الباحث القرآني

(p-٢٦٣)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَمّا سُقِطَ في أيْدِيهِمْ﴾ أيْ: نَدِمُوا. قالَ الزَّجّاجُ: يُقالُ لَلرَّجُلِ النّادِمِ عَلى ما فَعَلَ، المُتَحَسِّرِ عَلى ما فَرَّطَ: قَدْ سَقَطَ في يَدِهِ، وأُسْقِطَ في يَدِهِ. وَقَرَأ ابْنُ السَّمَيْفَعِ، وأبُو عِمْرانَ الجَوْنِيُّ: "سَقَطَ" بِفَتْحِ السِّينِ. قالَ الزَّجّاجُ: والمَعْنى: ولَمّا سَقَطَ النَّدَمُ في أيْدِيهِمْ، يُشَبِّهُ ما يَحْصُلُ في القَلْبِ وفي النَّفْسِ بِما يُرى بِالعَيْنِ. قالَ المُفَسِّرُونَ: هَذا النَّدَمُ مِنهم إنَّما كانَ بَعْدَ رُجُوعِ مُوسى. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا﴾ قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، وأبُو عَمْرٍو، وابْنُ عامِرٍ، وعاصِمٌ: ﴿يَرْحَمْنا رَبُّنا﴾ ﴿وَيَغْفِرْ لَنا﴾ بِالياءِ والرَّفْعِ. وقَرَأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ: "تَرْحَمُنا" " وتَغْفِرُ لَنا " بِالتّاءِ "رَبَّنا" بِالنَّصْبِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿غَضْبانَ أسِفًا﴾ في الأسَفِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّهُ الحَزِينُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، والحَسَنُ، والسُّدِّيُّ. والثّانِي: الجَزَعُ، قالَهُ مُجاهِدٌ. والثّالِثُ: أنَّهُ الشَّدِيدُ الغَضَبِ، قالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ، والزَّجّاجُ. وقالَ أبُو الدَّرْداءِ: الأسَفُ: مَنزِلَةٌ وراءَ الغَضَبِ أشَدُّ مِنهُ. (p-٢٦٤)قَوْلُهُ تَعالى: قالَ أيْ: لَقَوْمِهِ ﴿بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِي﴾ فَتَحَ ياءَ "بَعْدِي" أهْلُ الحِجازِ، وأبُو عَمْرٍو؛ والمَعْنى: بِئْسَ ما عَمِلْتُمْ بَعْدَ فِراقِي مِن عِبادَةِ العِجْلِ. ﴿أعَجِلْتُمْ أمْرَ رَبِّكُمْ﴾ قالَ الفَرّاءُ: يُقالُ: عَجِلْتُ الأمْرَ والشَّيْءَ: سَبَقْتُهُ، ومِنهُ هَذِهِ الآَيَةُ. وأعْجَلْتُهُ: اسْتَحْثَثْتُهُ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: أعْجَلْتُمْ مِيعادَ رَبِّكم فَلَمْ تَصْبِرُوا لَهُ؟! قالَ الحَسَنُ: يَعْنِي وعْدَ الأرْبَعِينَ لَيْلَةً. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَألْقى الألْواحَ﴾ الَّتِي فِيها التَّوْراةُ. وفي سَبَبِ إلْقائِهِ إيّاها قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّهُ الغَضَبُ حِينَ رَآَهم قَدْ عَبَدُوا العِجْلَ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. والثّانِي: أنَّهُ لَمّا رَأى فَضائِلَ غَيْرِ أُمَّتِهِ مِن أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ اشْتَدَّ عَلَيْهِ، فَألْقاها، قالَهُ قَتادَةُ، وفِيهِ بُعْدٌ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: لَمّا رَمى بِالألْواحِ فَتَحَطَّمَتْ، رُفِعَ مِنها سِتَّةُ أسْباعٍ، وبَقِيَ سُبْعٌ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأخَذَ بِرَأْسِ أخِيهِ﴾ في ما أخَذَ بِهِ مِن رَأْسِهِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: لِحْيَتُهُ وذُؤابَتُهُ. والثّانِي: شَعْرُ رَأْسِهِ. والثّالِثُ: أُذُنُهُ. وقِيلَ: إنَّما فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ، لِأنَّهُ تَوَهَّمَ أنَّهُ عَصى اللَّهَ بِمَقامِهِ بَيْنَهم وتَرَكَ اللُّحُوقَ بِهِ، وتَعْرِيفُهُ ما أحْدَثُوا بَعْدَهُ لَيَرْجِعَ إلَيْهِمْ فَيَتَلافاهم ويَرُدُّهم إلى الحَقِّ، وذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿ما مَنَعَكَ إذْ رَأيْتَهم ضَلُّوا﴾ ﴿ألا تَتَّبِعَنِي﴾ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ابْنَ أُمَّ﴾ قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، وأبُو عَمْرٍو، وحَفْصٌ عَنْ عاصِمٍ: "قالَ ابْنَ أمَّ" نَصْبًا. وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وأبُو بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ: بِكَسْرِ المِيمِ، وكَذَلِكَ في [طه:٩٤] . قالَ الزَّجّاجُ: مَن فَتَحَ المِيمَ، فَلِكَثْرَةِ اسْتِعْمالِ هَذا الِاسْمِ، ومَن كَسَرَ، أضافَهُ إلى نَفْسِهِ بَعْدَ أنْ جَعَلَهُ اسْمًا واحِدًا، ومِنَ العَرَبِ مَن يَقُولُ: "يا ابْنَ أُمِّيَ" بِإثْباتِ الياءِ. قالَ الشّاعِرُ: (p-٢٦٥) ؎ يا ابْنَ أُمِّي ويا شَقِيقَ نَفْسِي أنْتَ خَلِيفَتِي لِدَهْرٍ شَدِيدٍ وَقالَ أبُو عَلِيٍّ: يُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ مِن فَتْحِ: "يا ابْنَ أُمِّ" أمّا، ويَحْذِفُ الألِفَ، ومَن كَسَرَ: "ابْنِ أُمِّي" فَيَحْذِفُ الياءَ. فَإنْ قِيلَ: لِمَ قالَ "يا ابْنَ أُمَّ" ولَمْ يَقُلْ: "يا ابْنَ أبِ"؟ فالجَوابُ أنَّ ابْنَ عَبّاسٍ قالَ: كانَ أخاهُ لِأبِيهِ وأُمِّهِ، وإنَّما قالَ لَهُ ذَلِكَ لَيُرْفِقَهُ عَلَيْهِ. قالَ أبُو سُلَيْمانَ الدِّمَشْقِيُّ: والإنْسانُ عِنْدَ ذِكْرِ الوالِدَةِ أرَقُّ مِنهُ عِنْدَ ذِكْرِ الوالِدِ. وقِيلَ: كانَ لَأُمِّهِ دُونَ أبِيهِ، حَكاهُ الثَّعْلَبِيُّ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ القَوْمَ﴾ يَعْنِي عَبَدَةَ العِجْلِ. ﴿اسْتَضْعَفُونِي﴾ أيِ: اسْتَذَلُّونِي. ﴿فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأعْداءَ﴾ قَرَأ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبّاسٍ، ومالِكُ بْنُ دِينارٍ، وابْنُ عاصِمٍ: " فَلا تُشْمِتْ" بِتاءٍ مَفْتُوحَةٍ مَعَ فَتْحِ المِيمِ، "الأعْداءُ" بِالرَّفْعِ. وقَرَأ مُجاهِدٌ، وأبُو العالِيَةِ، والضَّحّاكُ، وأبُو رَجاءٍ: "فَلا تَشْمِتْ" بِفَتْحِ التّاءِ وكَسْرِ المِيمِ، "الأعْداءَ" بِالنَّصْبِ. وقَرَأ أبُو الجَوْزاءِ، وابْنُ أبِي عَبْلَةَ مِثْلَ ذَلِكَ، إلّا أنَّهُما رَفَعا "الأعْداءُ" . ويَعْنِي بِالأعْداءِ: عَبَدَةُ العِجْلِ. ﴿وَلا تَجْعَلْنِي﴾ في مَوْجِدَتِكَ وعُقُوبَتِكَ لِي ﴿مَعَ القَوْمِ الظّالِمِينَ﴾ وهم عَبَدَةُ العِجْلِ. فَلَمّا تَبَيَّنَ لَهُ عُذْرُ أخِيهِ ﴿قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي﴾ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَذِلَّةٌ في الحَياةِ الدُّنْيا﴾ فِيها قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّها الجِزْيَةُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. والثّانِي ما أمَرُوا بِهِ مِن قَتْلِ أنْفُسِهِمْ، قالَهُ الزَّجّاجُ. فَعَلى الأوَّلِ يَكُونُ ما أُضِيفَ إلَيْهِمْ مِنَ الجِزْيَةِ في حَقِّ أوْلادِهِمْ، لِأنَّ (p-٢٦٦)أُولَئِكَ قُتِلُوا ولَمْ يُؤَدُّوا جِزْيَةً. قالَ عَطِيَّةُ: وهَذِهِ الآَيَةُ فِيما أصابَ بَنِي قُرَيْظَةَ والنَّضِيرَ مِنَ القَتْلِ والجَلاءِ لَتَوَلِّيهِمْ مُتَّخِذِي العِجْلَ ورِضاهم بِهِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَكَذَلِكَ نَجْزِي المُفْتَرِينَ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: كَذَلِكَ أُعاقِبُ مَنِ اتَّخَذَ إلَهًا دُونِي. وقالَ مالِكُ بْنُ أنَسٍ: ما مِن مُبْتَدِعٍ إلّا وهو يَجِدُ فَوْقَ رَأْسِهِ ذِلَّةً، وقَرَأ هَذِهِ الآَيَةَ. وقالَ سُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: لَيْسَ في الأرْضِ صاحِبُ بِدْعَةٍ إلّا وهو يَجِدُ ذِلَّةً تَغْشاهُ قالَ: وهي في كِتابِ اللَّهِ تَعالى. قالُوا: وأيْنَ هِيَ؟ قالَ: أوَما سَمِعْتُمْ قَوْلَهُ: ﴿إنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا العِجْلَ سَيَنالُهم غَضَبٌ مِن رَبِّهِمْ وذِلَّةٌ في الحَياةِ الدُّنْيا﴾ قالُوا: يا أبا مُحَمَّدٍ، هَذِهِ لِأصْحابِ العِجْلِ خاصَّةً، قالَ كُلًّا، اتْلُ ما بَعْدَها. ﴿وَكَذَلِكَ نَجْزِي المُفْتَرِينَ﴾ فَهي لَكُلِّ مُفْتَرٍ ومُبْتَدِعٍ إلى يَوْمِ القِيامَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب