الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قَدْ نَعْلَمُ إنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ﴾
فِي سَبَبِ نُزُولِها أرْبَعَةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: «أنَّ رَجُلًا مِن قُرَيْشٍ يُقالُ لَهُ: الحارِثُ بْنُ عامِرٍ، قالَ: واللَّهِ يا مُحَمَّدُ ما كَذَبْتَنا قَطُّ فَنَتَّهِمُكَ اليَوْمَ، ولَكِنّا إنْ نَتَّبِعُكَ نُتَخَطَّفُ مِن أرْضِنا فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآَيَةُ،» رَواهُ أبُو صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. وقالَ مُقاتِلٌ: كانَ الحارِثُ بْنُ عامِرٍ يُكْذِّبُ النَّبِيَّ في العَلانِيَةِ، فَإذا خَلا مَعَ أهْلِ بَيْتِهِ، قالَ: ما مُحَمَّدُ مِن أهْلِ الكَذِبِ، فَنَزَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الآَيَةُ. (p-٢٨)والثّانِي: أنَّ المُشْرِكِينَ كانُوا إذا رَأوُا النَّبِيَّ ﷺ، قالُوا فِيما بَيْنَهُمْ: إنَّهُ لَنَبِيٌّ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآَيَةُ، قالَهُ أبُو صالِحٍ.
والثّالِثُ: «أنَّ أبا جَهْلٍ قالَ لَلنَّبِيِّ ﷺ: إنّا لا نُكَذِّبُكَ، ولَكِنْ نُكَذِّبُ الَّذِي جِئْتَ بِهِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآَيَةُ» قالَهُ ناجِيَةُ بْنُ كَعْبٍ.
وَقالَ أبُو يَزِيدَ المَدَنِيُّ: لَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أبا جَهْلٍ، فَصافَحَهُ أبُو جَهْلٍ، فَقِيلَ لَهُ: أتُصافِحُ هَذا الصّابِئَ؟ فَقالَ: واللَّهِ إنِّي لَأعْلَمُ أنَّهُ نَبِيٌّ، ولَكِنْ مَتى كُنّا تَبَعًا لَبَنِي عَبْدِ مَنافٍ؟ فَأنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآَيَةَ.
والرّابِعُ: أنَّ الأخْنَسَ بْنَ شَرِيقٍ لَقِيَ أبا جَهْلٍ، فَقالَ الأخْنَسُ: يا أبا الحَكَمِ، أخْبِرْنِي عَنْ مُحَمَّدٍ أصادِقٌ هو، أمْ كاذِبٌ فَلَيْسَ هاهُنا مَن يَسْمَعُ كَلامَكَ غَيْرِي. فَقالَ أبُو جَهْلٍ: واللَّهِ إنَّ مُحَمَّدًا لَصادِقٌ، وما كَذَبَ قَطُّ، ولَكِنْ إذا ذَهَبَ بَنُو قَصِيٍّ بِاللِّواءِ، والسِّقايَةِ، والحِجابَةِ، والنُّبُوَّةِ، فَماذا يَكُونُ لَسائِرِ قُرَيْشٍ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآَيَةُ، قالَهُ السُّدِّيُّ. فَأمّا الَّذِي يَقُولُونَ، فَهو التَّكْذِيبُ لَلنَّبِيِّ ﷺ، والكَفْرُ بِاللَّهِ وفي الآَيَةِ تَسْلِيَةٌ لَلنَّبِيِّ ﷺ وتَعْزِيَةٌ عَمّا يُواجَهُونَ بِهِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإنَّهم لا يُكَذِّبُونَكَ﴾ قَرَأ نافِعٌ، والكِسائِيُّ: "يُكَذِّبُونَكَ" بِالتَّخْفِيفِ وتَسْكِينِ الكافِ. وفي مَعْناها قَوْلانِ. (p-٢٩)أحَدُهُما: لا يُلْفُونَكَ كاذِبًا قالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ.
والثّانِي: لا يُكَذِّبُونَ الشَّيْءَ الَّذِي جِئْتَ بِهِ، إنَّما يَجْحَدُونَ آَياتِ اللَّهِ، ويَتَعَرَّضُونَ لِعُقُوباتِهِ. قالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: وكانَ الكِسائِيُّ يَحْتَجُّ لَهَذِهِ القِراءَةِ بِأنَّ العَرَبَ تَقُولُ: كَذَبْتُ الرَّجُلَ: إذا نَسَبْتُهُ إلى الكَذِبِ وصَنْعَةِ الأباطِيلِ مِنَ القَوْلِ؛ وأكْذَبْتُهُ إذا أخْبَرْتُ أنَّ الَّذِي يُحَدِّثُ بِهِ كَذِبٌ، لَيْسَ هو الصّانِعُ لَهُ قالَ: وقالَ غَيْرُ الكِسائِيِّ: يُقالُ أكْذَّبْتَ الرَّجُلَ: إذا أدْخَلْتَهُ في جُمْلَةِ الكَذّابِينَ، ونَسَبْتُهُ إلى صِفَتِهِمْ، كَما يُقالُ: أبْخَلْتَ الرَّجُلَ: إذا نَسَبْتَهُ إلى البُخْلِ، وأجْبَنْتُهُ: إذا وجَدْتَهُ جَبانًا قالَ الشّاعِرُ:
؎ فَطائِفَةٌ قَدْ أكْفَرُونِي بِحُبِّكم وطائِفَةٌ قالُوا مُسِيءٌ ومُذْنِبُ
وَقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرٍو، وعاصِمٌ، وحَمْزَةُ وابْنُ عامِرٍ: "يُكَذِّبُونَكَ" بِالتَّشْدِيدِ وفَتْحِ الكافِ، وفي مَعْناها خَمْسَةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: لا يُكَذِّبُونَكَ بِحُجَّةٍ، وإنَّما هو تَكْذِيبُ عِنادٍ وبُهْتٍ، قالَهُ قَتادَةُ، والسُّدِّيُّ.
والثّانِي: لا يَقُولُونَ لَكَ: أنَّكَ كاذِبٌ، لَعِلْمِهِمْ بِصِدْقِكَ، ولَكِنْ يُكَذِّبُونَ ما جِئْتَ بِهِ، قالَهُ ناجِيَةُ بْنُ كَعْبٍ.
والثّالِثُ: لا يُكَذِّبُونَكَ في السِّرِّ، ولَكِنْ يُكَذِّبُونَكَ في العِلانَيْهِ عَداوَةً لَكَ قالَهُ ابْنُ السّائِبِ، ومُقاتِلٌ.
والرّابِعُ: لا يُقْدِرُونَ أنْ يَقُولُوا لَكَ فِيما أنْبَأتْ بِهِ مِمّا في كُتُبِهِمْ: كَذَبْتَ.
والخامِسُ: لا يُكَذِّبُونَكَ بِقُلُوبِهِمْ، لِأنَّهم يَعْلَمُونَ أنَّكَ صادِقٌ، ذَكَرَ القَوْلَيْنِ الزَّجّاجُ. (p-٣٠)وَقالَ أبُو عَلِيٍّ: يَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَعْنى القِراءَتَيْنِ واحِدًا وإنِ اخْتَلَفَتِ اللَّفْظَتانِ، إلّا أنْ "فَعَّلْتُ": إذا أرادُوا أنْ يَنْسُبُوهُ إلى أمْرٍ أكْثَرَ مِن "أفْعَلْتُ" . ويُؤَكِّدُ أنَّ القِراءَتَيْنِ بِمَعْنًى، ما حَكاهُ سِيبَوَيْهِ أنَّهم قالُوا: قَلَّلْتَ، وأقْلَلْتَ، وكَثَّرْتَ، وأكْثَرْتَ بِمَعْنًى.
قالَ أبُو عَلِيٍّ ومَعْنى "لا يُكَذِّبُونَكَ" لا يَقْدِرُونَ أنْ يَنْسِبُوكَ إلى الكَذِبِ فِيما أخْبَرْتَ بِهِ مِمّا جاءَ في كُتُبِهِمْ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَعْنى الحَقِيقَةِ: لا يُصادِفُونَكَ كاذِبًا كَما يُقالُ أحْمَدْتُ الرَّجُلَ: إذا أصَبْتَهُ مَحْمُودًا، لِأنَّهم يَعْرِفُونَكَ بِالصِّدْقِ والأمانَةِ ﴿وَلَكِنَّ الظّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ بِألْسِنَتِهِمْ ما يَعْلَمُونَهُ يَقِينًا، لَعِنادِهِمْ
وَفِي "آَياتِ اللَّهِ" هاهُنا ثَلاثَةُ أقْوالٍ.
أحَدُها أنَّها مُحَمَّدٌ ﷺ قالَهُ السُّدِّيُّ.
والثّانِي مُحَمَّدٌ والقُرْآَنُ، قالَهُ ابْنُ السّائِبِ،
والثّالِثُ: القُرْآَنُ. قالَهُ مُقاتِلٌ.
{"ayah":"قَدۡ نَعۡلَمُ إِنَّهُۥ لَیَحۡزُنُكَ ٱلَّذِی یَقُولُونَۖ فَإِنَّهُمۡ لَا یُكَذِّبُونَكَ وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّـٰلِمِینَ بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ یَجۡحَدُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق