الباحث القرآني

(p-١٥٦)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ﴾ أيْ: يَنْتَظِرُونَ ﴿إلا أنْ تَأْتِيَهُمُ المَلائِكَةُ﴾ قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، وعاصِمٌ، وأبُو عَمْرٍو، وابْنُ عامِرٍ: "تَأْتِيهِمْ" بِالتّاءِ. وقَرَأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ: يَأْتِيهِمْ بِالياءِ. وهَذا الإتْيانُ لَقَبْضِ أرْواحِهِمْ. وقالَ مُقاتِلٌ المُرادُ بِالمَلائِكَةِ: مَلَكُ المَوْتِ وحْدَهُ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ﴾ قالَ الحَسَنُ: أوْ يَأْتِيَ أمْرُ رَبِّكَ. وقالَ الزَّجّاجُ: أوْ يَأْتِيَ إهْلاكُهُ وانْتِقامُهُ، إمّا بِعَذابٍ عاجِلٍ، أوْ بِالقِيامَةِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ﴾ ورَوى عَبْدُ الوارِثِ إلّا القَزّازُ: بِتَسْكِينِ ياءِ "أوْ يَأْتِي وفَتَحَها الباقُونَ. وفي هَذِهِ الآَيَةِ أرْبَعَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّهُ طُلُوعُ الشَّمْسِ مِن مَغْرِبِها، رَواهُ أبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ عَنَ النَّبِيِّ ﷺ، وبِهِ قالَ ابْنُ مَسْعُودٍ. وفي رِوايَةِ زُرارَةَ بْنِ أوْفى عَنْهُ، وعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، ومُجاهِدٍ وقَتادَةَ، والسُّدِّيِّ. وقَدْ رَوى البُخارِيُّ، ومُسْلِمٌ في "الصَّحِيحَيْنِ" مِن حَدِيثِ أبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: « "لا تَقُومُ السّاعَةُ حَتّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِن مَغْرِبِها، فَإذا طَلَعَتْ ورَآَها النّاسُ، آَمَنَ مَن عَلَيْها، فَذَلِكَ حِينَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا (p-١٥٧)إيمانُها لَمْ تَكُنْ آَمَنَتْ مِن قَبْلُ أوْ كَسَبَتْ في إيمانِها خَيْرًا" .» ورَوى عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ العاصِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: « "لا تَزالُ التَّوْبَةُ مَقْبُولَةً حَتّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِن مَغْرِبِها، فَإذا طَلَعَتْ، طُبِعَ عَلى كُلِّ قَلْبٍ بِما فِيهِ، [وَ]كَفى النّاسَ العَمَلُ"» والثّانِي: أنَّهُ طُلُوعُ الشَّمْسِ والقَمَرِ مِن مَغْرِبِهِما، رَواهُ مَسْرُوقٌ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ. والثّالِثُ: أنَّهُ إحْدى الآَياتِ، الثَّلاثُ طُلُوعُ الشَّمْسِ مِن مَغْرِبِها، والدّابَّةُ، وفَتْحُ يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ، رَوى هَذا المَعْنى القاسِمُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ. والرّابِعُ أنَّهُ طُلُوعُ الشَّمْسِ مِن مَغْرِبِها، والدَّجّالِ، ودابَّةُ الأرْضِ، قالَهُ أبُو هُرَيْرَةَ؛ والأوَّلُ أصَحُّ. والمُرادُ بِالخَيْرِ هاهُنا العَمَلُ الصّالِحُ وإنَّما لَمْ يَنْفَعِ الإيمانُ. والعَمَلُ الصّالِحُ؛ حِينَئِذٍ، لَظُهُورِ الآَيَةِ الَّتِي تَضْطَرُّهم إلى الإيمانِ. وقالَ الضَّحّاكُ: مَن أدْرَكَهُ بَعْضُ الآَياتِ وهو عَلى عَمَلٍ صالِحٍ مَعَ إيمانِهِ، قُبِلَ مِنهُ، كَما يَقْبَلُ مِنهُ قَبْلَ الآَيَةِ. وقِيلَ إنَّ الحِكْمَةَ في طُلُوعِ الشَّمْسِ مِن مَغْرِبِها، أنَّ المُلْحِدَةَ والمُنَجِّمِينَ، زَعَمُوا أنَّ ذَلِكَ لا يَكُونُ، فَيُرِيهِمُ اللهُ قُدْرَتَهُ، ويُطْلِعُها مِنَ المَغْرِبِ كَما أُطْلِعُها مِنَ المَشْرِقِ، ولِتَحَقُّقِ عَجْزِ نَمْرُودَ حِينَ قالَ لَهُ إبْراهِيمَ: ﴿فَأْتِ بِها مِنَ المَغْرِبِ، فَبُهِتَ﴾ [البَقَرَةِ:٢٥٨] .(p-١٥٨) * فَصْلٌ وَفِي قَوْلِهِ: ﴿قُلِ انْتَظِرُوا إنّا مُنْتَظِرُونَ﴾ قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّ المُرادَ بِهِ التَّهْدِيدُ، فَهو مُحْكَمٌ. والثّانِي: أنَّهُ أمْرٌ بِالكَفِّ عَنِ القِتالِ، فَهو مَنسُوخٌ بِآَيَةِ السَّيْفِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب