الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَمِنهم مَن يَسْتَمِعُ إلَيْكَ﴾ سَبَبُ نُزُولِها: «أنَّ نَفَرًا مِنَ المُشْرِكِينَ، مِنهم عُتْبَةُ، وشَيْبَةُ، والنَّضْرُ بْنُ الحارِثِ، وأُمِّيَّةُ وأُبَيُّ ابْنا خَلَفٍ، جَلَسُوا إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ واسْتَمَعُوا إلَيْهِ، ثُمَّ قالُوا لَلنَّضْرِ بْنِ الحارِثِ: ما يَقُولُ مُحَمَّدُ؟ فَقالَ: والَّذِي جَعَلَها بِنْيَةَ، ما أدْرِي ما يَقُولُ؟ إلّا أنِّي أرى تَحَرُّكَ شَفَتَيْهِ، وما يَقُولُ إلّا أساطِيرَ الأوَّلِينَ، مِثْلَما كُنْتُ أُحَدِّثُكم عَنَ القُرُونِ الماضِيَةِ، وكانَ النَّضْرُ كَثِيرَ الحَدِيثِ عَنَ القُرُونِ الأُولى، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآَيَةُ،» رَواهُ أبُو صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ.
فَأمّا "الأكِنَّةُ"، فَقالَ الزَّجّاجُ: هي جَمْعُ كِنانٍ، وهو الغِطاءُ، مِثْلُ عَنانٍ وأعِنَّةٍ.
(p-١٩)وَأمّا: "أنْ يَفْقَهُوهُ"، فَمَنصُوبٌ عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ لَهُ. المَعْنى: وجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أكِنَّةً لَكَراهَةِ أنْ يَفْقَهُوهُ، فَلَمّا حُذِفَتِ اللّامُ، نُصِبَتِ الكَراهَةُ، ولَمّا حُذِفَتِ الكَراهَةُ، انْتَقَلَ نَصْبُها إلى "أنْ" .
"الوَقْرُ": ثِقَلُ السَّمْعِ، يُقالُ: في أُذُنِهِ وقْرٌ، وقَدْ وُقِرَتِ الأُذُنُ تُوقَرُ
قالَ الشّاعِرُ:
؎ وكَلامٌ سَيِّئٌ قَدْ وُقِرَتْ أُذُنِي عَنْهُ وما بِي مِن صَمَمْ
والوِقْرُ، بِكَسْرِ الواوِ، أنْ يُحَمَّلَ البَعِيرُ وغَيْرُهُ مِقْدارَ ما يَطِيقُ، يُقالُ: عَلَيْهِ وقْرٌ، ويُقالُ: نَخْلَةُ مُوقِرٌ، ومُوقِرَةٌ وإنَّما فُعِلَ ذَلِكَ بِهِمْ مُجازاةً لَهم بِإقِامَتِهِمْ عَلى كُفْرِهِمْ، ولَيْسَ المَعْنى أنَّهم لَمْ يَفْهَمُوهُ، ولَمْ يَسْمَعُوهُ، ولَكِنَّهم لَمّا عَدَلُوا عَنْهُ، وصَرَفُوا فِكْرَهم عَمّا عَلَيْهِمْ في سُوءِ العاقِبَةِ، كانُوا بِمَنزِلَةِ مَن لَمْ يَعْلَمْ ولَمْ يَسْمَعْ. ﴿وَإنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ﴾ أيْ: كُلُّ عَلامَةٍ تَدُلُّ عَلى رِسالَتِكَ، ﴿لا يُؤْمِنُوا بِها﴾
ثُمَّ أعْلَمَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ مِقْدارَ احْتِجاجِهِمْ وجَدَلِهِمْ، وأنَّهم إنَّما يَسْتَعْمِلُونَ في الِاحْتِجاجِ. أنْ يَقُولُوا إنَّ هَذا أيْ: ما هَذا ﴿إلا أساطِيرُ الأوَّلِينَ﴾ وفِيها قَوْلانِ.
أحَدُهُما: أنَّها ما سُطِرَ مِن أخْبارِهِمْ وأحادِيثِهِمْ. رَوى أبُو صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: أساطِيرُ الأوَّلِينَ: كَذِبُهم، وأحادِيثُهم في دَهْرِهِمْ. وقالَ أبُو الحَسَنِ الأخْفَشِ: يَزْعُمُ بَعْضُهم أنَّ واحِدَةَ الأساطِيرِ: أُسْطُورَةٌ. وقالَ بَعْضُهُمْ: أسَطارَةٌ، ولا أراهُ إلّا مِنَ الجَمْعِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ واحِدٌ، نَحْوُ عَبادِيدُ، ومَذاكِيرُ، وأبابِيلُ وقالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: أساطِيرُ الأوَّلِينَ: أخْبارُهم وما سُطِرَ مِنها، أيْ: ما كُتِبَ، ومِنهُ قَوْلُهُ: ﴿ن﴾ . ﴿والقَلَمِ وما يَسْطُرُونَ﴾ [القَلَمِ:٢، ١] أيْ: يَكْتُبُونَ، واحِدُها سَطْرٌ، (p-٢٠)ثُمَّ أسْطارٌ، ثُمَّ أساطِيرُ جَمْعُ الجَمْعِ، مِثْلُ قَوْلٍ، وأقْوالٍ وأقاوِيلَ
والقَوْلُ الثّانِي: أنَّ مَعْنى أساطِيرِ الأوَّلِينَ: التُّرُّهاتُ. قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: واحِدُ الأساطِيرِ: أُسْطُورَةٌ، وأسْطارَةٌ، ومَجازُها مَجازُ التُّرُّهاتِ. قالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: التُّرُّهاتُ عِنْدَ العَرَبِ: طُرُقٌ غامِضَةٌ، ومَسالِكُ مُشْكَلَةٌ، يَقُولُ قائِلُهُمْ: قَدْ أخَذْنا في تُرُّهاتِ البَسابِسِ، يَعْنِي: قَدْ عَدَلْنا عَنَ الطَّرِيقِ الواضِحِ إلى المُشْكَلِ، وعَمّا يُعْرَفُ إلى ما لا يُعْرَفُ. و"البَسابِسُ": الصَّحارِي الواسِعَةُ، والتُّرُّهاتُ: طُرُقٌ تَتَشَعَّبُ مِنَ الطَّرِيقِ الأعْظَمِ، فَتَكْثُرُ وتُشْكَلُ، فَجُعِلَتْ مَثَلًا لِما لا يَصِحُّ ويَنْكَشِفُ.
فَإنْ قِيلَ: لِمَ عابُوا القُرْآَنَ بِأنَّهُ أساطِيرُ الأوَّلِينَ، وقَدْ سَطَرَ الأوَّلُونَ ما فِيهِ عِلْمٌ وحِكْمَةٌ وما لا عَيْبَ عَلى قائِلِهِ؟ فَعَنْهُ جَوابانِ
أحَدُهُما أنَّهم نَسَبُوهُ إلى أنَّهُ لَيْسَ بِوَحْيٍ مِنَ اللَّهِ.
والثّانِي: أنَّهم عابُوهُ بِالإشْكالِ والغُمُوضِ، اسْتِراحَةً مِنهم إلى البَهْتِ والباطِلِ. فَعَلى الجَوابِ الأوَّلِ تَكُونُ "أساطِيرُ" مِنَ التَّسْطِيرِ، وعَلى الثّانِي تَكُونُ بِمَعْنى التُّرُّهاتِ، وقَدْ شَرَحْنا مَعْنى التُّرُّهاتِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَهم يَنْهَوْنَ عَنْهُ ويَنْأوْنَ عَنْهُ﴾ في سَبَبِ نُزُولِها قَوْلانِ.
أحَدُهُما: أنَّ أبا طالِبٍ كانَ يَنْهى المُشْرِكِينَ أنْ يُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، ويَتَباعَدُ عَمّا جاءَ بِهِ، فَنَزَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الآَيَةُ، رَواهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وهو قَوْلُ عَمْرِو بْنِ دِينارٍ، وعَطاءِ بْنِ دِينارٍ، والقاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ. وقالَ مُقاتِلٌ: (p-٢١)«كانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عِنْدَ أبِي طالِبٍ يَدْعُوهُ إلى الإسْلامِ، فاجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ إلى أبِي طالِبٍ يُرِيدُونَ بِالنَّبِيِّ ﷺ سُوءًا، فَسَألُوا أبا طالِبٍ أنْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِمْ، فَيَقْتُلُوهُ، فَقالَ: ما لِي عَنْهُ صَبْرٌ، فَقالُوا: نَدْفَعُ إلَيْكَ مِن شَبابِنا مَن شِئْتَ مَكانَ ابْنِ أخِيكَ، فَقالَ أبُو طالِبٍ: حِينَ تَرُوحُ الإبِلُ، فَإنْ حَنَّتْ ناقَةٌ إلى غَيْرِ فَصِيلِها دَفَعْتُهُ إلَيْكم، وقالَ:
؎ واللَّهِ لَنْ يَصِلُوا إلَيْكَ بِجَمْعِهِمْ ∗∗∗ حَتّى أُوَسَّدَ في التُّرابِ دَفِينًا
؎ فاصْدَعْ بِأمْرِكَ ما عَلَيْكَ غَضاضَةٌ ∗∗∗ وابْشِرْ وقْرَّ بِذاكَ مِنكَ عُيُونًا
؎ وعَرَضْتَ دِينًا لا مَحالَةَ أنَّهُ ∗∗∗ مِن خَيْرِ أدْيانِ البَرِيَّةِ دِينًا
؎ لَوْلا المَلامَةُ أوْ حَذارِي سُبَّة ً ∗∗∗ لَوَجَدْتَنِي سَمْحًا بِذاكَ مُبِينًا
فَنَزَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الآَيَةُ.»
والثّانِي: أنَّ كَفّارَ مَكَّةَ كانُوا يَنْهَوْنَ النّاسَ عَنِ اتِّباعِ النَّبِيِّ ﷺ ويَتَباعَدُونَ بِأنْفُسِهِمْ عَنْهُ، رَواهُ الوالِبِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وبِهِ قالَ ابْنُ الحَنَفِيَّةِ، والضِّحاكُ، والسُّدِّيُّ. فَعَلى القَوْلِ الأوَّلِ، يَكُونُ قَوْلُهُ: "وَهُمْ" كِنايَةٌ عَنْ واحِدٍ، وعَلى الثّانِي: عَنْ جَماعَةٍ.
وَفِي هاءِ "عَنْهُ" قَوْلانِ.
أحَدُهُما: أنَّها تَرْجِعُ إلى النَّبِيِّ ﷺ . ثُمَّ فِيهِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: يَنْهَوْنَ عَنْ أذاهُ، والثّانِي: عَنِ اتِّباعِهِ.
والقَوْلُ الثّانِي: أنَّها تَرْجِعُ إلى القُرْآَنِ، قالَهُ مُجاهِدٌ، وقَتادَةُ، وابْنُ زَيْدٍ.
﴿وَيَنْأوْنَ﴾ بِمَعْنى يَبْعُدُونَ. وفي هاءِ "عَنْهُ" قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّها راجِعَةٌ إلى النَّبِيِّ ﷺ والثّانِي إلى القُرْآَنِ.
(p-٢٢)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإنْ يُهْلِكُونَ﴾ أيْ: وما يَهْلَكُونَ ﴿إلا أنْفُسَهُمْ﴾ بِالتَّباعُدِ عَنْهُ ﴿وَما يَشْعُرُونَ﴾ أنَّهم يُهْلِكُونَها.
{"ayahs_start":25,"ayahs":["وَمِنۡهُم مَّن یَسۡتَمِعُ إِلَیۡكَۖ وَجَعَلۡنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ أَكِنَّةً أَن یَفۡقَهُوهُ وَفِیۤ ءَاذَانِهِمۡ وَقۡرࣰاۚ وَإِن یَرَوۡا۟ كُلَّ ءَایَةࣲ لَّا یُؤۡمِنُوا۟ بِهَاۖ حَتَّىٰۤ إِذَا جَاۤءُوكَ یُجَـٰدِلُونَكَ یَقُولُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ إِنۡ هَـٰذَاۤ إِلَّاۤ أَسَـٰطِیرُ ٱلۡأَوَّلِینَ","وَهُمۡ یَنۡهَوۡنَ عَنۡهُ وَیَنۡـَٔوۡنَ عَنۡهُۖ وَإِن یُهۡلِكُونَ إِلَّاۤ أَنفُسَهُمۡ وَمَا یَشۡعُرُونَ"],"ayah":"وَهُمۡ یَنۡهَوۡنَ عَنۡهُ وَیَنۡـَٔوۡنَ عَنۡهُۖ وَإِن یُهۡلِكُونَ إِلَّاۤ أَنفُسَهُمۡ وَمَا یَشۡعُرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











