الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ﴾ المَعْنى: اخْتارَ مِن قَوْمِهِ، فَحَذَفَ (p-٢٦٨)"مِن" تَقُولُ العَرَبُ: اخْتَرْتُكَ القَوْمَ، أيِ: اخْتَرْتُكَ مِنَ القَوْمِ، وأنْشَدُوا: ؎ مِنّا الَّذِي اخْتِيرَ الرِّجالَ سَماحَةً وجُودًا إذا هَبَّ الرِّياحُ الزَّعازِعُ هَذا قَوْلُ ابْنِ قُتَيْبَةَ، والفَرّاءِ، والزَّجّاجِ. وفي هَذا المِيقاتِ أرْبَعَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّهُ المِيقاتُ الَّذِي وقَّتَهُ اللَّهُ لِمُوسى لَيَأْخُذَ التَّوْراةَ، أمْرَ أنْ يَأْتِيَ مَعَهُ بِسَبْعِينَ، رَواهُ أبُو صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وبِهِ قالَ نَوْفُ البَكالِيُّ. والثّانِي: أنَّهُ مِيقاتٌ وقَّتَهُ اللَّهُ تَعالى لِمُوسى، وأمَرَهُ أنْ يَخْتارَ مِن قَوْمِهِ سَبْعِينَ رَجُلًا لَيَدْعُوَ رَبَّهم، فَدَعَوا فَقالُوا: اللَّهُمَّ أعْطِنا ما لَمْ تُعْطِ أحَدًا قَبْلَنا، ولا تُعْطِيهِ أحَدًا بَعْدَنا، فَكَرِهَ اللَّهُ ذَلِكَ، وأخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ؛ رَواهُ عَلِيُّ بْنُ أبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّالِثُ: أنَّهُ مِيقاتٌ وقَّتَهُ اللَّهُ لِمُوسى، لِأنَّ بَنِي إسْرائِيلَ قالُوا لَهُ: إنْ طائِفَةً تَزْعُمُ أنَّ اللَّهَ لا يُكَلِّمُكَ، فَخُذْ مَعَكَ طائِفَةً مِنّا لَيَسْمَعُوا كَلامَهُ فَيُؤْمِنُوا فَتَذْهَبَ التُّهْمَةُ، فَأوْحى اللَّهُ إلَيْهِ أنِ اخْتَرْ مِن خِيارِهِمْ سَبْعِينَ، ثُمَّ ارْتَقِ بِهِمْ عَلى الجَبَلِ أنْتَ وهارُونُ، واسْتَخْلِفْ يُوشَعُ بْنُ نُونَ، فَفَعَلَ ذَلِكَ؛ قالَهُ وهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ. والرّابِعُ: أنَّهُ مِيقاتٌ وقَّتَهُ اللَّهُ لِمُوسى لَيَلْقاهُ في ناسٍ مِن بَنِي إسْرائِيلَ، فَيَعْتَذِرُ إلَيْهِ مِن فِعْلَ عَبَدَةِ العِجْلِ، قالَهُ السُّدِّيُّ. وقالَ ابْنُ السّائِبِ: كانَ مُوسى لا يَأْتِي إلّا بِإذْنٍ مِنهُ. فَأمّا الرَّجْفَةُ فَهي الحَرَكَةُ الشَّدِيدَةُ. وفي سَبَبِ أخْذِها إيّاهم أرْبَعَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّهُ ادِّعاؤُهم عَلى مُوسى قَتْلَ هارُونَ؛ قالَهُ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ. (p-٢٦٩)والثّانِي: اعْتِداؤُهم في الدُّعاءِ، وقَدْ ذَكَرْناهُ في رِوايَةِ ابْنِ أبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّالِثُ: أنَّهم لَمْ يَنْهَوْا عَبَدَةَ العِجْلِ ولَمْ يَرْضَوْا؛ نُقِلَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. وقالَ قَتادَةُ، وابْنُ جُرَيْجٍ: لَمْ يَأْمُرُوهم بِالمَعْرُوفِ، ولَمْ يَنْهَوْهم عَنِ المُنْكَرِ، ولَمْ يُزايِلُوهم. والرّابِعُ:" أنَّهم طَلَبُوا اسْتِماعَ الكَلامِ مِنَ اللَّهِ تَعالى، فَلَمّا سَمِعُوهُ قالُوا: ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى نَرى اللَّهَ جَهْرَةً﴾ [البَقَرَةِ:٥٥]؛ قالَهُ السُّدِّيُّ وابْنُ إسْحاقَ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أهْلَكْتَهم مِن قَبْلُ وإيّايَ﴾ قالَ السُّدِّيُّ: قامَ مُوسى يَبْكِي ويَقُولُ: رَبِّ ماذا أقُولُ لِبَنِي إسْرائِيلَ إذا أتَيْتُهم وقَدْ أهْلَكْتَ خِيارَهم ﴿لَوْ شِئْتَ أهْلَكْتَهم مِن قَبْلُ وإيّايَ﴾ قالَ الزَّجّاجُ: لَوْ شِئْتَ أمَتَّهم قَبْلَ أنْ تَبْتَلِيَهم بِما أوْجَبَ عَلَيْهِمُ الرَّجْفَةُ. وقِيلَ: لَوْ شِئْتَ أهْلَكَتْهم مِن قَبْلِ خُرُوجِنا وإيّايَ، فَكانَ بَنُو إسْرائِيلَ يُعايِنُونَ ذَلِكَ ولا يَتَّهِمُونَنِي. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنّا﴾ قالَ المُبَرِّدُ: هَذا اسْتِفْهامُ اسْتِعْطافٍ، أيْ: لا تُهْلِكُنا. وقالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: هَذا اسْتِفْهامٌ عَلى تَأْوِيلِ الجَحْدِ، أرادَ: لَسْتَ تَفْعَلُ ذَلِكَ. و"السُّفَهاءُ" هاهُنا: عَبَدَةُ العِجْلِ. وقالَ الفَرّاءُ: ظَنَّ مُوسى أنَّهم أُهْلِكُوا بِاتِّخاذِ أصْحابِهِمُ العَجَلَ. وإنَّما أُهْلِكُوا بِقَوْلِهِمْ: ﴿أرِنا اللَّهَ جَهْرَةً﴾ . قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنْ هي إلا فِتْنَتُكَ﴾ فِيها قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّها الِابْتِلاءُ، رَواهُ أبُو صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وبِهِ قالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وأبُو العالِيَةِ. والثّانِي: العَذابُ، رَواهُ ابْنُ أبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وبِهِ قالَ قَتادَةُ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أنْتَ ولِيُّنا﴾ أيْ: ناصِرُنا وحافِظُنا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب