الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَلَمّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ﴾ اللَّهُ قالَ الزَّجّاجُ: يُقالُ جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ، وأجَنَّهُ اللَّيْلُ: إذا أظْلَمَ، حَتّى يُسْتَرَ بِظُلْمَتِهِ؛ ويُقالَ لَكُلِّ ما سُتِرَ: جِنَّ، وأجَنَّ والِاخْتِيارُ أنْ يُقالَ جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ وأجَنَّهُ اللَّيْلُ.
الإشارَةُ إلى بَدْءِ قِصَّةِ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ
رَوى أبُو صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: وُلِدَ إبْراهِيمُ في زَمَنٍ نَمْرُوذُ، وكانَ، لِنَمْرُوذَ كُهّانٌ، فَقالُوا لَهُ: يُولَدُ في هَذِهِ السَّنَةِ مَوْلُودٌ يُفْسِدُ آَلِهَةَ أهْلِ الأرْضِ، ويَدْعُوهم إلى غَيْرِ دِينِهِمْ، ويَكُونُ هَلاكُ أهْلِ بَيْتِكَ عَلى يَدِهِ، فَعَزَلَ النِّساءَ عَنِ الرِّجالِ، ودَخَلَ آَزَرُ إلى بَيْتِهِ، فَوَقَعَ عَلى زَوْجَتِهِ، فَحَمَلَتْ فَقالَ الكُهّانُ لِنَمْرُوذَ: إنَّ الغُلامَ قَدْ حُمِلَ بِهِ اللَّيْلَةَ. فَقالَ: كُلٌّ مَن ولَدَتْ غُلامًا فاقْتُلُوهُ. فَلَمّا أخَذَ أمَّ إبْراهِيمَ المَخاضُ، خَرَجَتْ هارِبَةً، فَوَضَعَتْهُ في نَهْرٍ يابِسٍ، ولَفَّتْهُ في خِرْقَةٍ، ثُمَّ وضَعَتْهُ في حَلْفاءَ، وأخْبَرَتْ بِهِ أباهُ، فَأتاهُ، فَحَفَرَ لَهُ سِرْبًا، وسَدَّ عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ، (p-٧٣)وَكانَتْ أُمُّهُ تَخْتَلِفُ إلَيْهِ فَتُرْضِعُهُ، حَتّى شَبَّ وتَكَلَّمَ، فَقالَ لَأُمِّهِ: مَن رَبِّي؟ فَقالَتْ: أنا. قالَ: فَمَن رَبُّكِ؟ قالَتْ: أبُوكَ. قالَ: فَمَن رَبُّ أبِي؟ قالَتِ: اسْكُتْ. فَسَكَتَ، فَرَجَعَتْ إلى زَوْجِها، فَقالَتْ: إنَّ الغُلامَ الَّذِي كُنّا نَتَحَدَّثُ أنَّهُ يُغَيِّرُ دِينَ أهْلِ الأرْضِ، ابْنُكَ. فَأتاهُ، فَقالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ. فَلَمّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ، دَنا مِن بابِ السِّرْبِ، فَنَظَرَ فَرَأى كَوْكَبًا. قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وحَفْصٌ عَنْ عاصِمٍ "رَأى" بِفَتْحِ الرّاءِ والهَمْزَةِ؛ وقَرَأ أبُو عَمْرٍو: "رَأى"؛ بِفَتْحِ الرّاءِ وكَسْرِ الهَمْزَةِ، وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وأبُو بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ. "رَأى"، بِكَسْرِ الرّاءِ والهَمْزَةِ، واخْتَلَفُوا فِيها إذا لَقِيَها ساكِنٌ، وهو آَتٍ في سِتَّةِ مَواضِعَ: ﴿رَأى القَمَرَ﴾ ﴿فَلَمّا رَأى الشَّمْسَ﴾ وفي النَّحْلِ ﴿وَإذا رَأى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ [النَّحْلِ:٨٥] ﴿وَإذا رَأى الَّذِينَ أشْرَكُوا﴾ [النَّحْلِ:٨٦] وفي الكَهْفِ: ﴿وَرَأى المُجْرِمُونَ النّارَ﴾ [الكَهْفِ:٥٣] وفي الأحْزابِ: ﴿وَلَمّا رَأى المُؤْمِنُونَ﴾ [الأحْزابِ:٢٢] .
وَقَرَأ أبُو بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ، وحَمْزَةُ إلّا العَبْسِيُّ، وخَلْفٌ في اخْتِيارِهِ: بِكَسْرِ الرّاءِ وفَتْحِ الهَمْزَةِ في الكُلِّ، ورَوى العَبْسِيُّ كَسْرَةَ الهَمْزَةِ، أيْضًا وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، وأبُو عَمْرٍو؛ وابْنُ عامِرٍ، والكِسائِيُّ: بِفَتْحِ الرّاءِ والهَمْزَةِ.
فَإنِ اتَّصَلَ ذَلِكَ بِمُكَنًّى، نَحْوُ: رَآَكَ، ورَآَهُ ورَآَها؛ فَإنَّ حَمْزَةَ، والكِسائِيَّ، وخَلْفَ، والوَلِيدَ عَنِ ابْنِ عامِرٍ، والمُفَضَّلَ، وأبانَ والقَزّازَ عَنْ عَبْدِ الوارِثِ، والكِسائِيَّ عَنْ أبِي بَكْرٍ: يَكْسِرُونَ الرّاءَ، ويُمِيلُونَ الهَمْزَةَ.
وَفِي الكَوْكَبِ الَّذِي رَآَهُ قَوْلانِ.
أحَدُهُما: أنَّهُ الزَّهْرَةُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، وقَتادَةُ. والثّانِي: المُشْتَرى، قالَهُ مُجاهِدٌ، والسُّدِّيُّ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قالَ هَذا رَبِّي﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ.
(p-٧٤)أحَدُها: أنَّهُ عَلى ظاهِرِهِ. رَوى عَلِيُّ بْنُ أبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، قالَ: هَذا رَبِّي، فَعَبَدَهُ حَتّى غابَ، وعَبَدَ القَمَرَ حَتّى غابَ، وعَبَدَ الشَّمْسَ حَتّى غابَتْ؛ واحْتَجَّ أرْبابُ هَذا القَوْلِ بِقَوْلِهِ: ﴿لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي﴾ وهَذا يَدُلُّ عَلى نَوْعِ تَحْيِيرٍ، قالُوا: وإنَّما قالَ هَذا في حالِ طُفُولَتِهِ عَلى ما سَبَقَ إلى وهْمِهِ، قَبْلَ أنْ يَثْبُتَ عِنْدَهُ دَلِيلٌ.
وَهَذا القَوْلُ لا يُرْتَضى، والمُتَأهِّلُونَ لَلنُّبُوَّةِ مَحْفُوظُونَ مِن مِثْلِ هَذا عَلى كُلِّ حالٍ.
فَأمّا قَوْلُهُ: ﴿لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي﴾ فَما زالَ الأنْبِياءُ يَسْألُونَ الهُدى، ويَتَضَرَّعُونَ في دَفْعِ الضَّلالِ عَنْهم، كَقَوْلِهِ: ﴿واجْنُبْنِي وبَنِيَّ أنْ نَعْبُدَ الأصْنامَ﴾ [إبْراهِيمَ:٣٥] ولِأنَّهُ قَدْ آَتاهُ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ، وأراهُ مَلَكُوتَ السَّماواتِ والأرْضِ لَيَكُونَ مُوقِنًا، فَكَيْفَ لا يَعْصِمُهُ عَنْ مِثْلِ هَذا التَّخْيِيرِ؟!
والثّانِي: أنَّهُ قالَ ذَلِكَ اسْتِدْراجًا لَلْحُجَّةِ، لِيَعِيبَ آَلِهَتِهِمْ ويُرِيَهم بُغْضَها عِنْدَ أُفُولِها، ولا بُدَّ أنْ يُضْمِرَ في نَفْسِهِ: إمّا عَلى زَعْمِكم، أوْ فِيما تَظُنُّونَ، فَيَكُونُ كَقَوْلِهِ: " أين شُرَكائِي "، وإمّا أنْ يُضْمِرَ: يَقُولُونَ، فَيَكُونُ كَقَوْلِهِ: ﴿رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنّا﴾ [البَقَرَةِ:١٢٧] أيْ: يَقُولانِ ذَلِكَ، ذَكَرَ نَحْوَ هَذا أبُو بَكْرِ بْنُ الأنْبارِيِّ، ويَكُونُ مُرادُهُ اسْتِدْراجَ الحُجَّةِ عَلَيْهِمْ، كَما نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الحُكَماءِ أنَّهُ نَزَلَ بِقَوْمٍ يَعْبُدُونَ صَنَمًا، فَأظْهَرَ تَعْظِيمَهُ، فَأكْرَمُوهُ، وصَدَرُوا عَنْ رَأْيِهِ، فَدَهَمَهم عَدُوٌّ، فَشاوَرَهم مَلِكُهم، فَقالَ: نَدْعُو إلَهَنا لَيَكْشِفَ ما بِنا، فاجْتَمَعُوا يَدْعُونَهُ، فَلَمْ يَنْفَعْ، فَقالَ هاهُنا إلَهٌ نَدْعُوهُ، فَيَسْتَجِيبُ، فَدَعَوُا اللَّهَ، فَصَرَفَ عَنْهم ما يَحْذَرُونَ، وأسْلَمُوا.
والثّالِثُ: أنَّهُ قالَ مُسْتَفْهِمًا، تَقْدِيرُهُ: أهَذا رَبِّي؟ فَأُضْمِرَتْ ألِفُ الِاسْتِفْهامِ، كَقَوْلِهِ: ﴿أفَإنْ مِتَّ فَهُمُ الخالِدُونَ﴾ [الأنْبِياءِ:٣٤]؟ أيْ: أفْهُمُ الخالِدُونَ؟ قالَ الشّاعِرُ: (p-٧٥)
؎ كَذَبَتْكَ عَيْنُكَ أمْ رَأيْتَ بِواسِطٍ غَلَسَ الظَّلامِ مِنَ الرَّبابِ خَيالًا
أرادَ: أكْذَبَتْكَ؟ قالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: وهَذا القَوْلُ شاذٌّ، لِأنَّ حَرْفَ الِاسْتِفْهامِ لا يُضْمَرُ إذْ كانَ فارِقًا بَيْنَ الإخْبارِ والِاسْتِخْبارِ؛ وظاهِرُ قَوْلِهِ: ﴿هَذا رَبِّي﴾ أنَّهُ إشارَةٌ إلى الصّانِعِ. وقالَ الزَّجّاجُ: كانُوا أصْحابَ نُجُومٍ، فَقالَ: هَذا رَبِّي، أيْ: هَذا الَّذِي يُدَبِّرُنِي، فاحْتَجَّ عَلَيْهِمْ أنَّ هَذا الَّذِي تَزْعُمُونَ أنَّهُ مُدَبِّرٌ، لا نَرى فِيهِ إلّا أثَرَ مُدَّبَرٍ و"أفَلَ" بِمَعْنى: غابَ؛ يُقالُ: أفَلَ النَّجْمُ يَأْفِلُ ويَأْفُلُ أُفُولًا
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لا أُحِبُّ الآفِلِينَ﴾ أيْ: حُبُّ رَبٍّ مَعْبُودٍ، لِأنَّ ما ظَهَرَ وأفَلَ كانَ حادِثًا مُدَبَّرًا.
{"ayah":"فَلَمَّا جَنَّ عَلَیۡهِ ٱلَّیۡلُ رَءَا كَوۡكَبࣰاۖ قَالَ هَـٰذَا رَبِّیۖ فَلَمَّاۤ أَفَلَ قَالَ لَاۤ أُحِبُّ ٱلۡـَٔافِلِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











