الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الجِنَّ﴾ جَعَلُوا، بِمَعْنى وصَفُوا. قالَ الزَّجّاجُ: نَصَبَ "الجِنَّ" مِن وجْهَيْنِ. أحَدُهُما: أنْ يَكُونَ مَفْعُولًا، فَيَكُونُ المَعْنى: وجَعَلُوا لَلَّهِ الجِنَّ شُرَكاءَ؛ ويَكُونُ الجِنُّ مَفْعُولًا ثانِيًا، كَقَوْلِهِ: ﴿وَجَعَلُوا المَلائِكَةَ الَّذِينَ هم عِبادُ الرَّحْمَنِ إناثًا﴾ [الزُّخْرُفِ:١٩] . والثّانِي: أنْ يَكُونَ الجِنُّ بَدَلًا مِن شُرَكاءَ، ومُفَسِّرًا لَلشُّرَكاءِ. وقَرَأ أبُو المُتَوَكِّلِ، وأبُو عِمْرانَ، وأبُو حَيْوَةَ، والجَحْدَرِيُّ: "شُرَكاءَ الجِنُّ" بِرَفْعِ النُّونِ؛ وقَرَأ ابْنُ أبِي عَبْلَةَ، ومُعاذٌ القارِئُ "الجِنِّ" بِخَفْضِ النُّونِ. وَفِي مَعْنى جَعَلَهُمُ الجِنُّ شُرَكاءَ ثَلاثَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّهم أطاعُوا الشَّياطِينَ في عِبادَةِ الأوْثانِ، فَجَعَلُوهم شُرَكاءَ لَلَّهِ، قالَهُ الحَسَنُ، والزَّجّاجُ. والثّانِي: قالُوا: إنَّ المَلائِكَةَ بَناتُ اللَّهِ فَهم شُرَكاؤُهُ، كَقَوْلِهِ: ﴿وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وبَيْنَ الجِنَّةِ نَسَبًا﴾ [الصّافّاتِ:١٥٨] فَسَمّى المَلائِكَةَ جِنًّا لِاجْتِنانِهِمْ، قالَهُ قَتادَةُ، والسُّدِّيُّ، وابْنُ زَيْدٍ. والثّالِثُ: أنَّ الزَّنادِقَةَ قالُوا: اللَّهُ خالِقُ النُّورِ والماءِ والدَّوابِّ والأنْعامِ، وإبْلِيسُ خالِقُ الظُّلْمَةِ والسِّباعِ والحَيّاتِ والعَقارِبِ، وفِيهِمْ نَزَلَتْ هَذِهِ الآَيَةُ. قالَهُ ابْنُ السّائِبِ. (p-٩٧)قَوْلُهُ تَعالى: وخُلُقهمْ في الكِنايَةِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّها تَرْجِعُ إلى الجاعِلِينَ لَهُ الشُّرَكاءَ، فَيَكُونُ المَعْنى: وجَعَلُوا لَلَّذِي خَلْقَهم شُرَكاءَ لا يَخْلُقُونَ. والثّانِي: أنَّها تَرْجِعُ إلى الجِنِّ، فَيَكُونُ المَعْنى واللَّهُ خَلَقَ الجِنَّ، فَكَيْفَ يَكُونُ الشَّرِيكُ لَلَّهِ مُحْدِثًا؟ ذَكَرَهُما الزَّجّاجُ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وبَناتٍ﴾ وقَرَأ نافِعٌ: وخَرَقُوا بِالتَّشْدِيدِ، لَلْمُبالَغَةِ والتَّكْثِيرِ، لِأنَّ المُشْرِكِينَ ادَّعَوُا المَلائِكَةَ بَناتَ اللَّهِ، والنَّصارى المَسِيحَ، واليَهُودُ عُزَيْرًا. وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ، وأبُو رَجاءٍ، وأبُو الجَوْزاءِ: وحَرَّفُوا بِحاءٍ غَيْرِ مُعْجَمَةٍ وبِتَشْدِيدِ الرّاءِ وبِالفاءِ. وقَرَأ ابْنُ السَّمَيْفَعِ، والجَحْدَرِيُّ: "خارَقُوا" بِألِفٍ وخاءٍ مُعْجَمَةٍ. قالَ السُّدِّيُّ: أمّا "البَنُونَ" فَقَوْلُ اليَهُودَ: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ، وقَوْلُ النَّصارى: المَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ؛ وأمّا "البَناتُ" فَقَوْلُ مُشْرِكِي العَرَبِ: المَلائِكَةُ بَناتُ اللَّهِ. قالَ الفَرّاءُ: خَرَقُوا، واخْتَرَقُوا، وخَلَقُوا، واخْتَلَقُوا، بِمَعْنى افْتَرَوْا. وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: خَرَقُوا: جَعَلُوا. قالَ الزَّجّاجُ: ومَعْنى: "بِغَيْرِ عِلْمٍ": أنَّهم لَمْ يَذْكُرُوهُ مِن عِلْمٍ، إنَّما ذَكَرُوهُ تَكَذُّبًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب