الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قالُوا أُوذِينا مِن قَبْلِ أنْ تَأْتِيَنا ومِن بَعْدِ ما جِئْتَنا﴾ في هَذا الأذى سِتَّةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّ الأذى الأوَّلَ والثّانِي أخْذُ الجِزْيَةِ، قالَهُ الحَسَنُ. والثّانِي: أنَ الأوَّلَ ذَبْحُ الأبْناءِ، والثّانِي: إدْراكُ فِرْعَوْنَ يَوْمَ طَلَبِهِمْ، قالَهُ السُّدِّيُّ. والثّالِثُ: أنَّ الأوَّلَ أنَّهم كانُوا يُسَخَّرُونَ في الأعْمالِ إلى نِصْفِ النَّهارِ، ويُرْسَلُونَ في بَقِيَّتِهِ يَكْتَسِبُونَ، والثّانِي تَسْخِيرُهم جَمِيعَ النَّهارِ بِلا طَعامٍ ولا شَرابٍ، قالَهُ جُوَيْبِرٌ. (p-٢٤٦)والرّابِعُ: أنَّ الأوَّلَ تَسْخِيرَهم في ضَرْبِ اللَّبَنِ، وكانُوا يُعْطُونَهُمُ التِّبْنَ الَّذِي يَخْلِطُونَهُ في الطِّينِ؛ والثّانِي: أنَّهم كُلِّفُوا ضَرْبَ اللَّبَنِ وجَعْلَ التِّبْنِ عَلَيْهِمْ، قالَهُ ابْنُ السّائِبِ. والخامِسُ: أنَّ الأوَّلَ قَتْلُ الأبْناءِ، واسْتِحْياءُ البَناتِ، والثّانِي، تَكْلِيفُ فِرْعَوْنَ إيّاهم ما لا يُطِيقُونَهُ، قالَهُ مُقاتِلٌ. والسّادِسُ: أنَّ الأوَّلَ اسْتِخْدامُهم وقَتْلُ أبْنائِهِمْ واسْتِحْياءُ نِسائِهِمْ، والثّانِي: إعادَةُ ذَلِكَ العَذابِ. وَفِي قَوْلِهِ: ﴿مِن قَبْلِ أنْ تَأْتِيَنا﴾ قَوْلانِ. أحَدُهُما: تَأْتِينا بِالرِّسالَةِ، ومِن بَعْدِ ما جِئْنا بِها، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. والثّانِي: تَأْتِينا بِعَهْدِ اللَّهِ أنَّهُ سَيُخَلِّصُنا ومِن بَعْدِ ما جِئْتِنا بِهِ، ذَكَرَهُ الماوَرْدِيُّ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿عَسى رَبُّكم أنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ﴾ قالَ الزَّجّاجُ: عَسى: طَمَعٌ وإشْفاقٌ، إلّا أنَّ ما يَطْمَعُ اللَّهُ فِيهِ فَهو واجِبٌ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَيَسْتَخْلِفَكم في الأرْضِ﴾ في هَذا الِاسْتِخْلافِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّهُ اسْتِخْلافٌ مِن فِرْعَوْنَ وقَوْمِهِ. والثّانِي: اسْتِخْلافٌ عَنِ اللَّهِ تَعالى، لِأنَّ المُؤْمِنِينَ خُلَفاءُ اللَّهِ في أرْضِهِ. وفي الأرْضِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: أرْضُ مِصْرَ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. والثّانِي: أرْضُ الشّامِ، ذَكَرَهُ الماوَرْدِيُّ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾ قالَ الزَّجّاجُ: أيْ: يَراهُ بِوُقُوعِهِ مِنكم، لِأنَّهُ إنَّما يُجازِيهِمْ عَلى ما وقَعَ مِنهم، لا عَلى ما عَلِمَ أنَّهُ سَيَقَعُ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَقَدْ أخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ﴾ قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: مَجازُهُ: ابْتَلَيْناهم بِالجَدُوبِ. وآَلُ فِرْعَوْنَ: أهْلُ دِينِهِ وقَوْمُهُ. وقالَ مُقاتِلٌ: هم أهْلُ مِصْرَ. (p-٢٤٧)قالَ الفَرّاءُ: "بِالسِّنِينَ" أيْ: بِالقَحْطِ والجَدُوبِ عامًا بَعْدَ عامٍ. وقالَ الزَّجّاجُ: السُّنُونَ في كَلامِ العَرَبِ: الجَدُوبُ، يُقالُ: مَسَّتْهُمُ السَّنَةُ، ومَعْناهُ: جَدْبُ السَّنَةِ، وشِدَّةُ السَّنَةِ. وإنَّما أخَذَهم بِالضَّرّاءِ، لِأنَّ أحْوالَ الشِّدَّةِ، تُرِقُ القُلُوبَ، وتُرَغِّبُ فِيما عِنْدَ اللَّهِ وفي الرُّجُوعِ إلَيْهِ، قالَ قَتادَةُ: أمّا السُّنُونَ، فَكانَتْ في بَوادِيهِمْ ومَواشِيهِمْ، وأمّا نَقْصُ الثَّمَراتِ، فَكانَ في أمْصارِهِمْ وقُراهم. ورَوى الضَّحّاكُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: يَبِسَ لَهم كُلُّ شَيْءٍ، وذَهَبَتْ مَواشِيهم، حَتّى يَبِسَ نِيلُ مِصْرَ، فاجْتَمَعُوا إلى فِرْعَوْنَ فَقالُوا لَهُ: إنْ كُنْتَ رِبًّا كَما تَزْعُمُ، فامْلَأْ لَنا نِيلَ مِصْرَ، فَقالَ غُدْوَةً يُصَبِّحُكُمُ الماءُ، فَلَمّا خَرَجُوا مِن عِنْدِهِ، قالَ: أيُّ شَيْءٍ صَنَعْتَ؟ أنا أقْدِرُ أنْ أجِيءَ بِالماءِ في نِيلِ مِصْرَ غُدْوَةَ أصْبَحَ، فَيُكَذِّبُونِي؟ فَلَمّا كانَ جَوْفُ اللَّيْلِ، اغْتَسَلَ، ثُمَّ لَبِسَ مِدْرَعَةً مِن صُوفٍ، ثُمَّ خَرَجَ حافِيًا حَتّى أتى بَطْنَنِيلِ مِصْرَ فَقامَ في بَطْنِهِ، فَقالَ: اللَّهُمَّ إنَّكَ تَعْلَمُ أنِّي أعْلَمُ أنَّكَ تَقْدِرُ أنْ تَمْلَأ نِيلَ مِصْرَ ماءً، فامْلَأْهُ، فَما عَلِمَ إلّا بِخَرِيرِ الماءِ لَمّا أرادَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الهَلَكَةِ. قُلْتُ: وهَذا الحَدِيثُ بَعِيدُ الصِّحَّةِ، لِأنَّ الرَّجُلَ كانَ دَهْرِيًّا لا يُثْبِتُ إلَهًا. ولَوْ صَحَّ، كانَ إقْرارُهُ بِذَلِكَ كَإقْرارِ إبْلِيسَ، وتَبْقى مُخالَفَتُهُ عِنادًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب