الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ﴾ أيِ: اصْبِرْ عَلى أذاهم لِقَضاءِ رَبِّكَ الَّذِي هو آتٍ. وقِيلَ: مَعْنى الأمْرِ بِالصَّبْرِ مَنسُوخٌ بِآيَةِ السَّيْفِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الحُوتِ﴾ وهو يُونُسُ. وفِيماذا نُهِيَ أنْ يَكُونَ مِثْلَهُ قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّهُ العَجَلَةُ، والغَضَبُ، قالَهُ قَتادَةُ. والثّانِي: الضَّعْفُ عَنْ تَبْلِيغِ الرِّسالَةِ، قالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ. قالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: وهَذا لا يُخْرِجُ يُونُسَ مِن أُولِي العَزْمِ، لِأنَّها خَطِيئَةٌ. (p-٣٤٣)وَلَوْ قُلْنا: إنَّ كُلَّ مُخْطِئٍ مِنَ الأنْبِياءِ لَيْسَ مِن أُولِي العَزْمِ، خَرَجُوا كُلُّهم إلّا يَحْيى. ثُمَّ أخْبَرَ عَنْ عُقُوبَتِهِ إذْ لَمْ يَصْبِرْ، فَقالَ تَعالى: ﴿إذْ نادى وهو مَكْظُومٌ﴾ قالَ الزَّجّاجُ: مَمْلُوءٌ غَمًّا وكَرْبًا. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَوْلا أنْ تَدارَكَهُ﴾ وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ، وابْنُ عَبّاسٍ، وابْنُ أبِي عَبْلَةَ: "لَوْلا أنْ تَدارَكَتْهُ" بِتاءٍ خَفِيفَةٍ، وبِتاءٍ ساكِنَةٍ بَعْدَ الكافِ مَعَ تَخْفِيفِ الدّالِ. وقَرَأ أبُو هُرَيْرَةَ، وأبُو المُتَوَكِّلِ: "تَدّارَكَهُ" بِتاءٍ واحِدَةٍ خَفِيفَةٍ مَعَ تَشْدِيدِ الدّالِ. وقَرَأ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ "تَتَدارَكَهُ" بِتاءَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ﴿نِعْمَةٌ مِن رَبِّهِ﴾ فَرَحِمَهُ بِها، وتابَ عَلَيْهِ مِن مَعاصِيهِ ﴿لَنُبِذَ بِالعَراءِ وهو مَذْمُومٌ﴾ وقَدْ بَيَّنّا مَعْنى " العَراء " في [الصّافّاتِ: ١٤٥] . ومَعْنى الآيَةِ: أنَّهُ نُبِذَ غَيْرَ مَذْمُومٍ لِنِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ بِالتَّوْبَةِ والرَّحْمَةِ. وقالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: ( نُبِذَ بِالعَراءِ ) وهِيَ: أرْضُ المَحْشَرِ، فالمَعْنى: أنَّهُ كانَ يَبْقى مَكانَهُ إلى يَوْمِ القِيامَةِ ﴿فاجْتَباهُ رَبُّهُ﴾ أيِ: اسْتَخْلَصَهُ واصْطَفاهُ، وخَلَّصَهُ مِنَ الذَّمِّ "فَجَعَلَهُ مِنَ الصّالِحِينَ" فَرَدَّ عَلَيْهِ الوَحْيَ، وشَفَّعَهُ في قَوْمِهِ ونَفْسِهِ "وَإنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأبْصارِهِمْ" قَرَأ الأكْثَرُونَ بِضَمِّ الياءِ مِن أزْلَقْتُهُ، وقَرَأ أهْلُ المَدِينَةِ، وأبانُ بِفَتْحِها مِن زَلَقْتُهُ أزْلِقُهُ، وهُما لُغَتانِ مَشْهُورَتانِ في العَرَبِ. قالَ الزَّجّاجُ: يُقالُ: زَلَقَ الرَّجُلُ رَأسَهُ وأزْلَقَهُ: إذا حَلَقَهُ. وفي مَعْنى الآيَةِ لِلْمُفَسِّرِينَ قَوْلانِ. أحَدُهُما: «أنَّ الكُفّارَ قَصَدُوا أنْ يُصِيبُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِالعَيْنِ، وكانَ فِيهِمْ رَجُلٌ يَمْكُثُ اليَوْمَيْنِ والثَّلاثَةَ لا يَأْكُلُ شَيْئًا، ثُمَّ يَرْفَعُ جانِبَ خِبائِهِ، فَتَمُرُّ بِهِ النَّعَمُ، فَيَقُولُ: لَمْ أرَ كاليَوْمِ إبِلًا ولا غَنَمًا أحْسَنَ مِن هَذِهِ، فَما تَذْهَبُ إلّا قَلِيلًا حَتّى يَسْقُطَ مِنها عِدَّةٌ، فَسَألَ الكَفّارُ هَذا الرَّجُلَ أنْ يُصِيبَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِالعَيْنِ، فَعَصَمَ اللَّهُ نَبِيَّهُ، وأنْزَلَ هَذِهِ الآيَةَ،» هَذا قَوْلُ الكَلْبِيِّ، وتابَعَهُ قَوْمٌ مِنَ المُفَسِّرِينَ (p-٣٤٤)تَلَقَّفُوا ذَلِكَ مِن تَفْسِيرِهِ، مِنهُمُ الفَرّاءُ. والثّانِي: أنَّهم كانُوا يَنْظُرُونَ إلَيْهِ بِالعَداوَةِ نَظَرًا شَدِيدًا يَكادُ يُزْلِقُهُ مِن شِدَّتِهِ، أيْ: يُلْقِيهِ إلى الأرْضِ. وهَذا مُسْتَعْمَلٌ في كَلامِ العَرَبِ. يَقُولُ القائِلُ: نَظَرَ إلَيَّ فُلانٌ نَظَرًا كادَ يَصْرَعُنِي. وأنْشَدُوا: ؎ يَتَقارَضُونَ إذا التَقَوْا في مَوْطِنٍ نَظَرًا يُزِيلُ مَواطِنَ الأقْدامِ أيْ: يَنْظُرُ بَعْضُهم إلى بَعْضٍ نَظَرًا شَدِيدًا بِالعَداوَةِ يَكادُ يُزِيلُ الأقْدامَ، وإلى هَذا ذَهَبَ المُحَقِّقُونَ، مِنهُمُ ابْنُ قُتَيْبَةَ، والزَّجّاجُ. ويَدُلُّ عَلى صِحَّتِهِ أنَّ اللَّهَ تَعالى قَرَنَ هَذا النَّظَرَ بِسَماعِ القُرْآنِ، وهو قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَمّا سَمِعُوا الذِّكْرَ﴾ والقَوْمُ كانُوا يَكْرَهُونَ ذَلِكَ أشَدَّ الكَراهَةِ، فَيُحِدُّونَ النَّظَرَ إلَيْهِ بِالبَغْضاءِ. وإصابَةُ العَيْنِ، إنَّما تَكُونُ مَعَ الإعْجابِ والِاسْتِحْسانِ، لا مَعَ البُغْضِ، فَلا يُظَنُّ بِالكَلْبِيِّ أنَّهُ فَهِمَ مَعْنى الآيَةِ. ﴿وَما هُوَ﴾ يَعْنِي: القُرْآنَ ﴿إلا ذِكْرٌ﴾ أيْ: مَوْعِظَةٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب