وأبُو رَوْقٍ، وزَيْدُ بْنُ أسْلَمَ، وكانَ أُمِّيَّةُ قَدْ قَرَأ الكُتُبَ، وعَلِمَ أنَّ اللَّهَ مُرْسِلٌ رَسُولًا، ورَجا أنْ يَكُونَ هو فَلَمّا بُعِثَ النَّبِيُّ ﷺ، حَسَدَهُ وكَفَرَ.
والثّالِثُ: أنَّهُ أبُو عامِرٍ الرّاهِبُ، رَوى الشَّعْبِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: الأنْصارُ تَقُولُ: هو الرّاهِبُ الَّذِي بُنِيَ لَهُ مَسْجِدُ الشِّقاقِ، ورُوِيَ عَنِ ابْنِ المُسَيِّبِ نَحْوُهُ.
والرّابِعُ: أنَّهُ رَجُلٌ كانَ في بَنِي إسْرائِيلَ، أُعْطِيَ ثَلاثَ دَعَواتٍ يُسْتَجابُ لَهُ فِيهِنَّ، وكانَتْ لَهُ امْرَأةٌ لَهُ مِنها ولَدٌ، وكانَتْ سَمِجَةً دَمِيمَةً، فَقالَتِ: ادْعُ اللَّهَ أنْ يَجْعَلَنِي أجْمَلَ امْرَأةٍ في بَنِي إسْرائِيلَ، فَدَعا اللَّهَ لَها، فَلَمّا عَلِمَتْ أنَّهُ لَيْسَ في بَنِي إسْرائِيلَ مِثْلُها، رَغِبَتْ عَنْ زَوْجِها وأرادَتْ غَيْرَهُ، فَلَمّا رَغِبَتْ عَنْهُ، دَعا اللَّهَ أنْ يَجْعَلَها كَلْبَةً نَبّاحَةً، فَذَهَبَتْ مِنهُ فِيها دَعْوَتانِ، فَجاءَ بَنُوها وقالُوا: لَيْسَ بِنا عَلى هَذا صَبْرٌ أنْ صارَتْ أُمُّنا كَلْبَةً نَبّاحَةً يُعَيِّرُنا النّاسُ بِها، فادْعُ اللَّهَ أنْ يَرُدَّها إلى الحالِ الَّتِي كانَتْ عَلَيْها أوَّلًا، فَدَعا اللَّهَ، فَعادَتْ كَما كانَتْ، فَذَهَبَتْ فِيها الدَّعَواتُ الثَّلاثُ، رَواهُ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، والَّذِي رُوِيَ لَنا في هَذا الحَدِيثِ "وَكانَتْ سَمِجَةً" بِكَسْرِ المِيمِ، وقَدْ رَوى سِيبَوَيْهِ عَنِ العَرَبِ أنَّهم يَقُولُونَ: رَجُلٌ سَمِجٌ: بِتَسْكِينِ المِيمِ، ولَمْ يَقُولُوا: سَمِجٌ؛ بِكَسْرِها.
والخامِسُ: أنَّهُ المُنافِقُ، قالَهُ الحَسَنُ.
(p-٢٨٨)والسّادِسُ: أنَّهُ كُلُّ مَنِ انْسَلَخَ مِنَ الحَقِّ بَعْدَ أنْ أُعْطِيَهُ مِنَ اليَهُودِ والنَّصارى والحُنَفاءِ، قالَهُ عِكْرِمَةُ. وفي الآَياتِ خَمْسَةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: أنَّهُ اسْمُ اللَّهِ الأعْظَمِ، رَواهُ عَلِيُّ بْنُ أبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وبِهِ قالَ ابْنُ جُبَيْرٍ.
والثّانِي: أنَّها كِتابٌ مِن كُتُبِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ. رَوى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: هو بِلْعامُ أُوتِيَ كِتابًا فانْسَلَخَ مِنهُ.
والثّالِثُ: أنَّهُ أُوتِيَ النُّبُوَّةَ، فَرَشاهُ قَوْمُهُ عَلى أنْ يَسْكُتَ، فَفَعَلَ وتَرَكَهم عَلى ما هم عَلَيْهِ، قالَهُ مُجاهِدٌ، وفِيهِ بُعْدٌ لِأنَّ اللَّهَ تَعالى لا يَصْطَفِي لَرِسالَتِهِ إلّا مَعْصُومًا عَنْ مِثْلِ هَذِهِ الحالِ.
والرّابِعُ: أنَّها حُجَجُ التَّوْحِيدِ، وفَهْمُ أدِلَّتِهِ.
والخامِسُ: أنَّها العِلْمُ بِكُتُبِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ. والمَشْهُورُ في التَّفْسِيرِ أنَّهُ بِلْعامُ، وكانَ مِن أمْرِهِ عَلى ما ذَكَرَهُ المُفَسِّرُونَ أنَّ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ غَزا البَلَدَ الَّذِي هو فِيهِ، وكانُوا كُفّارًا، وكانَ هو مُجابَ الدَّعْوَةِ، فَقالَ مَلِكُهُمُ: ادْعُ عَلى مُوسى، فَقالَ: إنَّهُ مِن أهْلِ دِينِي، ولا يَنْبَغِي لِي أنْ أدْعُوَ عَلَيْهِ، فَأمَرَ المَلِكُ أنْ تُنْحَتَ خَشَبَةٌ لِصُلْبِهِ، فَلَمّا رَأى ذَلِكَ، خَرَجَ عَلى أتانٍ لَهُ لَيَدْعُوَ عَلى مُوسى، فَلَمّا عايَنَ عَسْكَرَهم، وقَفَتِ الأتانُ فَضَرَبَها، فَقالَتْ: لِمَ تَضْرِبُنِي، وهَذِهِ نارٌ تَتَوَقَّدُ قَدْ مَنَعَتْنِي أنْ أمْشِيَ؟ فارْجِعْ، فَرَجَعَ إلى المَلِكِ فَأخْبَرَهُ، فَقالَ: إمّا أنْ تَدْعُوَ عَلَيْهِمْ، وإمّا أنْ أصْلِبَكَ، فَدَعا عَلى مُوسى باسِمِ اللَّهِ الأعْظَمِ أنْ لا يَدْخُلَ المَدِينَةَ، فاسْتَجابَ اللَّهُ لَهُ، فَوَقَعَ مُوسى وقَوْمُهُ في التِّيهِ بِدُعائِهِ، فَقالَ مُوسى: يا رَبِّ، بِأيِّ ذَنْبٍ وقَعْنا في التِّيهِ؟ فَقالَ: بِدُعاءِ بُلْعُمَ. فَقالَ: يا رَبِّ، فَكَما سَمِعْتَ دُعاءَهُ عَلَيَّ، فاسْمَعْ دُعائِي عَلَيْهِ، فَدَعا اللَّهُ أنْ يَنْزِعَ مِنهُ الِاسْمَ الأعْظَمَ، فَنُزِعَ مِنهُ. وقِيلَ إنَّ بِلْعامَ أمَرَ قَوْمَهُ أنْ (p-٢٨٩)يُزَيِّنُوا النِّساءَ ويُرْسِلُوهُنَّ في العَسْكَرِ لَيُفْشُوا الزِّنا فِيهِمْ، فَيُنْصَرُوا عَلَيْهِمْ. وقِيلَ: إنَّ مُوسى قَتَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ. ورَوى السُّدِّيُّ عَنْ أشْياخِهِ أنَّ بُلْعُمَ أتى إلى قَوْمِهِ مُتَبَرِّعًا، فَقالَ: لا تُرْهِبُوا بَنِي إسْرائِيلَ، فَإنَّكم إذا خَرَجْتُمْ لَقِتالِهِمْ، دَعَوْتُ عَلَيْهِمْ فَهَلَكُوا، فَكانَ فِيما شاءٌ عِنْدَهم مِنَ الدُّنْيا، وذَلِكَ بَعْدَ مُضِيِّ الأرْبَعِينَ سَنَةً الَّتِي تاهُوا فِيها، وكانَ نَبِيُّهم يُوشِعُ، لا مُوسى.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فانْسَلَخَ مِنها﴾ أيْ: خَرَجَ مِنَ العِلْمِ بِها.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَأتْبَعَهُ الشَّيْطانُ﴾ قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: أدْرَكَهُ. يُقالُ: اتَّبَعْتُ القَوْمَ: إذا لَحِقْتُهم، وتَبِعْتُهُمْ: سِرْتُ في أثَرِهِمْ وقَرَأ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ: "فاتَّبَعَهُ" بِالتَّشْدِيدِ. وقالَ اليَزِيدِيُّ: أتْبَعَهُ واتَّبَعَهُ: لُغَتانِ. وكَأنَّ "اتَّبَعَهُ" خَفِيفَةٌ بِمَعْنى: قَفاهُ، و"اتَّبَعَهُ" مُشَدَّدَةٌ: حَذا حَذْوَهُ. ولا يَجُوزُ أنْ تَقُولَ: أتْبَعْناكَ، وأنْتَ تُرِيدُ: اتَّبَعْناكَ، لِأنَّ مَعْناها: اقْتَدَيْنا بِكَ. وقالَ الزَّجّاجُ: يُقالُ: تَبِعَ الرَّجُلُ الشَّيْءَ واتَّبَعَهُ بِمَعْنًى واحِدٍ. قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿فَمَن تَبِعَ هُدايَ﴾ [البَقَرَةِ:٣٨] وقالَ: ﴿فَأتْبَعَهم فِرْعَوْنُ﴾
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَكانَ مِنَ الغاوِينَ﴾ فِيهِ قَوْلانِ.
أحَدُهُما: مِنَ الضّالِّينَ، قالَهُ مُقاتِلٌ. والثّانِي: مِنَ الهالِكِينَ الفاسِدِينَ، قالَهُ الزَّجّاجُ.
{"ayah":"وَٱتۡلُ عَلَیۡهِمۡ نَبَأَ ٱلَّذِیۤ ءَاتَیۡنَـٰهُ ءَایَـٰتِنَا فَٱنسَلَخَ مِنۡهَا فَأَتۡبَعَهُ ٱلشَّیۡطَـٰنُ فَكَانَ مِنَ ٱلۡغَاوِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق