قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَلَمّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ﴾ يَعْنِي: تَرَكُوا ما وُعِظُوا بِهِ ﴿أنْجَيْنا (p-٢٧٨)الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ﴾ وهُمُ النّاهُونَ عَنِ المُنْكَرِ. والَّذِينَ ظَلَمُوا هُمُ المُعْتَدُونَ في السَّبْتِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿بِعَذابٍ بَئِيسٍ﴾ قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرٍو، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ: بَئِيس عَلى وزْنِ فَعِيلٍ، فالهَمْزَةُ بَيْنَ الباءِ والياءِ. وقَرَأ نافِعٌ: "بَيْسَ" بِكَسْرِ الباءِ مِن غَيْرِ هَمْزٍ. وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ كَذَلِكَ، إلّا أنَّهُ هَمَزَ. ورَوى خارِجَةُ عَنْ نافِعٍ: "بَيْسٍ" بِفَتْحِ الباءِ مِن غَيْرِ هَمْزٍ، عَلى وزْنِ "فَعْلٍ" . ورَوى أبُو بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ: "بَيَأْسٍ" عَلى وزْنِ "فَيْعَلٍ" . وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ، وأبُو رَزِينٍ، وأيُّوبُ: "بَيْآَسٍ" عَلى وزْنِ "فَيْعالٍ" . وقَرَأ أبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، ومُعاذٌ القارِئُ: "بِئْسٍ" بِفَتْحِ الباءِ وكَسْرِ الهَمْزَةِ مِن غَيْرِ ياءٍ عَلى وزْنِ "نَعِسٍ" . وقَرَأ الضَّحّاكُ، وعِكْرِمَةُ: "بَيِّسٍ" بِتَشْدِيدِ الياءِ مِثْلَ "قَيِّمٍ" . وقَرَأ أبُو العالِيَةِ، وأبُو مِجْلَزٍ: "بَئِسَ" بِفَتْحِ الباءِ والسِّينِ وبِهَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ مِن غَيْرِ ياءٍ ولا ألِفٍ عَلى وزْنِ "فِعْلٍ" وقَرَأ أبُو المُتَوَكِّلِ، وأبُو رَجاءٍ: "بائِسٍ" بِألِفٍ ومُدَّةٍ بَعْدَ الباءِ وبِهَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ بِوَزْنِ "فاعِلٍ" قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: البَئِيسُ: الشَّدِيدُ، وأنْشَدَ:
؎ حَنَقًا عَلَيَّ وما تُرى لِي فِيهِمُ أثَرًا بَئِيسًا
وَقالَ الزَّجّاجُ: يُقالُ: بَئِسَ يَبْأسُ بَأْسًا، والعاتِي: الشَّدِيدُ الدُّخُولِ في الفَسادِ، المُتَمَرِّدُ الَّذِي لا يَقْبَلُ مَوْعِظَةً. وقالَ ابْنُ جَرِيرٍ: ﴿فَلَمّا عَتَوْا﴾ أيْ: تَمَرَّدُوا فِيما نَهَوْا عَنْهُ؛ وقَدْ ذَكَرْنا في سُورَةِ [البَقَرَةِ:٦٥] قِصَّةَ مَسْخِهِمْ. وكانَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ يَقُولُ: واللَّهِ ما لُحُومُ هَذِهِ الحِيتانِ بِأعْظَمَ عِنْدَ اللَّهِ مِن دِماءِ قَوْمٍ مُسْلِمِينَ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإذْ تَأذَّنَ﴾ رَبُّكَ فِيهِ أرْبَعَةُ أقْوالٍ.
(p-٢٧٩)أحَدُها: أعْلَمُ، قالَهُ الحَسَنُ، وابْنُ قُتَيْبَةَ، وقالَ: هو مِن آَذَنْتُكَ بِالأمْرِ.
وَقالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: تَأْذَنُ بِمَعْنى آَذَنُ؛ كَما يُقالُ: تَعْلَمُ أنَّ فُلانًا قائِمٌ، أيِ: اعْلَمْ. وقالَ أبُو سُلَيْمانَ الدِّمَشْقِيُّ: أيْ: أعْلَمُ أنْبِياءِ بَنِي إسْرائِيلَ. والثّانِي: حَتَّمَ، قالَهُ عَطاءٌ. والثّالِثُ: وعْدٌ، قالَهُ قُطْرُبٌ. والرّابِعُ: تَأْلّى، قالَهُ الزَّجّاجُ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ﴾ أيْ: عَلى اليَهُودِ. وقالَ مُجاهِدٌ: عَلى اليَهُودِ والنَّصارى بِمَعاصِيهِمْ. ﴿مَن يَسُومُهُمْ﴾ أيْ: يُوَلِّيهِمْ ﴿سُوءَ العَذابِ﴾ . وفي المَبْعُوثِ عَلَيْهِمْ قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّهُ مُحَمَّدٌ ﷺ، وأُمَّتُهُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. والثّانِي: العَرَبُ، كانُوا يَجِبُّونَهُمُ الخَراجَ، قالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، قالَ: ولَمْ يَجْبِ الخَراجَ نَبِيٌّ قَطُّ إلّا مُوسى، جَباهُ ثَلاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، ثُمَّ أمْسَكَ إلى النَّبِيِّ ﷺ . وقالَ السُّدِّيُّ: بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ العَرَبَ يَأْخُذُونَ مِنهُمُ الجِزْيَةَ ويَقْتُلُونَهم. وفي سُوءِ العَذابِ أرْبَعَةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: أخْذُ الجِزْيَةِ، رَواهُ ابْنُ أبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّانِي: المَسْكَنَةُ والجِزْيَةُ، رَواهُ العَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّالِثُ: الخَراجُ، رَواهُ الضَّحّاكُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وبِهِ قالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. والرّابِعُ: أنَّهُ القِتالُ حَتّى يُسْلِمُوا، أوْ يُعْطُوا الجِزْيَةَ.
{"ayahs_start":165,"ayahs":["فَلَمَّا نَسُوا۟ مَا ذُكِّرُوا۟ بِهِۦۤ أَنجَیۡنَا ٱلَّذِینَ یَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلسُّوۤءِ وَأَخَذۡنَا ٱلَّذِینَ ظَلَمُوا۟ بِعَذَابِۭ بَـِٔیسِۭ بِمَا كَانُوا۟ یَفۡسُقُونَ","فَلَمَّا عَتَوۡا۟ عَن مَّا نُهُوا۟ عَنۡهُ قُلۡنَا لَهُمۡ كُونُوا۟ قِرَدَةً خَـٰسِـِٔینَ","وَإِذۡ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَیَبۡعَثَنَّ عَلَیۡهِمۡ إِلَىٰ یَوۡمِ ٱلۡقِیَـٰمَةِ مَن یَسُومُهُمۡ سُوۤءَ ٱلۡعَذَابِۗ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِیعُ ٱلۡعِقَابِ وَإِنَّهُۥ لَغَفُورࣱ رَّحِیمࣱ"],"ayah":"وَإِذۡ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَیَبۡعَثَنَّ عَلَیۡهِمۡ إِلَىٰ یَوۡمِ ٱلۡقِیَـٰمَةِ مَن یَسُومُهُمۡ سُوۤءَ ٱلۡعَذَابِۗ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِیعُ ٱلۡعِقَابِ وَإِنَّهُۥ لَغَفُورࣱ رَّحِیمࣱ"}