الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واللائِي يَئِسْنَ مِنَ المَحِيضِ﴾ في سَبَبِ نُزُولِها قَوْلانِ. (p-٢٩٣)أحَدُهُما: «أنَّها لَمّا نَزَلَتْ عِدَّةُ المُطَلَّقَةِ، والمُتَوَفّى عَنْها زَوْجُها في [البَقَرَةِ: ٢٢٧، ٢٣٢] قالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ نِساءً مِن أهْلِ المَدِينَةِ يَقُلْنَ: قَدْ بَقِيَ مِنَ النِّساءِ ما لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ شَيْءٌ. قالَ: "وَما هُوَ؟" قالَ: الصِّغارُ والكِبارُ، وذَواتُ الحَمْلِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ،» قالَهُ عَمْرُو بْنُ سالِمٍ. والثّانِي: أنَّهُ «لَمّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿والمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأنْفُسِهِنَّ. . .﴾ الآيَةُ [البَقَرَةِ: ٢٢٨] قالَ خَلّادُ بْنُ النُّعْمانِ الأنْصارِيُّ: يا رَسُولَ اللَّهِ، فَما عِدَّةُ الَّتِي لا تَحِيضُ، وعِدَّةُ الَّتِي لَمْ تَحِضْ، وعِدَّةُ الحُبْلى؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ،» قالَهُ مُقاتِلٌ. ومَعْنى الآيَةِ: "إنِ ارْتَبْتُمْ" أيْ: شَكَكْتُمْ فَلَمْ تَدْرُوا ما عِدَّتُهُنَّ "فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أشْهُرٍ واللّائِي لَمْ يَحِضْنَ" كَذَلِكَ. * فَصْلٌ قالَ القاضِي أبُو يَعْلى: والمُرادُ بِالِارْتِيابِ ها هُنا: ارْتِيابُ المُخاطَبِينَ في مِقْدارِ عِدَّةِ الآيِسَةِ والصَّغِيرَةِ كَمْ هُوَ؟ ولَيْسَ المُرادُ بِهِ ارْتِيابَ المُعْتَدّاتِ في اليَأْسِ مِنَ المَحِيضِ، أوِ اليَأْسِ مِنَ الحَمْلِ لِلسَّبَبِ الَّذِي ذُكِرَ في نُزُولِ الآيَةِ. ولِأنَّهُ لَوْ أُرِيدَ (p-٢٩٤)بِذَلِكَ النِّساءُ لَتَوَجَّهَ الخِطابُ إلَيْهِنَّ، فَقِيلَ: إنِ ارْتَبْتُنَّ، أوِ ارْتَبْنَ، لِأنَّ الحَيْضَ إنَّما يُعْلَمُ مِن جِهَتِهِنَّ. وَقَدِ اخْتُلِفَ في المَرْأةِ إذا تَأخَّرَ حَيْضُها لا لِعارِضٍ كَمْ تَجْلِسُ؟ فَمَذْهَبُ أصْحابِنا أنَّها تَجْلِسُ غالِبَ مُدَّةِ الحَمْلِ، وهو تِسْعَةُ أشْهُرٍ، ثُمَّ ثَلاثَةٌ. والعِدَّةُ: هي الثَّلاثَةُ الَّتِي بَعْدَ التِّسْعَةِ. فَإنْ حاضَتْ قَبْلَ السَّنَةِ بِيَوْمٍ، اسْتَأْنَفَتْ ثَلاثَ حِيَضٍ، وإنْ تَمَّتِ السَّنَةَ مِن غَيْرِ حَيْضٍ، حَلَّتْ، وبِهِ قالَ مالِكٌ. وقالَ أبُو حَنِيفَةَ، والشّافِعِيُّ في الجَدِيدِ: تَمْكُثُ أبَدًا حَتّى يُعْلَمَ بَراءَةُ رَحِمِها قَطْعًا، وهي أنْ تَصِيرَ في حَدٍّ لا يَحِيضُ مِثْلُها، فَتَعْتَدُّ بَعْدَ ذَلِكَ ثَلاثَةَ أشْهُرٍ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واللائِي لَمْ يَحِضْنَ﴾ يَعْنِي: عِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أشْهُرٍ أيْضًا، لِأنَّهُ كَلامٌ لا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ، فَلا بُدَّ لَهُ مِن ضَمِيرٍ، وضَمِيرُهُ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مُظْهَرًا، وهو العِدَّةُ بِالشُّهُورِ. وهَذا عَلى قَوْلِ أصْحابِنا مَحْمُولٌ عَلى مَن لَمْ يَأْتِ عَلَيْها زَمانُ الحَيْضِ: أنَّها تَعْتَدُّ ثَلاثَةَ أشْهُرٍ. فَأمّا مَن أتى عَلَيْها زَمانُ الحَيْضِ، ولَمْ تَحِضْ، فَإنَّها تَعْتَدُّ سَنَةً. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأُولاتُ الأحْمالِ أجَلُهُنَّ أنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ عامٌّ في المُطَلَّقاتِ، والمُتَوَفّى عَنْهُنَّ أزْواجُهُنَّ، وهَذا قَوْلُ عُمْرَ، وابْنِ عُمَرَ، وابْنِ مَسْعُودٍ، وأبِي مَسْعُودٍ البَدْرِيِّ، وأبِي هُرَيْرَةَ، وفُقَهاءِ الأمْصارِ. وقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ قالَ: تَعْتَدُّ آخِرَ الأجَلَيْنِ. ويَدُلُّ عَلى قَوْلِنا عُمُومُ الآيَةِ. وقَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ: مَن شاءَ لاعَنْتُهُ، ما نَزَلَتْ "وَأُولاتُ الأحْمالِ" إلّا بَعْدَ آيَةِ المُتَوَفّى عَنْها زَوْجُها، (p-٢٩٥)وَقَوْلُ أمِّ سَلَمَةَ: «إنَّ سُبَيْعَةَ وضَعَتْ بَعْدَ وفاةِ زَوْجِها بِأيّامٍ، فَأمَرَها رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أنْ تَتَزَوَّجَ.» قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ﴾ أيْ: فِيما أمَرَ بِهِ "يَجْعَلْ لَهُ مِن أمْرِهِ يُسْرًا" يُسَهِّلْ عَلَيْهِ أمْرَ الدُّنْيا والآخِرَةِ، وهَذا قَوْلُ الأكْثَرِينَ. وقالَ الضَّحّاكُ: ومَن يَتَّقِ اللَّهَ في طَلاقِ السُّنَّةِ، يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ مَن أمْرِهِ يُسْرًا في الرَّجْعَةِ "ذَلِكَ أمْرُ اللَّهِ أنْزَلَهُ إلَيْكم ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ"﴾ بِطاعَتِهِ ﴿يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ﴾ أيْ: يَمْحُ عَنْهُ خَطاياهُ "وَيُعْظِمْ لَهُ أجْرًا" في الآخِرَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب