الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَجَعَلْنا في ذُرِّيَّتِهِما النُّبُوَّةَ والكِتابَ﴾ يَعْنِي: الكُتُبَ "فَمِنهُمْ" يَعْنِي: مِنَ الذُّرِّيَّةِ ﴿مُهْتَدٍ وكَثِيرٌ مِنهم فاسِقُونَ﴾ فِيهِ قَوْلانِ.
أحَدُهُما: كافِرُونَ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. والثّانِي عاصُونَ قالَهُ مُقاتِلٌ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ﴾ أيْ: أتْبَعْنا عَلى آثارِ نُوحٍ، وإبْراهِيمَ، وذُرِّيَّتِهِما "بِعِيسى" وكانَ آخِرَ أنْبِياءِ بَنِي إسْرائِيلَ، ﴿وَجَعَلْنا في قُلُوبِ الَّذِينَ (p-١٧٦)اتَّبَعُوهُ﴾ يَعْنِي: الحَوارِيِّينَ وغَيْرَهم مِن أتْباعِهِ عَلى دِينِهِ "رَأْفَةً" وقَدْ سَبَقَ بَيانُها [النُّورِ: ٢] مُتَوادِّينَ، كَما وصَفَ اللَّهُ تَعالى أصْحابَ نَبِيِّنا عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، فَقالَ تَعالى: ﴿رُحَماءُ بَيْنَهُمْ﴾ [الفَتْحِ: ٢٩] .
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها﴾ لَيْسَ هَذا مَعْطُوفًا عَلى ما قَبْلَهُ، وإنَّما انْتَصَبَ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ، يَدُلُّ عَلَيْهِ ما بَعْدَهُ، تَقْدِيرُهُ: وابْتَدَعُوا رَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها، أيْ: جاؤُوا بِها مِن قِبَلِ أنْفُسِهِمْ، وهي غُلُوُّهم في العِبادَةِ، وحَمْلُ المَشاقِّ عَلى أنْفُسِهِمْ في الِامْتِناعِ عَنِ المَطْعَمِ والمَشْرَبِ والمَلْبَسِ والنِّكاحِ، والتَّعَبُّدُ في الجِبالِ ﴿ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ﴾ أيْ: ما فَرَضْناها عَلَيْهِمْ. وفي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إلا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ﴾ قَوْلانِ.
أحَدُهُما: أنَّهُ يَرْجِعُ إلى قَوْلِهِ تَعالى ﴿ابْتَدَعُوها﴾ وتَقْدِيرُهُ: ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إلّا أنَّهُمُ ابْتَدَعُوها ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ، ذَكَرَهُ عَلِيُّ بْنُ عِيسى، والرُّمّانِيُّ عَنْ قَتادَةَ، وزَيْدُ بْنُ أسْلَمَ.
والثّانِي: أنَّهُ راجِعٌ إلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ما كَتَبْناها﴾ ثُمَّ في مَعْنى الكَلامِ قَوْلانِ أحَدُهُما: ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ بَعْدَ دُخُولِهِمْ فِيها تَطَوُّعًا إلّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ. قالالحَسَنُ: تَطَوَّعُوا بِابْتِداعِها ثُمَّ كَتَبَها اللَّهُ عَلَيْهِمْ. وقالَ الزَّجّاجُ: لَمّا ألْزَمُوا أنْفُسَهم ذَلِكَ التَّطَوُّعَ لَزِمَهم إتْمامُهُ، كَما أنَّ الإنْسانَ إذا جَعَلَ عَلى نَفْسِهِ صَوْمًا لَمْ يُفْتَرَضْ عَلَيْهِ، لَزِمَهُ أنْ يُتِمَّهُ. قالَ القاضِي أبُو يَعْلى: والِابْتِداعُ قَدْ يَكُونُ بِالقَوْلِ، (p-١٧٧)وَهُوَ ما يَنْذِرُهُ ويُوجِبُهُ عَلى نَفْسِهِ، وقَدْ يَكُونُ بِالفِعْلِ بِالدُّخُولِ فِيهِ. وعُمُومُ الآيَةِ تَتَضَمَّنُ الأمْرَيْنِ، فاقْتَضى ذَلِكَ أنَّ كُلَّ مَنِ ابْتَدَعَ قُرْبَةً، قَوْلًا، أوْ فِعْلًا، فَعَلَيْهِ رِعايَتُها وإتْمامُها. والثّانِي: أنَّ المَعْنى: ما أمَرْناهم مِنها إلّا بِما يُرْضِي اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ، لا غَيْرَ ذَلِكَ، قالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها﴾ في المُشارِ إلَيْهِمْ قَوْلانِ.
أحَدُهُما: أنَّهُمُ الَّذِينَ ابْتَدَعُوا الرَّهْبانِيَّةَ، قالَهُ الجُمْهُورُ. ثُمَّ في مَعْنى الكَلامِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّهم ما رَعَوْها لِتَبْدِيلِ دِينِهِمْ وتَغْيِيرِهِمْ لَهُ، قالَهُ عَطِيَّةُ العَوْفِيُّ. والثّانِي: لِتَقْصِيرِهِمْ فِيما ألْزَمُوهُ أنْفُسَهم. والثّالِثُ: لِكُفْرِهِمْ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَمّا بُعِثَ، ذَكَرَ القَوْلَيْنِ الزَّجّاجُ.
والثّانِي: أنَّهُمُ الَّذِينَ اتَّبَعُوا مُبْتَدِعِي الرَّهْبانِيَّةِ في رَهْبانِيَّتِهِمْ، ما رَعَوْها بِسُلُوكِ طَرِيقٍ أوَّلِيهِمْ، رَوى هَذا المَعْنى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَآتَيْنا الَّذِينَ آمَنُوا مِنهم أجْرَهُمْ﴾ فِيهِمْ ثَلاثَةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: الَّذِينَ آمَنُوا بِمُحَمَّدٍ ﴿وَكَثِيرٌ مِنهم فاسِقُونَ﴾ وهُمُ الَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ.
والثّانِي: أنَّ الَّذِينَ آمَنُوا: المُؤْمِنُونَ بِعِيسى، والفاسِقُونَ: المُشْرِكُونَ.
والثّالِثُ: أنَّ الَّذِينَ آمَنُوا: مُبْتَدِعُو الرَّهْبانِيَّةِ، والفاسِقُونَ: مُتَّبِعُوهم عَلى غَيْرِ القانُونِ الصَّحِيحِ.
{"ayahs_start":26,"ayahs":["وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا نُوحࣰا وَإِبۡرَ ٰهِیمَ وَجَعَلۡنَا فِی ذُرِّیَّتِهِمَا ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلۡكِتَـٰبَۖ فَمِنۡهُم مُّهۡتَدࣲۖ وَكَثِیرࣱ مِّنۡهُمۡ فَـٰسِقُونَ","ثُمَّ قَفَّیۡنَا عَلَىٰۤ ءَاثَـٰرِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّیۡنَا بِعِیسَى ٱبۡنِ مَرۡیَمَ وَءَاتَیۡنَـٰهُ ٱلۡإِنجِیلَۖ وَجَعَلۡنَا فِی قُلُوبِ ٱلَّذِینَ ٱتَّبَعُوهُ رَأۡفَةࣰ وَرَحۡمَةࣰۚ وَرَهۡبَانِیَّةً ٱبۡتَدَعُوهَا مَا كَتَبۡنَـٰهَا عَلَیۡهِمۡ إِلَّا ٱبۡتِغَاۤءَ رِضۡوَ ٰنِ ٱللَّهِ فَمَا رَعَوۡهَا حَقَّ رِعَایَتِهَاۖ فَـَٔاتَیۡنَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مِنۡهُمۡ أَجۡرَهُمۡۖ وَكَثِیرࣱ مِّنۡهُمۡ فَـٰسِقُونَ"],"ayah":"وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا نُوحࣰا وَإِبۡرَ ٰهِیمَ وَجَعَلۡنَا فِی ذُرِّیَّتِهِمَا ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلۡكِتَـٰبَۖ فَمِنۡهُم مُّهۡتَدࣲۖ وَكَثِیرࣱ مِّنۡهُمۡ فَـٰسِقُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











