الباحث القرآني

(p-١٢٣)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُهم جَمِيعًا﴾ يَعْنِي الجِنَّ والإنْسَ. وقَرَأ حَفْصٌ عَنْ عاصِمٍ: "يَحْشُرُهُمْ" بِالياءِ. قالَ أبُو سُلَيْمانَ: يَعْنِي: المُشْرِكِينَ وشَياطِينِهِمُ الَّذِينَ كانُوا يُوحُونَ إلَيْهِمْ بِالمُجادَلَةِ لَكم فِيما حَرَّمَهُ اللَّهُ مِنَ المِيتَةِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يا مَعْشَرَ الجِنِّ﴾ فِيهِ إضْمارٌ، فَيُقالُ لَهُمْ: يا مَعْشَرَ؛ والمَعْشَرُ: الجَماعَةُ، أمْرُهم واحِدٌ، والجُمَعُ: المَعاشِرُ. وَقَوْلُهُ: ﴿قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإنْسِ﴾ أيْ: مِن إغْوائِهِمْ وإضْلالِهِمْ. ﴿وَقالَ أوْلِياؤُهم مِنَ الإنْسِ﴾ يَعْنِي الَّذِينَ أضَلَّهُمُ الجِنُّ. ﴿رَبَّنا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّ اسْتِمْتاعَ الإنْسِ بِالجِنِّ: أنَّهم كانُوا إذا سافَرُوا، فَنَزَلُوا وادِيًا، وأرادُوا مُبَيَّتًا، قالَ أحَدُهُمْ: أعُوذُ بِعَظِيمِ هَذا الوادِي مِن شَرِّ أهْلِهِ؛ واسْتِمْتاعِ الجِنِّ بِالإنْسِ: أنَّهم كانُوا يَفْخَرُونَ عَلى قَوْمِهِمْ، ويَقُولُونَ: قَدْ سُدْنا الإنْسَ حَتّى صارُوا يُعَوِّذُونَ بِنا، رَواهُ أبُو صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وبِهِ قالَ مُقاتِلٌ، والفَرّاءُ. والثّانِي: أنَّ اسْتِمْتاعَ الجِنِّ بِالإنْسِ: طاعَتُهم لَهم فِيما يُغْرُونَهم بِهِ مِنَ الضَّلالَةِ والكُفْرِ والمَعاصِي. واسْتِمْتاعِ الإنْسِ بِالجِنِّ: أنَّ الجِنَّ زَيَّنَتْ لَهُمُ الأُمُورَ الَّتِي يَهْوُونَها، وشَهَوْها إلَيْهِمْ حَتّى سَهُلَ عَلَيْهِمْ فِعْلُها، رَوى هَذا المَعْنى عَطاءٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وبِهِ قالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ، والزَّجّاجُ. (p-١٢٤)والثّالِثُ: أنَّ اسْتِمْتاعَ الجِنِّ بِالإنْسِ: إغْواؤُهم إيّاهم. واسْتِمْتاعَ الإنْسِ بِالجِنِّ: ما يَتَلَقَّوْنَ مِنهم مِنَ السِّحْرِ والكَهانَةِ ونَحْوَ ذَلِكَ. والمُرادُ بِالجِنِّ في هَذِهِ الآَيَةِ: الشَّياطِينُ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَبَلَغْنا أجَلَنا الَّذِي أجَّلْتَ لَنا﴾ فِيهِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: المَوْتُ، قالَهُ الحَسَنُ، والسُّدِّيُّ. والثّانِي: الحَشْرُ، ذَكَرَهُ الماوَرْدِيُّ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قالَ النّارُ مَثْواكُمْ﴾ قالَ الزَّجّاجُ: المَثْوى: المَقامُ؛ "وَخالِدِينَ" مَنصُوبٌ عَلى الحالِ. المَعْنى: النّارُ مَقامُكم في حالِ خُلُودٍ دائِمٍ ﴿إلا ما شاءَ اللَّهُ﴾ هو اسْتِثْناءٌ مِن يَوْمِ القِيامَةِ، والمَعْنى: ﴿خالِدِينَ فِيها﴾ مُذْ يَبْعَثُونَ ﴿إلا ما شاءَ اللَّهُ﴾ مِن مِقْدارِ حَشْرِهِمْ مِن قُبُورِهِمْ، ومُدَّتِهِمْ في مُحاسَبَتِهِمْ. ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ ﴿إلا ما شاءَ اللَّهُ﴾ أنْ يَزِيدَهم مِنَ العَذابِ. وقالَ بَعْضُهُمْ: إلّا ما شاءَ اللَّهُ مِن كَوْنِهِمْ في الدُّنْيا بِغَيْرِ عَذابٍ؛ وقِيلَ في هَذا غَيْرَ قَوْلٍ، سَتَجِدُها مَشْرُوحَةً في (هُودٍ) إنْ شاءَ اللَّهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب