الباحث القرآني

(p-٢٠٩)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَما أفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ﴾ أيْ: ما رَدَّ عَلَيْهِمْ ﴿مِنهُمْ﴾ يَعْنِي: مَن بَنِي النَّضِيرِ ﴿فَما أوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِن خَيْلٍ ولا رِكابٍ﴾ قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: الإيجافُ. الإيضاعُ، والرِّكابُ: الإبِلُ. قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: يُقالُ: وجَفَ الفَرَسُ والبَعِيرُ، وأوْجَفْتُهُ، ومِثْلُهُ: الإيضاعُ، وهو الإسْراعُ في السَّيْرِ. وقالَ الزَّجّاجُ: مَعْنى الآيَةِ: أنَّهُ لا شَيْءَ لَكم في هَذا، إنَّما هو لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ خاصَّةً. قالَ المُفَسِّرُونَ: طَلَبَ المُسْلِمُونَ مِن رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أنْ يُخَمِّسَ أمْوالَ بَنِي النَّضِيرِ لَمّا أُجْلُوا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ تُبَيِّنُ أنَّها فَيْءٌ لَمْ تَحْصُلْ لَهم بِمُحارَبَتِهِمْ، وإنَّما هو بِتَسْلِيطِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَهو لَهُ خاصَّةٌ، يَفْعَلُ فِيهِ ما يَشاءُ، فَقَسَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنَ المُهاجِرِينَ، ولَمْ يُعْطِ الأنْصارَ مِنهُ شَيْئًا، إلّا ثَلاثَةَ نَفَرٍ كانَتْ (p-٢١٠)بِهِمْ حاجَةٌ، وهُمْ: أبُو دُجانَةَ، وسَهْلُ بْنُ حَنِيفٍ، والحارِثُ بْنُ الصِّمَّةِ. ثُمَّ ذَكَرَ حُكْمَ الفَيْءِ فَقالَ تَعالى: ﴿ما أفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِن أهْلِ القُرى﴾ أيْ: مِن أمْوالِ كُفّارِ أهْلِ القُرى ﴿فَلِلَّهِ﴾ أيْ: يَأْمُرُكم فِيهِ بِما أحَبَّ، ﴿وَلِرَسُولِهِ﴾ بِتَحْلِيلِ اللَّهِ إيّاهُ. وقَدْ ذَكَرْنا ﴿ذَوِي القُرْبى واليَتامى﴾ في [الأنْفالِ: ٤١] وذَكَرْنا هُناكَ الفَرْقَ بَيْنَ الفَيْءِ والغَنِيمَةِ. * فَصْلٌ واخْتَلَفَ العُلَماءُ في حُكْمِ هَذِهِ الآيَةِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ: أنَّ المُرادَ بِالفَيْءِ ها هُنا: الغَنِيمَةُ الَّتِي يَأْخُذُها المُسْلِمُونَ مِن أمْوالِ الكافِرِينَ عَنْوَةً، وكانَتْ في بُدُوِّ الإسْلامِ لِلَّذِينِ سَمّاهُمُ اللَّهُ ها هُنا دُونَ الغالِبِينَ المُوجِفِينَ عَلَيْها، ثُمَّ نَسَخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعالى في [الأنْفالِ: ٤١] ﴿واعْلَمُوا أنَّما غَنِمْتُمْ مِن شَيْءٍ. . .﴾ الآيَةُ، هَذا قَوْلُ قَتادَةَ ويَزِيدَ بْنِ رُومانَ. وذَهَبَ قَوْمٌ إلى أنَّ هَذا الفَيْءَ: ما أُخِذَ مِن أمْوالِ المُشْرِكِينَ ما لَمْ يُوجَفْ بِخَيْلٍ ولا رِكابٍ، كالصُّلْحِ، والجِزْيَةِ، والعُشُورِ، ومالِ مَن ماتَ مِنهم في دارِ الإسْلامِ ولا وارِثَ لَهُ، فَهَذا كانَ يُقَسَّمُ في زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ خَمْسَةَ أخْماسٍ، فَأرْبَعَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَفْعَلُ بِها ما يَشاءُ، والخُمُسُ الباقِي لِلْمَذْكُورِينَ في هَذِهِ الآيَةِ. واخْتَلَفَ العُلَماءُ فِيما يُصْنَعُ بِسَهْمِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بَعْدَ مَوْتِهِ عَلى ما بَيَّنّا في [الأنْفالِ: ٤١] فَعَلى هَذا تَكُونُ هَذِهِ الآيَةُ مُثْبِتَةً لِحُكْمِ الفَيْءِ والَّتِي في [الأنْفالِ: ٤١] مُثْبِتَةً لِحُكْمِ الغَنِيمَةِ فَلا يَتَوَجَّهُ النَّسْخُ. (p-٢١١)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿كَيْ لا يَكُونَ﴾ يَعْنِي: الفَيْءُ "دُولَةً" وهو اسْمٌ لِلشَّيْءِ يَتَداوَلُهُ القَوْمُ. والمَعْنى: لِئَلّا يَتَداوَلَهُ الأغْنِياءُ بَيْنَهم فَيَغْلِبُوا الفُقَراءَ عَلَيْهِ. قالَ الزَّجّاجُ: الدُّولَةُ: اسْمُ الشَّيْءِ يُتَداوَلُ. والدَّوْلَةُ، بِالفَتْحِ: الفِعْلُ والِانْتِقالُ مِن حالٍ إلى حالٍ ﴿وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ﴾ مِنَ الفَيْءِ ﴿فَخُذُوهُ وما نَهاكُمْ﴾ عَنْ أخْذِهِ ﴿فانْتَهُوا﴾ وهَذا نَزَلَ في أمْرِ الفَيْءِ، وهو عامٌّ في كُلِّ ما أمَرَ بِهِ، ونَهى عَنْهُ. قالَ الزَّجّاجُ: ثُمَّ بَيَّنَ مَنِ المَساكِينُ الَّذِينَ لَهُمُ الحَقُّ؟، فَقالَ تَعالى: ﴿لِلْفُقَراءِ (p-٢١٢)المُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ﴾ قالَ المُفَسِّرُونَ: يَعْنِي بِهِمُ المُهاجِرِينَ ﴿يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللَّهِ﴾ أيْ: رِزْقًا يَأْتِيهِمْ ﴿وَرِضْوانًا﴾ رِضى رَبِّهِمْ حِينَ خَرَجُوا إلى دارِ الهِجْرَةِ ﴿أُولَئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ﴾ في إيمانِهِمْ. ثُمَّ مَدَحَ الأنْصارَ حِينَ طابَتْ أنْفُسُهم عَنِ الفَيْءِ، فَقالَ تَعالى: ﴿والَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدّارَ﴾ يَعْنِي: دارَ الهِجْرَةِ، وهي المَدِينَةُ ﴿والإيمانَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ فِيها تَقْدِيمٌ وتَأْخِيرٌ، تَقْدِيرُهُ: والَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدّارَ مِن قَبْلِهِمْ، أيْ: مِن قَبْلِ المُهاجِرِينَ، والإيمانُ عُطِفَ عَلى "الدّارِ" في الظّاهِرِ، لا في المَعْنى، لِأنَّ "الإيمانَ" لَيْسَ بِمَكانٍ يُتَبَوَّأُ، وإنَّما تَقْدِيرُهُ: وآثَرُوا الإيمانَ، وإسْلامُ المُهاجِرِينَ قَبْلَ الأنْصارِ، وسُكْنى الأنْصارِ المَدِينَةَ قَبْلَ المُهاجِرِينَ. وقِيلَ: الكَلامُ عَلى ظاهِرِهِ، والمَعْنى: تَبَوَّؤُوا الدّارَ والإيمانَ قَبْلَ الهِجْرَةِ ﴿يُحِبُّونَ مَن هاجَرَ إلَيْهِمْ﴾ وذَلِكَ أنَّهم شارَكُوهم في مَنازِلِهِمْ، وأمْوالِهِمْ ﴿وَلا يَجِدُونَ في صُدُورِهِمْ حاجَةً﴾ أيْ: حَسَدًا وغَيْظًا مِمّا أُوتِيَ المُهاجِرُونَ. وَفِيما أُوتُوهُ قَوْلانِ. أحَدُهُما: مالُ الفَيْءِ، قالَهُ الحَسَنُ. وقَدْ ذَكَرْنا آنِفًا أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَسَّمَ أمْوالَ بَنِي النَّضِيرِ بَيْنَ المُهاجِرِينَ، ولَمْ يُعْطِ مِنَ الأنْصارِ غَيْرَ ثَلاثَةِ نَفَرٍ. (p-٢١٣)والثّانِي: الفَضْلُ والتَّقَدُّمُ، ذَكَرَهُ الماوَرْدِيُّ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلى أنْفُسِهِمْ﴾ بِأمْوالِهِمْ ومَنازِلِهِمْ ﴿وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ﴾ أيْ: فَقْرٌ وحاجَةٌ، فَبَيَّنَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ أنَّ إيثارَهم لَمْ يَكُنْ عَنْ غِنًى. وفي سَبَبِ نُزُولِ هَذا الكَلامِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: «أنَّ رَجُلًا أتى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، وقَدْ أصابَهُ الجَهْدُ، فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ: إنِّي جائِعٌ فَأطْعِمْنِي، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلى أزْواجِهِ: هَلْ عِنْدَكُنَّ شَيْءٌ؟ فَكُلُّهُنَّ قُلْنَ: والَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ ما عِنْدَنا إلّا الماءُ، فَقالَ: ما عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ما يُطْعِمُكَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ. ثُمَّ قالَ: "مَن يَضِيفُ هَذا هَذِهِ اللَّيْلَةَ يَرْحَمْهُ اللَّهُ؟" فَقامَ رَجُلٌ فَقالَ: أنا يا رَسُولَ اللَّهِ، فَأتى بِهِ مَنزِلَهُ، فَقالَ لِأهْلِهِ: هَذا ضَيْفُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَأكْرِمِيهِ ولا تَدَّخِرِي عَنْهُ شَيْئًا، فَقالَتْ: ما عِنْدَنا إلّا قُوتُ الصِّبْيَةِ، فَقالَ: قُومِي فَعَلِّلِيهم عَنْ قُوتِهِمْ حَتّى يَنامُوا ولا يَطْعَمُوا شَيْئًا، ثُمَّ أصْبِحِي سِراجَكِ، فَإذا أخَذَ الضَّيْفُ لِيَأْكُلَ، فَقَوْمِي كَأنَّكَ تُصْلِحِينَ السِّراجَ، فَأطْفِئِيهِ، وتَعالَيْ نَمْضُغُ ألْسِنَتَنا لِأجْلِ ضَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ (p-٢١٤)ﷺ حَتّى يَشْبَعَ، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ، وظَنَّ الضَّيْفُ أنَّهُما يَأْكُلانِ مَعَهُ، فَشَبِعَ هُوَ، وباتا طاوِيَيْنِ، فَلَمّا أصْبَحا غَدَوا إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَلَمّا نَظَرَ إلَيْهِما تَبَسَّمَ، ثُمَّ قالَ: ضَحِكَ اللَّهُ اللَّيْلَةَ، أوْ عَجِبَ مِن فَعالِكُما، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلى أنْفُسِهِمْ ولَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ. . .﴾ الآيَةُ.» أخْرَجَهُ البُخارِيُّ ومُسْلِمٌ في "الصَّحِيحَيْنِ" مِن حَدِيثِ أبِي هُرَيْرَةَ وفي بَعْضِ الألْفاظِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ: أنَّ الضَّيْفَ كانَ مِن أهْلِ الصُّفَّةِ، والمُضِيفَ كانَ مِنَ الأنْصارِ، وأنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: « "لَقَدْ عَجِبَ مِن فِعالِكُما أهْلُ السَّماءِ" .» والثّانِي: أنَّ رَجُلًا مِن أصْحابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أُهْدِيَ لَهُ رَأْسُ شاةٍ، فَقالَ: إنَّ أخِي فُلانًا وعِيالَهُ أحْوَجُ إلى هَذا مِنّا، فَبَعَثَ بِهِ إلَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ يَبْعَثُ بِهِ واحِدٌ إلى واحِدٍ حَتّى تَداوَلَها سَبْعَةُ أهْلِ أبْياتٍ، حَتّى رَجَعَتْ إلى أُولَئِكَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، قالَهُ ابْنُ عُمَرَ. ورُوِيَ نَحْوُ هَذِهِ القِصَّةِ عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ (p-٢١٥)قالَ: أُهْدِيَ لِبَعْضِ الصَّحابَةِ رَأْسُ شاةٍ مَشْوِيٌّ، وكانَ مَجْهُودًا، فَوَجَّهَ بِهِ إلى جارٍ لَهُ فَتَناوَلَهُ تِسْعَةُ أنْفُسٍ، ثُمَّ عادَ إلى الأوَّلِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ﴾ وقَرَأ ابْنُ السَّمَيْفَعِ، وأبُو رَجاءٍ ﴿وَمَن يُوقَ﴾ بِتَشْدِيدِ القافِ. قالَ المُفَسِّرُونَ: هو أنْ لا يَأْخُذَ شَيْئًا مِمّا نَهاهُ اللَّهُ عَنْهُ، ولا يَمْنَعُ شَيْئًا أمَرَهُ اللَّهُ بِأدائِهِ. والمَعْنى: أنَّ الأنْصارَ مِمَّنْ وُقِيَ شُحَّ نَفْسِهِ حِينَ طابَتْ أنْفُسُهم بِتَرْكِ الفَيْءِ لِلْمُهاجِرِينَ. * فَصْلٌ وَقَدِ اخْتَلَفَ العُلَماءُ في الشُّحِّ والبُخْلِ، هَلْ بَيْنَهُما فَرْقٌ، أمْ لا؟ فَقالَ ابْنُ جَرِيرٍ: الشُّحُّ في كَلامِ العَرَبِ: هو مَنعُ الفَضْلِ مِنَ المالِ. وقالَ أبُو سُلَيْمانَ الخَطّابِيُّ: الشُّحُّ أبْلَغُ في المَنعِ مِنَ البُخْلِ، وإنَّما الشُّحُّ بِمَنزِلَةِ الجِنْسِ، والبُخْلُ بِمَنزِلَةِ النَّوْعِ، وأكْثَرُ ما يُقالُ في البُخْلِ: إنَّما هو في أفْرادِ الأُمُورِ وخَواصِّ الأشْياءِ، والشُّحُّ عامٌّ، فَهو كالوَصْفِ اللّازِمِ لِلْإنْسانِ مِن قِبَلِ الطَّبْعِ والجِبِلَّةِ. وحَكى الخَطّابِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أنَّهُ قالَ: البُخْلُ: أنْ يَضِنَّ بِمالِهِ، والشُّحُّ: أنْ يَبْخَلَ بِمالِهِ ومَعْرُوفِهِ. وقَدْ رَوى أبُو الشَّعْثاءِ أنَّ رَجُلًا أتى ابْنَ مَسْعُودٍ فَقالَ: إنِّي أخافُ أنْ أكُونَ قَدْ هَلَكْتُ، قالَ: وما ذاكَ؟ قالَ: أسْمَعُ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿وَمَن يُوقَ (p-٢١٦)شُحَّ نَفْسِهِ﴾ وأنا رَجُلٌ شَحِيحٌ لا يَكادُ يَخْرُجُ مِن يَدَيَّ شَيْءٌ، فَقالَ: لَيْسَ ذَلِكَ بِالشُّحِّ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ في القُرْآنِ، الشُّحُّ: أنْ تَأْكُلَ مالَ أخِيكَ ظُلْمًا، إنَّما ذَلِكَ البُخْلُ، وبِئْسَ الشَّيْءُ البُخْلُ ورَوى أنَسُ بْنُ مالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: « "بَرِئَ مِنَ الشُّحِّ مَن أدّى الزَّكاةَ، وقَرى الضَّيْفَ، وأعْطى في النّائِبَةِ" .» قَوْلُهُ تَعالى ﴿والَّذِينَ جاءُوا مِن بَعْدِهِمْ﴾ يَعْنِي التّابِعِينَ إلى يَوْمِ القِيامَةِ. قالَ الزَّجّاجُ: والمَعْنى: ما أفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ فَلِلَّهِ ولِلرَّسُولِ ولِهَؤُلاءِ المُسْلِمِينَ، ولِلَّذِينِ يَجِيئُونَ مِن بَعْدِهِمْ إلى يَوْمِ القِيامَةِ ما أقامُوا عَلى مَحَبَّةِ أصْحابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، ودَلِيلُ هَذا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿والَّذِينَ جاءُوا مِن بَعْدِهِمْ﴾ أيِ: الَّذِينَ جاؤُوا في حالِ قَوْلِهِمْ: ﴿رَبَّنا اغْفِرْ لَنا ولإخْوانِنا﴾ فَمَن تَرَحَّمَ عَلى أصْحابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ولَمْ يَكُنْ في قَلْبِهِ غِلٌّ لَهُمْ، فَلَهُ حَظٌّ مِن فَيْءِ المُسْلِمِينَ، ومَن شَتَمَهم ولَمْ يَتَرَحَّمْ عَلَيْهِمْ، وكانَ في قَلْبِهِ غِلٌّ لَهُمْ، فَما جَعَلَ اللَّهُ لَهُ حَقًّا في شَيْءٍ مِن فَيْءِ المُسْلِمِينَ بِنَصِّ الكِتابِ. وكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ مالِكِ بْنِ أنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّهُ قالَ: مَن تَنَقَّصَ أصْحابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، أوْ كانَ في قَلْبِهِ عَلَيْهِمْ غِلٌّ، فَلَيْسَ لَهُ حَقٌّ في فَيْءِ المُسْلِمِينَ، ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآياتِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب