الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا﴾ اخْتَلَفُوا فِيمَن نَزَلَتْ عَلى خَمْسَةِ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّها نَزَلَتْ في رِجالٍ أتَوْا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقالُوا: إنّا أصَبْنا ذُنُوبًا عَظِيمَةً، فَسَكَتَ عَنْهم رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَنَزَلَتْ هَذِهِ، الآَيَةُ قالَهُ أنَسُ بْنُ مالِكٍ. والثّانِي: أنَّها نَزَلَتْ في الَّذِينَ نَهى عَنْ طَرْدِهِمْ، فَكانَ النَّبِيُّ ﷺ إذا رَآَهم بَدَأهم بِالسَّلامِ، وقالَ: «الحَمْدُ لَلَّهِ الَّذِي جَعَلَ في أُمَّتِي مَن أمَرَنِي أنْ أبْدَأهم بِالسَّلامِ،» قالَهُ الحَسَنُ وعِكْرِمَةُ. والثّالِثُ: أنَّها نَزَلَتْ في أبِي بَكْرٍ، وعُمَرَ، وعُثْمانَ، وعَلَيٍّ، وحَمْزَةَ، وجَعْفَرٍ، وعُثْمانَ بْنَ مَظْعُونٍ، وأبِي عُبَيْدَةَ، ومُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ، وسالِمٍ، وأبِي سَلَمَةِ، والأرْقَمِ ابْنِ أبِي الأرْقَمِ، وعَمّارٍ، وبِلالٍ، قالَهُ عَطاءٌ. والرّابِعُ: «أنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ كانَ أشارَ عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِتَأْخِيرِ الفُقَراءِ، (p-٤٩)اسْتَمالَ لَلرُّؤَساءِ إلى الإسْلامِ. فَلَمّا نَزَلَتْ: ﴿وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ﴾، جاءَ عُمَرُ يَعْتَذِرُ مِن مَقالَتِهِ ويَسْتَغْفِرُ مِنها، فَنَزَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الآَيَةُ،» قالَهُ ابْنُ السّائِبِ. والخامِسُ: أنَّها نَزَلَتْ مُبَشِّرَةً بِإسْلامِ عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ، فَلَمّا جاءَ وأسْلَمَ، تَلاها عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، حَكاهُ أبُو سُلَيْمانَ الدِّمَشْقِيُّ. فَأمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا﴾ فَمَعْناهُ: يُصَدِّقُونَ بِحُجَجِنا وبَراهِينِنا. قَوْلُهُ تَعالى ﴿فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ﴾ فِيهِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّهُ أمَرَ بِالسَّلامِ عَلَيْهِمْ تَشْرِيفًا لَهُمْ؛ وقَدْ ذَكَرْناهُ عَنِ الحَسَنِ، وعِكْرِمَةَ. والثّانِي: أنَّهُ أمَرَ بِإبْلاغِ السَّلامِ إلَيْهِمْ عَنِ اللَّهِ تَعالى، قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ. قالَ الزَّجّاجُ: ومَعْنى السَّلامِ: دُعاءٌ لْلْإنْسانِ بِأنْ يَسْلَمَ مِنَ الآَفاتِ. وفي السُّوءِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّهُ الشِّرْكُ. والثّانِي: المَعاصِي. وَقَدْ ذَكَرْنا في سُورَةِ [النِّساءِ] مَعْنى "الجَهالَةِ" قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرٍو، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ: "أنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكم سُوءًا" فَإنَّهُ غَفُورٌ بِكَسْرِ الألِفِ فِيهِما. وقَرَأ عاصِمٌ، وابْنُ عامِرٍ: بِفَتْحِ الألِفِ فِيهِما. وقَرَأ نافِعٌ: بِنَصْبِ ألْفِ "أنَّهُ" وكَسْرِ ألْفِ "فَإنَّهُ غَفُورٌ" قالَ أبُو عَلِيٍّ: مَن كَسَرَ ألِفَ "إنَّهُ" جَعَلَهُ تَفْسِيرًا لَلرَّحْمَةِ، ومَن كَسَرَ ألِفَ "فَإنَّهُ غَفُورٌ" فَلِأنَّ ما بَعْدَ الفاءِ حِكْمَةُ الِابْتِداءِ، ومَن فَتْحَ ألِفَ "أنَّهُ مَن عَمِلَ" جَعَلَ "أنْ" بَدَلًا مِنَ الرَّحْمَةِ، والمَعْنى: كَتَبَ رَبُّكم "أنَّهُ مَن عَمِلَ" ومَن فَتَحَها بَعْدَ الفاءِ، أضْمَرَ خَبَرًا تَقْدِيرُهُ: فَلَهُ ( أنَّهُ غَفُور رَحِيم ) والمَعْنى: فَلَهُ غُفْرانُهُ. وكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ﴾ [التَّوْبَةِ:٦٣]، مَعْناهُ: فَلَهُ أنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ. وأمّا قِراءَةُ نافِعٍ، فَإنَّهُ أبْدَلَ مِنَ الرَّحْمَةِ، واسْتَأْنَفَ ما بَعْدَ الفاءِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب