الباحث القرآني

"أسْكَنُوهُنَّ مِن حَيْثُ سَكَنْتُمْ" و"مِن" صِلَةُ قَوْلِهِ: "مِن وُجْدِكُمْ" (p-٢٩٦)قَرَأ الجُمْهُورُ بِضَمِّ الواوِ. وقَرَأ أبُو هُرَيْرَةَ، وأبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وأبُو رَزِينٍ، وقَتادَةُ، ورُوحٌ عَنْ يَعْقُوبَ بِكَسْرِ الواوِ. وقَرَأ ابْنُ يَعْمَرَ، وابْنُ أبِي عَبْلَةَ، وأبُو حَيْوَةَ: بِفَتْحِ الواوِ. قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: أيْ: بِقَدْرِ وُسْعِكم. والوُجْدُ: المَقْدِرَةُ، والغِنى، يُقالُ: افْتَقَرَ فُلانٌ بَعْدَ وُجْدٍ. قالَ الفَرّاءُ: يَقُولُ: عَلى ما يَجِدُ، فَإنْ كانَ مُوَسَّعًا عَلَيْهِ، وسَّعَ عَلَيْها في المَسْكَنِ والنَّفَقَةِ، وإنْ كانَ مُقَتَّرًا عَلَيْهِ، فَعَلى قَدْرٍ ذَلِكَ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلا تُضارُّوهُنَّ﴾ بِالتَّضْيِيقِ عَلَيْهِنَّ في المَسْكَنِ، والنَّفَقَةِ، وأنْتُمْ تَجِدُونَ سَعَةً. قالَ القاضِي أبُو يَعْلى: المُرادُ بِهَذا: المُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ دُونَ المَبْتُوتَةِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أمْرًا﴾ [الطَّلاقِ: ١] وقَوْلِهِ: ﴿فَإذا بَلَغْنَ أجَلَهُنَّ فَأمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾ [الطَّلاقِ: ٢] فَدَلَّ ذَلِكَ عَلى أنَّهُ أرادَ الرَّجْعِيَّةَ. وَقَدِ اخْتَلَفَ الفُقَهاءُ في المَبْتُوتَةِ: هَلْ لَها سُكْنى، ونَفَقَةٌ في مُدَّةِ العِدَّةِ، أمْ لا؟ فالمَشْهُورُ عِنْدَ أصْحابِنا: أنَّهُ لا سُكْنى لَها ولا نَفَقَةَ، وهو قَوْلُ ابْنِ أبِي لَيْلى. وقالَ أبُو حَنِيفَةَ: لَها السُّكْنى، والنَّفَقَةُ. وقالَ مالِكٌ والشّافِعِيُّ: لَها السُّكْنى، دُونَ النَّفَقَةِ. وقَدْ رَواهُ الكَوْسَجُ عَنْ أحْمَدَ. ويَدُلُّ عَلى الأوَّلِ حَدِيثُ فاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ لَها: «إنَّما النَّفَقَةُ لِلْمَرْأةِ عَلى زَوْجِها ما كانَتْ لَهُ عَلَيْها الرَّجْعَةُ، فَإذا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْها، فَلا نَفَقَةَ ولا سُكْنى.» ومِن حَيْثُ المَعْنى: إنَّ النَّفَقَةَ إنَّما تَجِبُ لِأجْلِ التَّمْكِينِ مِنَ الِاسْتِمْتاعِ، بِدَلِيلِ أنَّ النّاشِزَ لا نَفَقَةَ لَها. (p-٢٩٧)واخْتَلَفُوا في الحامِلِ، والمُتَوَفّى عَنْها زَوْجُها، فَقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وابْنُ عُمَرَ، وأبُو العالِيَةِ، والشَّعْبِيُّ، وشُرَيْحٌ، وإبْراهِيمُ: نَفَقَتُها مِن جَمِيعِ المالِ، وبِهِ قالَ مالِكٌ، وابْنُ أبِي لَيْلى، والثَّوْرِيُّ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ، وابْنُ الزُّبَيْرِ، والحَسَنُ، وسَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ، وعَطاءٌ: نَفَقَتُها في مالِ نَفْسِها، وبِهِ قالَ أبُو حَنِيفَةَ، وأصْحابُهُ. وعَنْ أحْمَدَ كالقَوْلَيْنِ. قَوْلُهُ تَعالى ﴿فَإنْ أرْضَعْنَ لَكم فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ يَعْنِي: أُجْرَةَ الرَّضاعِ. وفي هَذا دَلالَةٌ عَلى أنَّ الأُمَّ إذا رَضِيَتْ أنْ تُرْضِعَهُ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ، لَمْ يَكُنْ لِلْأبِ أنْ يَسْتَرْضِعَ غَيْرَها ﴿وَأْتَمِرُوا بَيْنَكم بِمَعْرُوفٍ﴾، أيْ: لا تَشْتَطُّ المَرْأةُ عَلى الزَّوْجِ فِيما تَطْلُبُهُ مِن أُجْرَةِ الرَّضاعِ، ولا يُقَصِّرُ الزَّوْجُ عَنِ المِقْدارِ المُسْتَحَقِّ ﴿وَإنْ تَعاسَرْتُمْ﴾ في الأُجْرَةِ، ولَمْ يَتَراضَ الوالِدانِ عَلى شَيْءٍ ﴿فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى﴾ لَفْظُهُ لَفْظُ الخَبَرِ، ومَعْناهُ: الأمْرُ، أيْ: فَلْيَسْتَرْضِعِ الوالِدُ غَيْرَ والِدَةِ الصَّبِيِّ. ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِن سَعَتِهِ﴾ أمَرَ أهْلَ التَّوْسِعَةِ أنْ يُوَسِّعُوا عَلى نِسائِهِمُ المُرْضِعاتِ أوْلادَهُنَّ عَلى قَدْرِ سَعَتِهِمْ. وقَرَأ ابْنُ السَّمَيْفَعِ ( لِيُنْفِقَ ) بِفَتْحِ القافِ. ﴿وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ﴾ أيْ: ضُيِّقَ عَلَيْهِ مِنَ المُطَلِّقِينَ. وقَرَأ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وحُمَيْدٌ (قُدِّرَ) بِضَمِّ القافِ وتَشْدِيدِ الدّالِ. وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ، وابْنُ أبِي عَبْلَةَ (قَدَّرَ) بِفَتْحِ القافِ وتَشْدِيدِ الدّالِ. (رِزْقَهُ) بِنَصْبِ القافِ. ﴿فَلْيُنْفِقْ مِمّا آتاهُ اللَّهُ﴾ عَلى قَدْرِ ما أعْطاهُ. ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا ما آتاها﴾ أيْ: عَلى قَدْرِ ما أعْطاها مِنَ المالِ. ﴿سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾ أيْ: بَعْدَ ضِيقٍ وشِدَّةٍ، غِنًى وسَعَةً، وكانَ الغالِبُ عَلَيْهِمْ حِينَئِذٍ الفَقْرَ، فَأعْلَمَهم أنَّهُ سَيَفْتَحُ عَلَيْهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب