الباحث القرآني

(p-٢٣٨)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَنَزَعَ يَدَهُ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: أدْخَلَ يَدَهُ في جَيْبِهِ، ثُمَّ أخْرَجَها، فَإذا هي تَبْرُقُ مِثْلَ البَرْقِ، لَها شُعاعٌ غَلَبَ نُورَ الشَّمْسِ، فَخَرُّوا عَلى وُجُوهِهِمْ؛ ثُمَّ أدْخَلَها جَيْبَهُ فَصارَتْ كَما كانَتْ. قالَ مُجاهِدٌ: بَيْضاءُ مِن غَيْرِ بَرَصٍ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَماذا تَأْمُرُونَ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: ما الَّذِي تُشِيرُونَ بِهِ عَلَيَّ؟ وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّهُ مِن قَوْلِ فِرْعَوْنَ، وأنَّ كَلامَ المَلَإ انْقَطَعَ عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿مِن أرْضِكُمْ﴾ . قالَ الزَّجّاجُ: يَجُوزُ أنْ يَكُونَ مِن قَوْلِ المَلَإ، كَأنَّهم خاطَبُوا فِرْعَوْنَ ومَن يَخُصُّهُ، أوْ خاطَبُوهُ وحْدَهُ؛ لِأنَّهُ قَدْ يُقالُ لَلرَّئِيسِ: المُطاعُ ماذا تَرَوْنَ؟ قَوْلُهُ تَعالى: أُرْجِئُهُ قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ "أرْجِهْؤُ" مَهْمُوزٌ بِواوٍ بَعْدَ الهاءِ في اللَّفْظِ. وقَرَأ أبُو عَمْرٍو مِثْلَهُ، غَيْرَ أنَّهُ يَضُمُّ الهاءَ ضَمَّةً، مِن غَيْرِ أنْ يُبَلِّغَ بِها الواوَ؛ وكانا يَهْمِزانِ: (مُرْجَؤْنَ)[التَّوْبَةِ:١٠٦] و(تُرْجِئُ)[الأحْزابِ:٥١] . (p-٢٣٩)وَقَرَأ قالُوا والمُسَيِّبِي عَنْ نافِعٍ "أرْجِهِ" بِكَسْرِ الهاءِ، ولا يَبْلُغُ بِها الياءَ، ولا يَهْمِزُ. ورَوى عَنْهُ ورَشٌ: "أرْجِهِي" يَصِلُها بِياءٍ، ولا يَهْمِزُ بَيْنَ الجِيمِ والهاءِ. وكَذَلِكَ قالَ إسْماعِيلُ بْنُ جَعْفَرَ عَنْ نافِعٍ؛ وهي قِراءَةُ الكِسائِيِّ. وقَرَأ حَمْزَةُ: "أرْجِهْ" ساكِنَةَ الهاءِ غَيْرَ مَهْمُوزٍ، وكَذَلِكَ قَرَأ عاصِمٌ في غَيْرِ رِوايَةِ المُفَضَّلِ، وقَدْ رَوى عَنْهُ المُفَضَّلُ كَسْرَ الهاءِ مِن غَيْرِ إشْباعٍ ولا هَمْزٍ، وهي قِراءَةُ أبِي جَعْفَرَ، وكَذَلِكَ اخْتِلافُهم في سُورَةِ (الشُّعَراءِ:٣٦) . قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: أرِّجْهُ: أخِّرْهُ؛ وقَدْ يَهْمِزُ، يُقالُ: أرْجَأْتُ الشَّيْءَ، وأرْجَيْتُهُ. ومِنهُ قَوْلُهُ: ﴿تُرْجِي مَن تَشاءُ مِنهُنَّ﴾ [الأحْزابِ: ٥١] . قالَ الفَرّاءُ: بَنُو أسَدٍ تَقُولُ: أرَجِيتُ الأمْرَ، بِغَيْرِ هَمْزٍ، وكَذَلِكَ عامَّةُ قِيسٍ؛ وبَعْضُ بَنِي تَمِيمٍ يَقُولُونَ: أرْجَأتُ الأمْرَ، بِالهَمْزِ، والقُرّاءُ مُولَعُونَ بِهَمْزِها، وتَرْكُ الهَمْزِ أجْوَدُ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأرْسِلْ في المَدائِنِ﴾ يَعْنِي مَدائِنَ مِصْرَ، (حاشِرِينَ) أيْ: مَن يَحْشُرُ السَّحَرَةَ إلَيْكَ ويَجْمَعُهم. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: هُمُ الشُّرْطُ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ﴾ قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، وأبُو عَمْرٍو، وعاصِمٌ، وابْنُ عامِرٍ: (ساحِرٌ) وفي (يُونُسَ:٧٩): (بِكُلِّ ساحِرٍ)؛ وقَرَأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ: (سَحّارٍ) في المَوْضِعَيْنِ؛ ولا خِلافَ في (الشُّعَراءِ:٣٧) أنَّها: (سَحّارٌ) . قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ لَنا لأجْرًا﴾ قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، وحَفْصٌ عَنْ عاصِمٍ: ﴿إنَّ لَنا لأجْرًا﴾ مَكْسُورَةَ الألِفِ عَلى الخَبَرِ، وفي (الشُّعَراءِ:٤١) (آَيَنَ) مَمْدُودَةً مَفْتُوحَةَ الألِفِ، غَيْرَ أنَّ حَفْصًا رَوى عَنْ عاصِمٍ في (الشُّعَراءِ:٤١): (أإنْ) بِهَمْزَتَيْنِ. وقَرَأ أبُو عَمْرٍو: (آَيِنَ لَنا) مَمْدُودَةً في السُّورَتَيْنِ. وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وأبُو بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ: بِهَمْزَتَيْنِ في المَوْضِعَيْنِ. (p-٢٤٠)قالَ أبُو عَلِيٍّ: الِاسْتِفْهامُ أشْبَهُ بِهَذا المَوْضِعِ، لِأنَّهم لَمْ يَقْطَعُوا عَلى أنَّ لَهُمُ الأجْرَ، وإنَّما اسْتَفْهَمُوا عَنْهُ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإنَّكم لَمِنَ المُقَرَّبِينَ﴾ أيْ: ولَكم مَعَ الأجْرِ المَنزِلَةَ الرَّفِيعَةَ عِنْدِي. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿سَحَرُوا أعْيُنَ النّاسِ﴾ قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: عَشَّوْا أعْيُنَ النّاسِ وأخَذُوها. (واسْتَرْهَبُوهُمْ) أيْ: خَوَّفُوهم. وقالَ الزَّجّاجُ: اسْتَدْعَوْا رَهْبَتَهم حَتّى رَهِبَهُمُ النّاسُ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإذا هي تَلْقَفُ﴾ وقَرَأ عاصِمٌ: تَلَقُّف ساكِنَةَ اللّامِ، خَفِيفَةَ القافِ هاهُنا وفي (طه:٦٩)، و(الشُّعَراءِ:٤٥) . ورَوى البَزِّيُّ، وابْنُ فُلَيْحٍ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ: (تَلَقَّفَ) بِتَشْدِيدِ التّاءِ. قالَ الفَرّاءُ: يُقالُ: لَقَفْتُ الشَّيْءَ، فَأنا ألْقُفَهُ لَقْفًا ولُقْفانًا؛ والمَعْنى: تَبْتَلِعُ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ما يَأْفِكُونَ﴾ أيْ: يَكْذِبُونَ، لِأنَّهم زَعَمُوا أنَّها حَيّاتٌ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَوَقَعَ الحَقُّ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: اسْتَبانَ. ﴿وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ مِنَ السِّحْرِ. الإشارَةُ إلى قِصَّتِهِمْ اخْتَلَفُوا في عَدَدِ السَّحَرَةِ عَلى ثَلاثَةَ عَشَرَ قَوْلًا. أحَدُها: اثْنانِ وسَبْعُونَ، رَواهُ أبُو صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّانِي: اثْنانِ وسَبْعُونَ ألْفًا، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أيْضًا. وبِهِ قالَ مُقاتِلٌ. والثّالِثُ: سَبْعُونَ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أيْضًا. والرّابِعُ: اثْنا عَشَرَ ألْفًا، قالَهُ كَعْبٌ. والخامِسُ: سَبْعُونَ ألْفًا، قالَهُ عَطاءٌ، (p-٢٤١)وَكَذَلِكَ قالَ وهْبٌ في رِوايَةٍ، ألا أنَّهُ قالَ: فاخْتارَ مِنهم سَبْعَةَ آَلافٍ. والسّادِسُ: سَبْعُمِائَةٍ. ورَوى عَبْدُ المُنْعِمِ بْنُ إدْرِيسَ عَنْ أبِيهِ عَنْ وهْبٍ أنَّهُ قالَ: كانَ عَدَدُ السَّحَرَةِ الَّذِينَ عارَضُوا مُوسى سَبْعِينَ ألْفًا، مُتَخَيِّرِينَ مِن سَبْعِمِائَةِ ألْفٍ، ثُمَّ إنَّ فِرْعَوْنَ اخْتارَ مِنَ السَّبْعِينَ الألْفَ سَبْعَمِائَةٍ. والسّابِعُ: خَمْسَةٌ وعِشْرُونَ ألْفًا، قالَهُ الحَسَنُ. والثّامِنُ: تِسْعُمِائَةٍ، قالَهُ عِكْرِمَةُ. والتّاسِعُ: ثَمانُونَ ألْفًا، قالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ المُنْكَدِرِ. والعاشِرُ: بِضْعَةٌ وثَلاثُونَ ألْفًا، قالَهُ السُّدِّيُّ. والحادِي عَشَرَ: خَمْسَةَ عَشَرَ ألْفًا، قالَهُ ابْنُ إسْحاقَ. والثّانِي عَشَرَ: تِسْعَةَ عَشَرَ ألْفًا، رَواهُ أبُو سُلَيْمانَ الدِّمَشْقِيُّ. والثّالِثَ عَشَرَ: أرْبَعُمِائَةٍ، حَكاهُ الثَّعْلَبِيُّ. فَأمّا أسْماءُ رُؤَسائِهِمْ، فَقالَ ابْنُ إسْحاقَ: رُؤُوسُ السَّحَرَةِ سانُورُ، وعاذُورُ، وحَطْحَطُ، ومُصَفّى، وهُمُ الَّذِينَ آَمَنُوا، كَذا حَكاهُ ابْنُ ماكُولا. ورَأيْتُ عَنْ غَيْرِ ابْنُ إسْحاقَ: سابُورا، وعازُورا، وقالَ مُقاتِلٌ: اسْمُ أكْبَرِهِمْ شَمْعُونُ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: ألْقَوْا حِبالًا غِلاظًا، وخَشَبًا طِوالًا، فَكانَتْ مِيلًا في مِيلٍ، فَألْقى مُوسى عَصاهُ، فَإذا هي أعْظَمُ مِن حِبالِهِمْ وعِصِيِّهِمْ، قَدْ سَدَّتِ الأُفُقَ، ثُمَّ فَتَحَتْ فاها ثَمانِينَ ذِراعًا، فابْتَلَعَتْ ما ألْقَوْا مِن حِبالِهِمْ وعِصِيِّهِمْ، وجَعَلَتْ تَأْكُلُ جَمِيعَ ما قَدَرَتْ عَلَيْهِ مِن صَخْرَةٍ أوْ شَجَرَةٍ، والنّاسُ يَنْظُرُونَ، وفِرْعَوْنُ يَضْحَكُ تَجَلُّدًا، فَأقْبَلَتِ الحَيَّةُ نَحْوَ فِرْعَوْنَ، فَصاحَ: يا مُوسى، يا مُوسى، فَأخَذَها مُوسى، وعَرَفَتِ السَّحَرَةُ أنَّ هَذا مِنَ السَّماءِ، ولَيْسَ هَذا بِسِحْرٍ، فَخَرُّوا سُجَّدًا، وقالُوا آَمَنّا بِرَبِّ العالَمِينَ فَقالَ فِرْعَوْنُ: إيّايَ تُمَنُّونَ؟ فَقالُوا: رَبُّ مُوسى وهارُونَ، فَأصْبَحُوا سَحَرَةً، وأمْسَوْا شُهَداءَ. وقالَ وهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: لَما صارَتْ ثُعْبانًا حَمَلَتْ عَلى النّاسِ فانْهَزَمُوا مِنها، فَقَتَلَ بَعْضُهم بَعْضًا، فَماتَ مِنهم خَمْسَةٌ وعُشْرُونَ ألْفًا. وقالَ السُّدِّيُّ: لَقِيَ مُوسى أمِيرَ السَّحَرَةِ، فَقالَ: أرَأيْتَ إنْ غَلَبْتُكَ (p-٢٤٢)غَدًا، أتُؤْمِنُ بِي ؟فَقالَ السّاحِرُ: لَآَتِيَنَّ غَدًا بِسِحْرٍ لا يَغْلِبُهُ السِّحْرُ، فَواللَّهِ لَئِنْ غَلَبَتْنِي لَأُومِنَنَّ بِكَ. فَإنْ قِيلَ: كَيْفَ جازَ أنْ يَأْمُرَهم مُوسى بِالإلْقاءِ، وفِعْلُ السِّحْرِ كُفْرٌ؟ فَعَنْهُ ثَلاثَةُ أجْوِبَةٍ. أحَدُها: أنَّ مَضْمُونَ أمْرِهِ: إنْ كُنْتُمْ مُحِقِّينَ فَألْقَوْا. والثّانِي: ألْقَوْا عَلى ما يَصِحُّ، لا عَلى ما يُفْسِدُ ويَسْتَحِيلُ، ذَكَرَهُما الماوَرْدِيُّ والثّالِثُ: إنَّما أمَرَهم بِالإلْقاءِ لِتَكُونَ مُعْجِزَتُهُ أظْهَرَ، لِأنَّهم إذا ألْقَوْا، ألْقى عَصاهُ فابْتَلَعَتْ ذَلِكَ، ذَكَرَهُ الواحِدِيُّ. فَإنْ قِيلَ: كَيْفَ قالَ: ﴿وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ﴾ وإنَّما سَجَدُوا بِاخْتِيارِهِمْ؟ فالجَوابُ أنَّهُ لَمّا زالَتْ كُلُّ شُبْهَةٍ بِما أظْهَرَ اللَّهُ تَعالى مِن أمْرِهِ، اضْطَرَّهم عَظِيمُ ما عايَنُوا إلى مُبادَرَةِ السُّجُودِ، فَصارُوا مَفْعُولِينَ في الإلْقاءِ تَصْحِيحًا وتَعْظِيمًا لَشَأْنِ ما رَأوْا مِنَ الآَياتِ، ذَكَرَهُ ابْنُ الأنْبارِيِّ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: لَمّا آَمَنَتِ السَّحَرَةُ، اتَّبَعَ مُوسى سِتُّمِائَةَ ألْفٍ مِن بَنِي إسْرائِيلَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب