الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ألَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ نَزَلَتْ في المَنافِقِينَ الَّذِينَ تَوَلَّوُا اليَهُودَ، ونَقَلُوا إلَيْهِمْ أسْرارَ المُؤْمِنِينَ. وقالَ السُّدِّيُّ، ومُقاتِلٌ: نَزَلَتْ في عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَبْتَلَ المُنافِقِ، وذَلِكَ «أنَّهُ كانَ يُجالِسُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، ويَرْفَعُ حَدِيثَهُ إلى اليَهُودِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ يَوْمًا، وكانَ أزْرَقَ، فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: عَلامَ تَشْتُمُنِي أنْتَ وأصْحابُكَ؟ فَحَلَفَ بِاللَّهِ ما فَعَلَ، فَقالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: "فَعَلْتَ" فانْطَلَقَ فَجاءَ بِأصْحابِهِ، فَحَلَفُوا بِاللَّهِ ما سَبُّوهُ، فَأنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآياتِ.» ورَوى الحاكِمُ أبُو عَبْدِ اللَّهِ في "صَحِيحِهِ" مِن حَدِيثِ ابْنِ عَبّاسٍ، «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كانَ في ظِلِّ حُجْرَةٍ مِن حُجَرِهِ، وعِنْدَهُ نَفَرٌ مِنَ المُسْلِمِينَ، فَقالَ: إنَّهُ سَيَأْتِيكم إنْسانٌ يَنْظُرُ إلَيْكم بِعَيْنَيْ شَيْطانٍ، فَإذا أتاكم فَلا تُكَلِّمُوهُ، فَجاءَ رَجُلٌ أزْرَقُ، فَدَعاهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَقالَ: عَلامَ تَشْتُمُنِي أنْتَ وفُلانٌ وفُلانٌ؟ فانْطَلَقَ الرَّجُلُ فَدَعاهُمْ، فَحَلَفُوا بِاللَّهِ، واعْتَذَرُوا إلَيْهِ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ. . .﴾ الآيَةُ.» فَأمّا التَّفْسِيرُ، فالَّذِينَ تَوَلَّوْا: هُمُ المُنافِقُونَ، والمَغْضُوبُ عَلَيْهِمْ: هُمُ اليَهُودُ ﴿ما هم مِنكُمْ﴾ يَعْنِي: المَنافِقِينَ لَيْسُوا مِنَ المُسْلِمِينَ، ولا مِنَ اليَهُودِ ﴿وَيَحْلِفُونَ عَلى الكَذِبِ﴾ وهو ما ذَكَرْنا في سَبَبِ نُزُولِها. وقالَ بَعْضُهُمْ: حَلَفُوا أنَّهم ما سَبُّوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، ولا تَوَلَّوُا اليَهُودَ ﴿وَهم يَعْلَمُونَ﴾ أنَّهم كَذَبَةٌ ﴿اتَّخَذُوا أيْمانَهم (p-١٩٧)جُنَّةً﴾ أيْ: سُتْرَةً يَتَّقُونَ بِها القَتْلَ. قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: المَعْنى: اسْتَتَرُوا بِالحَلِفِ، فَكُلَّما ظَهَرَ لَهم شَيْءٌ يُوجِبُ مُعاقَبَتَهم حَلَفُوا كاذِبِينَ، ﴿فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ فِيهِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: صَدُّوا النّاسَ عَنْ دِينِ الإسْلامِ قالَهُ السُّدِّيُّ. والثّانِي: صَدُّوا عَنْ جِهادِهِمْ بِالقَتْلِ وأخْذِ مالِهِمْ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَيَحْلِفُونَ لَهُ﴾ قالَ مُقاتِلٌ، وقَتادَةُ: يَحْلِفُونَ لِلَّهِ في الآخِرَةِ أنَّهم كانُوا مُؤْمِنِينَ، كَما حَلَفُوا لِأوْلِيائِهِ في الدُّنْيا ﴿وَيَحْسَبُونَ أنَّهم عَلى شَيْءٍ﴾ مِن أيْمانِهِمُ الكاذِبَةِ ﴿ألا إنَّهم هُمُ الكاذِبُونَ﴾ في قَوْلِهِمْ وأيْمانِهِمْ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ﴾ قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: غَلَبَ عَلَيْهِمْ، وحاذَهُمْ، وقَدْ بَيَّنّا هَذا في سُورَةِ [النِّساءِ] عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ﴾ [آيَةُ: ١٤١]، وما بَعْدَ هَذا ظاهِرٌ إلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿أُولَئِكَ في الأذَلِّينَ﴾ أيْ: في المَغْلُوبِينَ، فَلَهم في الدُّنْيا ذُلٌّ، وفي الآخِرَةِ خِزْيٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب