الباحث القرآني

(p-١٠٨)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا﴾ أيْ: وكَما جَعَلْنا لَكَ ولِأُمَّتِكَ شَياطِينَ الإنْسِ والجِنِّ أعْداءً، كَذَلِكَ جَعَلْنا لِمَن تَقَدَّمَكَ مِنَ الأنْبِياءِ وأُمَمِهِمْ؛ والمَعْنى: كَما ابْتَلَيْناكَ بِالأعْداءِ، ابْتُلِينا مِن قَبْلِكَ، لَيَعْظُمَ الثَّوابُ عِنْدَ الصَّبْرِ عَلى الأذى. قالَ الزَّجّاجُ: "وَعَدُوٌّ" في مَعْنى أعْداءَ "وَشَياطِينُ الإنْسِ والجِنِّ": مَنصُوبٌ عَلى البَدَلِ مِن "عَدْوٍّ" ومُفَسَّرٌ لَهُ؛ ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ: "عَدُوًّا" مَنصُوبٌ عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ ثانٍ، المَعْنى: وكَذَلِكَ جَعَلْنا شَياطِينَ الإنْسِ والجِنِّ أعْداءً لَأُمَمِهِمْ. وفي شَياطِينَ الإنْسِ والجِنِّ ثَلاثَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّهم مَرَدَةُ الإنْسِ والجِنِّ، قالَهُ الحَسَنُ. وقَتادَةُ. والثّانِي: أنَّ شَياطِينَ الإنْسِ: الَّذِينَ مَعَ الإنْسِ وشَياطِينَ الجِنِّ: الَّذِينَ مَعَ الجِنِّ، قالَهُ عِكْرِمَةُ، والسُّدِّيُّ. والثّالِثُ: أنَّ شَياطِينَ الإنْسِ والجِنِّ: كُفّارُهم، قالَهُ مُجاهِدٌ. قَوْلُهُ تَعالى: يُوحِي أصْلُ الوَحْيِ: الإعْلامُ والدَّلالَةُ بِسَتْرٍ وإخْفاءٍ. وَفِي المُرادِ بِهِ هاهُنا ثَلاثَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّ مَعْناهُ: يَأْمُرُ. والثّانِي: يُوَسْوِسُ. والثّالِثُ: يُشِيرُ. وَأمّا ﴿زُخْرُفَ القَوْلِ﴾ فَهو ما زُيِّنَ مِنهُ، وحَسُنَ، ومُوِّهَ، وأصْلُ الزُّخْرُفِ: الذَّهَبُ. قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: كُلُّ شَيْءٍ حَسَّنْتَهُ وزَيَّنْتَهُ وهو باطِلٌ، فَهو زُخْرُفٌ. وقالَ الزَّجّاجُ: "الزُّخْرُفُ" في اللُّغَةِ: الزِّينَةُ؛ فالمَعْنى: أنَّ بَعْضَهم يُزَيِّنُ لَبَعْضِ الأعْمالِ القَبِيحَةِ؛ "وَغُرُورًا" مَنصُوبٌ عَلى المَصْدَرِ؛ وهَذا المَصْدَرُ (p-١٠٩)مَحْمُولٌ عَلى المَعْنى، لِأنَّ مَعْنى إيحاءِ الزُّخْرُفِ مِنَ القَوْلِ: مَعْنى الغُرُورِ، فَكَأنَّهُ قالَ: يَغُرُّونَ غُرُورًا. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: "زُخْرُفَ القَوْلِ غُرُورًا": الأمانِي بِالباطِلِ. قالَ مُقاتِلٌ: وكُلُّ إبْلِيسٍ بِالإنْسِ شَياطِينٌ يُضِلُّونَهم.، فَإذا التَقى شَيْطانُ الإنْسِ بِشَيْطانِ الجِنِّ، قالَ أحَدَهُما لَصاحِبِهِ: إنِّي أضْلَلْتُ صاحِبِي بِكَذا وكَذا، فَأضْلِلْ أنْتَ صاحِبَكَ بِكَذا وكَذا، فَذَلِكَ وحْيُ بَعْضِهِمْ إلى بَعْضٍ. وقالَ غَيْرُهُ: إنَّ المُؤْمِنَ إذا أعْيا شَيْطانَهُ، ذَهَبَ إلى مُتَمَرِّدٍ مِنَ الإنْسِ، وهو شَيْطانُ الإنْسِ، فَأغْراهُ بِالمُؤْمِنِ لِيَفْتِنَهُ. وقالَ قَتادَةُ: إنَّ مِنَ الجِنِّ شَياطِينَ، وإنَّ مِنَ الإنْسِ شَياطِينَ. وقالَ مالِكُ بْنُ دِينارٍ: إنَّ شَيْطانَ الإنْسِ أشَدُّ عَلَيَّ مِن شَيْطانِ الجِنِّ، لَأنِّي إذا تَعَوَّذْتُ مِن ذاكَ ذَهَبَ عَنِّي، وهَذا يَجُرُّنِي إلى المَعاصِي عَيانًا. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ﴾ في هاءِ الكِنايَةِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّها تَرْجِعُ إلى الوَسْوَسَةِ. والثّانِي: تَرْجِعُ إلى الكُفْرِ. والثّالِثُ: إلى الغُرُورِ، وأذى النَّبِيِّينَ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَذَرْهم وما يَفْتَرُونَ﴾ قالَ مُقاتِلٌ: يُرِيدُ كُفّارَ مَكَّةَ وما يَفْتَرُونَ مِنَ الكَذِبِ. وقالَ غَيْرُهُ: فَذَرِ المُشْرِكِينَ وما يُخاصِمُونَكَ بِهِ مِمّا يُوحِي إلَيْهِمْ أوْلِياؤُهم، وما يَخْتَلِقُونَ مِن كَذِبٍ، وهَذا القَدْرُ مِن هَذِهِ الآَيَةِ مَنسُوخٌ بِآَيَةِ السَّيْفِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب