الباحث القرآني
أحَدُهُما: أنَّهُمُ الأنْبِياءُ.
والثّانِي: المُؤْمِنُونَ ﴿إذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إنّا بُرَآءُ مِنكُمْ﴾ قالَ الفَرّاءُ: تَقُولُ أفَلا تَأسَّيْتَ يا حاطِبُ بِإبْراهِيمَ وقَوْمِهِ فَتَبَرَّأْتَ مِن أهْلِكَ كَما تَبَرَّؤُوا مِن قَوْمِهِمْ
قَوْلُهُ تَعالى ﴿إلا قَوْلَ إبْراهِيمَ لأبِيهِ﴾ قالَ المُفَسِّرُونَ: والمَعْنى: تَأسُّوا بِإبْراهِيمَ إلّا في اسْتِغْفارِ إبْراهِيمَ لِأبِيهِ فَلا تَأسَّوْا بِهِ في ذَلِكَ، فَإنَّهُ كانَ عَنْ مَوْعِدَةٍ وعَدَها إيّاهُ ﴿وَما أمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنَ شَيْءٍ﴾ أيْ: ما أدْفَعُ عَنْكَ عَذابَ اللَّهِ إنْ أشْرَكْتَ بِهِ، وكانَ مِن دُعاءِ إبْراهِيمَ وأصْحابِهِ: ﴿رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا﴾ إلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾ قالَ الفَرّاءُ: قُولُوا أنْتُمْ: رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا. وقَدْ بَيَّنّا مَعْنى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ في [يُونُسَ] [آيَةُ: ٨٥] .
ثُمَّ أعادَ الكَلامَ في ذِكْرِ الأُسْوَةِ فَقالَ تَعالى: ﴿لَقَدْ كانَ لَكم فِيهِمْ﴾ أيْ: في إبْراهِيمَ ومَن مَعَهُ، وذَلِكَ أنَّهم كانُوا يُبْغِضُونَ مَن خالَفَ اللَّهَ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِمَن كانَ يَرْجُو اللَّهَ﴾ بَدَلٌ مِن قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لَكُمْ﴾ وبَيانٌ أنَّ هَذِهِ الأُسْوَةَ لِمَن يَخافُ اللَّهَ، ويَخْشى عِقابَ الآخِرَةِ.
قَوْلُهُ تَعالى ﴿وَمَن يَتَوَلَّ﴾ أيْ: يُعْرِضْ عَنِ الإيمانِ ويُوالِ الكُفّارَ ﴿فَإنَّ اللَّهَ هو الغَنِيُّ﴾ عَنْ خَلْقِهِ "الحَمِيدُ" إلى أوْلِيائِهِ. فَلَمّا أمَرَ اللَّهُ المُؤْمِنِينَ بِعَداوَةِ الكُفّارِ عادَوْا أقْرِباءَهُمْ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿عَسى اللَّهُ أنْ يَجْعَلَ بَيْنَكم وبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنهُمْ﴾ أيْ: مِن كَفّارِ مَكَّةَ "مَوَدَّةً" فَفَعَلَ ذَلِكَ، بِأنْ أسْلَمَ كَثِيرٌ مِنهم يَوْمَ الفَتْحِ، وتَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أبِي سُفْيانَ، فانْكَسَرَ أبُو سُفْيانَ (p-٢٣٦)عَنْ كَثِيرٍ مِمّا كانَ عَلَيْهِ حَتّى هَداهُ اللَّهُ لِلْإسْلامِ ﴿واللَّهُ قَدِيرٌ﴾ عَلى جَعْلِ المَوَدَّةِ ﴿واللَّهُ غَفُورٌ﴾ لَهم ﴿رَحِيمٌ﴾ بِهِمْ بَعْدَما أسْلَمُوا.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكم في الدِّينِ﴾ اخْتَلَفُوا فِيمَن نَزَلَتْ عَلى خَمْسَةِ أقْوالٍ.
أحَدُها: أنَّها في أسْماءَ بِنْتِ أبِي بَكْرٍ، وذَلِكَ «أنَّ أُمَّها قَتِيلَةَ بِنْتَ عَبْدِ العُزّى. قَدِمَتْ عَلَيْها المَدِينَةَ بِهَدايا، فَلَمْ تَقْبَلْ هَداياها، ولَمْ تُدْخِلْها مَنزِلَها، فَسَألَتْ لَها عائِشَةُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، فَأمَرَها رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أنْ تُدْخِلَها مَنزِلَها، وتَقْبَلَ هَدِيَّتَها، وتُكْرِمَها، وتُحْسِنَ إلَيْها،» قالَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ. والثّانِي: أنَّها نَزَلَتْ في خُزاعَةَ وبَنِي مُدْلَجٍ، وكانُوا صالَحُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَلى أنْ لا يُقاتِلُوهُ، ولا يُعِينُوا عَلَيْهِ أحَدًا، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. ورُوِيَ عَنِ الحَسَنِ (p-٢٣٧)البَصَرِيِّ أنَّها نَزَلَتْ في خُزاعَةَ، وبَنِي الحارِثِ بْنِ عَبْدِ مَنافٍ، وكانَ بَيْنَهم وبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَهْدٌ، فَدامُوا عَلى الوَفاءِ بِهِ.
والثّالِثُ: نَزَلَتْ في قَوْمٍ مِن بَنِي هاشِمٍ مِنهُمُ العَبّاسُ، قالَهُ عَطِيَّةُ العَوْفِيُّ ومُرَّةُ. والرّابِعُ: أنَّها عامَّةٌ في جَمِيعِ الكَفّارِ، وهي مَنسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التَّوْبَةِ: ٥]، قالَهُ قَتادَةُ.
والخامِسُ: نَزَلَتْ في النِّساءِ والصِّبْيانِ، حَكاهُ الزَّجّاجُ.
قالَ المُفَسِّرُونَ: وهَذِهِ الآيَةُ رُخْصَةٌ في صِلَةِ الَّذِينَ لَمْ يَنْصِبُوا الحَرْبَ لِلْمُسْلِمِينَ، وجَوازِ بِرِّهِمْ، وإنْ كانَتِ المُوالاةُ مُنْقَطِعَةً مِنهم.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَمْ يُخْرِجُوكم مِن دِيارِكُمْ﴾ أيْ: مِن مَكَّةَ أنْ ﴿تَبَرُّوهم وتُقْسِطُوا إلَيْهِمْ﴾ أيْ: تُعامِلُوهم بِالعَدْلِ فِيما بَيْنَكم وبَيْنَهم.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَظاهَرُوا عَلى إخْراجِكُمْ﴾ أيْ: عاوَنُوا عَلى ذَلِكَ ﴿أنْ تَوَلَّوْهُمْ﴾ والمَعْنى: إنَّما يَنْهاكم عَنْ أنْ تَوَلَّوْا هَؤُلاءِ، لِأنَّ مُكاتَبَتَهم بِإظْهارِ ما أسَرَّهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مُوالاةٌ. وذَكَرَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ أنَّ مَعْنى الآيَةِ والَّتِي قَبْلَها مَنسُوخٌ بِآيَةِ السَّيْفِ. قالَ ابْنُ جَرِيرٍ: لا وجْهَ لِادِّعاءِ النَّسْخِ، لِأنَّ بِرَّ المُؤُمِنِينَ لِلْمُحارِبِينَ سَواءٌ كانُوا قَرابَةً أوْ غَيْرَ قَرابَةٍ، غَيْرُ مُحَرَّمٍ إذا لَمْ يَكُنْ في ذَلِكَ تَقْوِيَةٌ لَهم عَلى الحَرْبِ بِكُراعٍ أوْ سِلاحٍ، أوْ دَلالَةٌ لَهم عَلى عَوْرَةِ أهْلِ الإسْلامِ. ويَدُلُّ عَلى ذَلِكَ حَدِيثُ أسْماءَ وأمِّها الَّذِي سَبَقَ.
{"ayahs_start":4,"ayahs":["قَدۡ كَانَتۡ لَكُمۡ أُسۡوَةٌ حَسَنَةࣱ فِیۤ إِبۡرَ ٰهِیمَ وَٱلَّذِینَ مَعَهُۥۤ إِذۡ قَالُوا۟ لِقَوۡمِهِمۡ إِنَّا بُرَءَ ٰۤ ؤُا۟ مِنكُمۡ وَمِمَّا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ كَفَرۡنَا بِكُمۡ وَبَدَا بَیۡنَنَا وَبَیۡنَكُمُ ٱلۡعَدَ ٰوَةُ وَٱلۡبَغۡضَاۤءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤۡمِنُوا۟ بِٱللَّهِ وَحۡدَهُۥۤ إِلَّا قَوۡلَ إِبۡرَ ٰهِیمَ لِأَبِیهِ لَأَسۡتَغۡفِرَنَّ لَكَ وَمَاۤ أَمۡلِكُ لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن شَیۡءࣲۖ رَّبَّنَا عَلَیۡكَ تَوَكَّلۡنَا وَإِلَیۡكَ أَنَبۡنَا وَإِلَیۡكَ ٱلۡمَصِیرُ","رَبَّنَا لَا تَجۡعَلۡنَا فِتۡنَةࣰ لِّلَّذِینَ كَفَرُوا۟ وَٱغۡفِرۡ لَنَا رَبَّنَاۤۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ","لَقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِیهِمۡ أُسۡوَةٌ حَسَنَةࣱ لِّمَن كَانَ یَرۡجُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلۡیَوۡمَ ٱلۡـَٔاخِرَۚ وَمَن یَتَوَلَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡغَنِیُّ ٱلۡحَمِیدُ","۞ عَسَى ٱللَّهُ أَن یَجۡعَلَ بَیۡنَكُمۡ وَبَیۡنَ ٱلَّذِینَ عَادَیۡتُم مِّنۡهُم مَّوَدَّةࣰۚ وَٱللَّهُ قَدِیرࣱۚ وَٱللَّهُ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ","لَّا یَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِینَ لَمۡ یُقَـٰتِلُوكُمۡ فِی ٱلدِّینِ وَلَمۡ یُخۡرِجُوكُم مِّن دِیَـٰرِكُمۡ أَن تَبَرُّوهُمۡ وَتُقۡسِطُوۤا۟ إِلَیۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِینَ","إِنَّمَا یَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِینَ قَـٰتَلُوكُمۡ فِی ٱلدِّینِ وَأَخۡرَجُوكُم مِّن دِیَـٰرِكُمۡ وَظَـٰهَرُوا۟ عَلَىٰۤ إِخۡرَاجِكُمۡ أَن تَوَلَّوۡهُمۡۚ وَمَن یَتَوَلَّهُمۡ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ"],"ayah":"إِنَّمَا یَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِینَ قَـٰتَلُوكُمۡ فِی ٱلدِّینِ وَأَخۡرَجُوكُم مِّن دِیَـٰرِكُمۡ وَظَـٰهَرُوا۟ عَلَىٰۤ إِخۡرَاجِكُمۡ أَن تَوَلَّوۡهُمۡۚ وَمَن یَتَوَلَّهُمۡ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق