الباحث القرآني

(p-٣١٨)سُورَةُ المُلْكِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ بِإجْماعِهِمْ قالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: هي المانِعَةُ مِن عَذابِ القَبْرِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿الَّذِي بِيَدِهِ المُلْكُ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: يَعْنِي: السُّلْطانُ يُعِزُّ ويُذِلُّ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ المَوْتَ والحَياةَ﴾ قالَ الحَسَنُ: خَلَقَ المَوْتَ المُزِيلَ لِلْحَياةِ، والحَياةَ الَّتِي هي ضِدُّ المَوْتِ ﴿لِيَبْلُوَكم أيُّكم أحْسَنُ عَمَلا﴾ قَدْ شَرَحْناهُ في [هُودٍ: ٧] قالَ الزَّجّاجُ: والمُعَلَّقُ بِـ "أيُّكُمْ" مُضْمَرٌ تَقْدِيرُهُ: لِيَبْلُوَكُمْ، فَيَعْلَمَ أيُّكم أحْسَنُ عَمَلًا، وهَذا عِلْمُ وُقُوعٍ. وارْتَفَعَتْ "أيُّ" بِالِابْتِداءِ، ولا يَعْمَلُ فِيها ما قَبْلَها، لِأنَّها عَلى أصْلِ الِاسْتِفْهامِ، ومِثْلُهُ "أيُّ الحِزْبَيْنِ أحْصى" [الكَهْفِ: ١٢] . والمَعْنى: خَلَقَ الحَياةَ لِيَخْتَبِرَكم فِيها، وخَلَقَ المَوْتَ لِيَبْعَثَكم ويُجازِيَكم. وقالَ غَيْرُهُ: اللّامُ في "لِيَبْلُوَكُمْ" مُتَعَلِّقٌ بِخَلْقِ الحَياةِ دُونَ خَلْقِ المَوْتِ، لِأنَّ الِابْتِلاءَ بِالحَياةِ، ﴿الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقًا﴾ أيْ: خَلَقَهُنَّ مُطابَقاتٍ، أيْ: بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ "ما تَرى" يا ابْنَ آدَمَ "فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفاوُتٍ" قَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ: "مِن تَفَوُّتٍ" بِتَشْدِيدِ الواوِ مِن غَيْرِ ألِفٍ. وقَرَأ الباقُونَ بِألِفٍ. قالَ الفَرّاءُ: وهُما بِمَنزِلَةٍ واحِدَةٍ، كَما تَقُولُ: تَعاهَدْتُ الشَّيْءَ، وتَعَهَّدْتُهُ. والتَّفاوُتُ: الِاخْتِلافُ. وقالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: التَّفاوُتُ: الِاضْطِرابُ والِاخْتِلافُ، وأصْلُهُ مِنَ الفَوْتِ، وهو أنْ يَفُوتَ شَيْءٌ شَيْئًا، فَيَقَعُ الخَلَلُ، ولَكِنَّهُ مُتَّصِلٌ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فارْجِعِ البَصَرَ﴾ أيْ: كَرِّرِ البَصَرَ ﴿هَلْ تَرى مِن فُطُورٍ﴾ (p-٣٢٠)وَقَرَأ أبُو عَمْرٍو، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ "هَلْ تَّرى" بِإدْغامِ اللّامِ في التّاءِ، أيْ: هَلْ تَرى فِيها فُرُوجًا وصُدُوعًا. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ثُمَّ ارْجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ﴾ أيْ: مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ ﴿يَنْقَلِبْ إلَيْكَ البَصَرُ خاسِئًا﴾ قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: أيْ: مُبْعَدًا مِن قَوْلِكَ: خَسَأْتُ الكَلْبَ: إذا باعَدْتَهُ ﴿وَهُوَ حَسِيرٌ﴾ أيْ: كَلَيْلٌ مُنْقَطِعٌ عَنْ أنْ يَلْحَقَ ما نَظَرَ إلَيْهِ. وقالَ الزَّجّاجُ: قَدْ أعْيا مِن قَبْلِ أنْ يَرى في السَماءِ خَلَلًا. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَقَدْ زَيَّنّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ﴾ وقَدْ شَرَحْناهُ في [حَم السَّجْدَةِ: ١٢] ﴿وَجَعَلْناها رُجُومًا لِلشَّياطِينِ﴾ أيْ: يُرْجَمُ بِها مُسَتَرِقُو السَّمْعِ. وقَدْ سَبَقَ بَيانُ هَذا المَعْنى [الحِجْرِ: ١٨] ﴿وَأعْتَدْنا لَهُمْ﴾ أيْ: في الآخِرَةِ ﴿عَذابَ السَّعِيرِ﴾ وهَذا وما بَعْدَهُ قَدْ سَبَقَ بَيانُهُ إلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿سَمِعُوا لَها شَهِيقًا﴾ أيْ: صَوْتًا مِثْلَ صَوْتِ الحِمارِ. وقَدْ بَيَّنّا مَعْنى الشَّهِيقِ في [هُودٍ: ١٠٦] ﴿وَهِيَ تَفُورُ﴾ أيْ: تَغْلِي بِهِمْ كَغَلْيِ المِرْجَلِ "تَكادُ تَمَيَّزُ" أيْ: تَتَقَطَّعُ مِن تَغَيُّظِها عَلَيْهِمْ ﴿كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ﴾ أيْ: جَماعَةٌ مِنهم ﴿سَألَهم خَزَنَتُها ألَمْ يَأْتِكم نَذِيرٌ﴾؟! وهَذا سُؤالُ تَوْبِيخٍ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنْ أنْتُمْ﴾ أيْ: قُلْنا لِلرُّسُلِ: ﴿إنْ أنْتُمْ إلا في ضَلالٍ﴾ أيْ: في ذَهابٍ عَنِ الحَقِّ بِعِيدٍ. قالَ الزَّجّاجُ: ثُمَّ اعْتَرَفُوا بِجَهْلِهِمْ فَقالُوا: ﴿لَوْ كُنّا نَسْمَعُ﴾ أيْ: سَماعَ مَن يَعِي ويُفَكِّرُ ﴿أوْ نَعْقِلُ﴾ عَقْلَ مَن يُمَيِّزُ ويَنْظُرُ ﴿ما كُنّا﴾ مِن أهْلِ النّارِ ﴿فَسُحْقًا﴾ أيْ: بُعْدًا. وهو مَنصُوبٌ عَلى المَصْدَرِ، المَعْنى: أسْحَقَهُمُ اللَّهُ سُحْقًا، أيْ: باعَدَهُمُ اللَّهُ مِن رَحْمَتِهِ مُباعَدَةً، والسَّحِيقُ: البَعِيدُ. وكَذَلِكَ رَوى ابْنُ أبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﴿فَسُحْقًا﴾ أيْ: بُعْدًا وقالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وأبُو صالِحٍ: السُّحْقُ: وادٍ في جَهَنَّمَ يُقالُ لَهُ: سُحْقٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب