الباحث القرآني

(p-٩٣)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي أنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً﴾ يَعْنِي المَطَرَ ﴿فَأخْرَجْنا بِهِ﴾ أيْ: بِالمَطَرِ. وفي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ قَوْلانِ. أحَدُهُما: نَباتُ كُلِّ شَيْءٍ مِنَ الثِّمارِ، لِأنَّ كُلَّ ما يَنْبُتُ، فَنَباتُهُ بِالماءِ. والثّانِي: رِزْقُ كُلِّ شَيْءٍ غِذاؤُهُ. وفي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَأخْرَجْنا مِنهُ﴾ قَوْلانِ. أحَدُهُما: مِنَ الماءِ، أيْ: بِهِ. والثّانِي: مِنَ النَّباتِ. قالَ الزَّجّاجُ: الخَضِرُ؛ بِمَعْنى الأخْضَرِ يُقالُ: اخْضَرَّ؛ فَهو أخْضَرُ، وخَضِرٌ، مِثْلُ أعْوَرَ، فَهو أعْوَرُ، وعَوِرٌ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿نُخْرِجُ مِنهُ﴾ أيْ: مِنَ الخَضِرِ ﴿حَبًّا مُتَراكِبًا﴾ كالسُّنْبُلِ والشَّعِيرِ. والمُتَراكِبِ: الَّذِي بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ﴾ ورَوى الخِفافُ عَنْ أبِي عَمْرٍو: "قِنْوانٌ" بِضَمِّ القافِ؛ ورَوى هارُونُ عَنْهُ بِفَتْحِها. قالَ الفَرّاءُ: مَعْناهُ: ومِنَ النَّخْلِ ما قِنْوانُهُ دانِيَةٌ؛ وأهْلُ الحِجازِ يَقُولُونَ: "قِنْوانِ" بِكَسْرِ القافِ؛ وقَيْسٌ يَضُمُّونَها؛ وضَبَّةُ، وتَمِيمٌ يَقُولُونَ "قِنْيانِ" . وأنْشَدَنِي المُفَضَّلُ عَنْهُمْ: ؎ فَأثَّتْ أعالِيهِ وآَدَتْ أُصُولُهُ ومالَ بِقِنْيانٍ مِنَ البُسْرِ أحْمَرًا (p-٩٤)وَيَجْتَمِعُونَ جَمِيعًا، فَيَقُولُونَ: "قِنْوٌ" و"قُنْوٌ" ولا يَقُولُونَ: "قِنْيٌ" ولا "قُنْيٌ" وكَلْبٌ يَقُولُونَ: "وَمالَ بِقِنْيانٍ" قالَ المُصَنَّفُ: والبَيْتُ لِامْرِئِ القَيْسِ؛ ورَواهُ أبُو سَعِيدٍ السُّكَّرِيُّ: "وَمالَ بِقِنْوانٍ" مَكْسُورَةَ القافِ مَعَ الواوِ، فَفِيهِ أرْبَعُ لُغاتٍ: قِنْوانٍ، وقُنْوانٍ، وقِنْيانٍ، وقُنْيانٍ؛ و"أثَّتْ": كَثُرَتْ؛ ومِنهُ: شَعْرٌ أثِيتٌ. و"آَدَتْ": اشْتَدَّتْ. وقالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: القِنْوانُ: عُذُوقُ النَّخْلِ، واحِدُها: قِنْوٌ، جُمِعَ عَلى لَفْظِ تَثْنِيَةٍ؛ ومِثْلُهُ: صِنْوٌ وصِنْوانٌ في التَّثْنِيَةِ، وصِنْوانٌ في الجَمْعِ. وقالَ الزَّجّاجُ: قِنْوانٌ: جَمْعُ قِنْوٍ، وإذا ثَنَّيْتَهُ فَهُما قِنْوانِ، بِكَسْرِ النُّونِ. ودانِيَةٌ، أيْ: قَرِيبَةُ المُتَناوَلِ، ولَمْ يَقُلْ: "وَمِنها قِنْوانٌ بَعِيدَةٌ" لِأنَّ في الكَلامِ دَلِيلًا أنَ البَعِيدَةَ السَّحِيقَةَ؛ قَدْ كانَتْ غَيْرَ سَحِيقَةٍ، فاجْتُزِئَ بِذِكْرِ القَرِيبَةِ عَنْ ذِكْرِ البَعِيدَةِ؛ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الحَرَّ﴾ [النَّحْلِ:٨١] . وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: القِنْوانُ الدّانِيَةُ: قِصارُ النَّخْلِ اللّاصِقَةِ عُذُوقُها بِالأرْضِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَجَنّاتٍ مِن أعْنابٍ﴾ قالَ الزَّجّاجُ: هو نَسَقٌ عَلى قَوْلُهُ: "خُضْرًا" ﴿والزَّيْتُونَ والرُّمّانَ﴾ المَعْنى. وأخْرَجْنا مِنهُ شَجَرَ الزَّيْتُونِ والرُّمّانِ: وقَدْ رَوى أبُو زَيْدٍ عَنِ المُفَضَّلِ: و"جَنّاتٌ" بِالرَّفْعِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿مُشْتَبِهًا وغَيْرَ مُتَشابِهٍ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: مُشْتَبِهًا في المَنظَرِ، وغَيْرَ مُتَشابِهٍ في الطَّعْمِ، رَواهُ أبُو صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّانِي مُشْتَبِهًا ورَقُهُ، مُخْتَلِفًا ثَمَرُهُ، قالَهُ قَتادَةُ، وهو في مَعْنى الأوَّلِ. والثّالِثُ: مِنهُ ما يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا، ومِنهُ ما يُخالِفُ. قالَ الزَّجّاجُ: وإنَّما قَرَنَ الزَّيْتُونَ بِالرُّمّانِ، لِأنَّهُما شَجَرَتانِ تَعْرِفُ العَرَبُ أنَّ ورَقَهُما يَشْتَمِلُ عَلى الغُصْنِ مِن أوَّلِهِ إلى آَخِرِهِ. قالَ الشّاعِرُ: (p-٩٥) ؎ بُورِكَ المَيِّتُ الغَرِيبُ كَما بُو ∗∗∗ رِكَ نَضْحُ الرُّمّانِ والزَّيْتُونِ وَمَعْناهُ: أنَّ البَرَكَةَ في ورَقِهِ اشْتِمالُهُ عَلى عُودِهِ كُلِّهِ. قَوْلُهُ تَعالى: ( انْظُرُوا إلى ثَمَرَة ) قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، وأبُو عَمْرٍو، وابْنُ عامِرٍ، وعاصِمٌ: " انْظُرُوا إلى ثَمَرِهِ "، " وكُلُوا مِن ثَمَرِهِ " [الأنْعامِ:١٤١]، و" لَيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ " [يس: ٣٥]: بِالفَتْحِ في ذَلِكَ. وقَرَأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وخَلْفٌ: بِالضَّمِّ فِيهِنَّ. قالَ الزَّجّاجُ: يُقالُ: ثَمَرَةٌ، وثَمَرٌ، وثِمارٌ، وثُمُرٌ؛ فَمَن قَرَأ: "إلى ثَمَرِهِ" بِالضَّمِّ أرادَ جَمْعَ الجَمْعِ. وقالَ أبُو عَلِيٍّ: يَحْتَمِلُ وجْهَيْنِ. أحَدُهُما هَذا، وهو أنْ يَكُونَ الثَّمَرُ جَمْعَ ثِمارٍ. والثّانِي: أنْ تَكُونَ الثَّمَرُ جَمْعَ ثَمَرَةٍ، وكَذَلِكَ: أكَمَةٌ، وأُكُمٌ، وخَشَبَةٌ وخُشُبٌ. قالَ الفَرّاءُ: يَقُولُ: انْظُرُوا إلَيْهِ أوَّلَ ما يَعْقِدُ، وانْظُرُوا إلى يَنْعِهِ، وهو نُضْجُهُ وبُلُوغُهُ. وأهْلُ الحِجازِ يَقُولُونَ: يَنَعَ، بِفَتْحِ الياءِ، وبَعْضُ أهْلِ نَجْدٍ يَضُمُّونَها. قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: يُقالُ يَنَعَتِ الثَّمَرَةُ، وأيْنَعَتْ: إذا أدْرَكَتْ، وهو اليُنْعُ واليَنْعُ. وقَرَأ الحَسَنُ، ومُجاهِدٌ، وقَتادَةُ، والأعْمَشُ، وابْنُ مُحَيْصِنٍ: "وَيُنْعَهُ" بِضَمِّ الياءِ. قالَ الزَّجّاجُ: اليَنْعُ: النُّضْجُ. قالَ الشّاعِرُ: ؎ في قِبابٍ حَوْلَ دَسْكَرَةٍ ∗∗∗ حَوْلَها الزَّيْتُونُ قَدْ يَنَعا وَبَيَّنَ اللَّهُ تَعالى لَهم بِتَصْرِيفِ ما خَلَقَ، ونَقَلَهُ مِن حالٍ إلى حالٍ لا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الخَلْقُ، أنَّهُ كَذَلِكَ يَبْعَثُهم. (p-٩٦)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ في ذَلِكم لآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: يُصَدِّقُونَ أنَّ الَّذِي أخْرَجَ هَذا النَّباتَ قادِرٌ عَلى أنْ يُحْيِيَ المَوْتى. وقالَ مُقاتِلٌ: يُصَدِّقُونَ بِالتَّوْحِيدِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب