الباحث القرآني
وَقَدْ شَرَحْنا مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿وَأصْحابُ اليَمِينِ﴾ في قَوْلِهِ: ﴿فَأصْحابُ المَيْمَنَةِ﴾ [الواقِعَةِ: ٩] . وقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّهُ قالَ: أصْحابُ اليَمِينِ: أطْفالُ المُؤْمِنِينَ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ﴾ سَبَبُ نُزُولِها أنَّ المُسْلِمِينَ نَظَرُوا إلى وجٍّ. وهو وادٍ بِالطّائِفِ مُخْصِبٌ. فَأعْجَبَهم سِدْرُهُ، فَقالُوا: يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ هَذا؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، قالَهُ أبُو العالِيَةِ، والضَّحّاكُ.
وَفِي المَخْضُودِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: أنَّهُ الَّذِي لا شَوْكَ فِيهِ، رَواهُ أبُو طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وبِهِ قالَ عِكْرِمَةُ، وقُسامَةُ بْنُ زُهَيْرٍ. قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: كَأنَّهُ خُضِدَ شَوْكُهُ، أيْ: قُلِعَ، ومِنهُ قَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ في المَدِينَةِ: «لا يُخْضَدُ شَوْكُها" .»
(p-١٤٠)والثّانِي: أنَّهُ المُوقَرُ حِمْلًا، رَواهُ العَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وبِهِ قالَ مُجاهِدٌ، والضَّحّاكُ.
والثّالِثُ: أنَّهُ المُوقَرُ الَّذِي لاشَوْكَ فِيهِ، ذَكَرَهُ قَتادَةُ.
وَفِي الطَّلْحِ قَوْلانِ.
أحَدُهُما: أنَّهُ المَوْزُ، قالَهُ عَلِيٌّ، وابْنُ عَبّاسٍ، وأبُو هُرَيْرَةَ، وأبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ، [والحَسَنُ]، وعَطاءٌ، وعِكْرِمَةُ، ومُجاهِدٌ، وقَتادَةُ.
والثّانِي: أنَّهُ شَجَرٌ عِظامٌ كِبارُ الشَّوْكِ، قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: هَذا هو الطَّلْحُ عِنْدَ العَرَبِ، قالَ الحادِي:
؎ بَشَّرَها دَلِيلُها وقالا غَدًا تَرَيْنَ الطَّلْحَ والجِبالا
فَإنْ قِيلَ: ما الفائِدَةُ في الطَّلْحِ؟ .
فالجَوابُ أنَّ لَهُ نَوْرًا ورِيحًا طَيِّبَةً، فَقَدْ وعَدَهم ما يَعْرِفُونَ ويَمِيلُونَ إلَيْهِ، وإنْ لَمْ يَقَعِ التَّساوِي بَيْنَهُ وبَيْنَ ما في الدُّنْيا. وقالَ مُجاهِدٌ: كانُوا يَعْجَبُونَ بِـ "وَجٍّ" وظِلالِهِ مِن طَلْحِهِ وسِدْرِهِ. فَأمّا المَنضُودُ، فَقالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: هو الَّذِي قَدْ نُضِدَ بِالحَمْلِ أوْ بِالوَرَقِ والحَمْلُ مِن أوَّلِهِ إلى آخِرِهِ، فَلَيْسَ لَهُ ساقٌ بارِزَةٌ، وقالَ مَسْرُوقٌ: شَجَرُ الجَنَّةِ نَضِيدٌ مِن أسْفَلِها إلى أعْلاها.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَظِلٍّ مَمْدُودٍ﴾ أيْ: دائِمٌ لا تَنْسَخُهُ الشَّمْسُ.
﴿وَماءٍ مَسْكُوبٍ﴾ أيْ: جارٍ غَيْرُ مُنْقَطِعٍ.
(p-١٤١)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لا مَقْطُوعَةٍ ولا مَمْنُوعَةٍ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: لا مَقْطُوعَةٌ في حِينٍ دُونَ حِينٍ، ولا مَمْنُوعَةٌ بِالحِيطانِ والنَّواطِيرِ، إنَّما هي مُطْلَقَةٌ لِمَن أرادَها، هَذا قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ، والحَسَنِ، ومُجاهِدٍ، وقَتادَةَ. ولَخَّصَهُ بَعْضُهم فَقالَ: لا مَقْطُوعَةٌ بِالأزْمانِ، ولا مَمْنُوعَةٌ بِالأثْمانِ.
والثّانِي: لا تَنْقَطِعُ إذا جُنِيَتْ، ولا تُمْنَعُ مِن أحَدٍ إذا أُرِيدَتْ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ.
والثّالِثُ: لا مَقْطُوعَةٌ بِالفَناءِ، ولا مَمْنُوعَةٌ بِالفَسادِ، ذَكَرَهُ الماوَرْدِيُّ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ﴾ فِيها قَوْلانِ.
أحَدُهُما: أنَّها الحَشايا المَفْرُوشَةُ لِلْجُلُوسِ والنَّوْمِ. وفي رَفْعِها قَوْلانِ. أحَدُهُما: [أنَّها] مَرْفُوعَةٌ فَوْقَ السُّرُرِ. والثّانِي: أنَّ رَفْعَها: زِيادَةُ حَشْوِها لِيَطِيبَ الِاسْتِمْتاعُ بِها.
والثّانِي: أنَّ المُرادَ بِالفِراشِ: النِّساءُ؛ والعَرَبُ تُسَمِّي المَرْأةَ: فِراشًا وإزارًا ولِباسًا؛ وفي مَعْنى رَفْعِهِنَّ ثَلاثَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّهُنَّ رُفِعْنَ بِالجَمالِ عَلى نِساءِ أهْلِ الدُّنْيا، والثّانِي: رُفِعْنَ عَنِ الأدْناسِ. والثّالِثُ: في القُلُوبِ لِشِدَّةِ المَيْلِ إلَيْهِنَّ.
قَوْلُهُ تَعالى ﴿إنّا أنْشَأْناهُنَّ إنْشاءً﴾ يَعْنِي النِّساءَ. قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: اكْتَفى بِذِكْرِ الفُرُشِ لِأنَّها مَحَلُّ النِّساءِ عَنْ ذِكْرِهِنَّ. وفي المُشارِ إلَيْهِنَّ قَوْلانِ.
أحَدُهُما: أنَّهُنَّ نِساءُ أهْلِ الدُّنْيا المُؤْمِناتُ؛ ثُمَّ في إنْشائِهِنَّ قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّهُ إنْشاؤُهُنَّ مِنَ القُبُورِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. والثّانِي: إعادَتُهُنَّ بَعْدَ الشَّمَطِ والكِبَرِ أبْكارًا صِغارًا، قالَهُ الضَّحّاكُ.
(p-١٤٢)والثّانِي: أنَّهُنَّ الحُورُ العِينُ، وإنْشاؤُهُنَّ: إيجادُهُنَّ عَنْ غَيْرِ وِلادَةٍ، قالَهُ الزَّجّاجُ. والصَّوابُ أنْ يُقالَ: إنَّ الإنْشاءَ عَمَّهُنَّ كُلَّهُنَّ، فالحُورُ أُنْشِئْنَ ابْتِداءً، والمُؤْمِناتُ أُنْشِئْنَ بِالإعادَةِ وتَغْيِيرِ الصِّفاتِ؛ وقَدْ رَوى أنَسُ بْنُ مالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: « "إنَّ مِنَ المُنْشَآتِ اللّاتِي كُنَّ في الدُّنْيا عَجائِزَ عُمْشًا رُمْصًا" .»
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَجَعَلْناهُنَّ أبْكارًا﴾ أيْ: عَذارى. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: لا يَأْتِيها زَوْجُها إلّا وجَدَها بِكْرًا.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿عُرُبًا﴾ قَرَأ الجُمْهُورُ: بِضَمِّ الرّاءِ. وقَرَأ حَمْزَةُ، وخَلَفٌ: بِإسْكانِ الرّاءِ؛ قالَ ابْنُ جَرِيرٍ: هي لُغَةُ تَمِيمٍ وبَكْرٍ.
وَلِلْمُفَسِّرِينَ في مَعْنى "عُرُبًا" خَمْسَةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: أنَّهُنَّ المُتَحَبِّباتُ إلى أزْواجِهِنَّ، رَواهُ العَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وبِهِ قالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وابْنُ قُتَيْبَةَ، والزَّجّاجُ.
والثّانِي: أنَّهُنَّ العَواشِقُ، رَواهُ عَلِيُّ بْنُ أبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وبِهِ قالَ الحَسَنُ، وقَتادَةُ، ومُقاتِلٌ، والمُبَرِّدُ؛ وعَنْ مُجاهِدٍ كالقَوْلَيْنِ.
والثّالِثُ: الحَسَنَةُ التَّبَعُّلِ، رَواهُ أبُو صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وبِهِ قالَ أبُو عُبَيْدَةَ.
والرّابِعُ: الغَنِجاتُ، قالَهُ عِكْرِمَةُ. (p-١٤٣)والخامِسَةُ: الحَسَنَةُ الكَلامِ، قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ.
فَأمّا الأتْرابُ فَقَدْ ذَكَرْناهُنَّ في [ص: ٥٢] .
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ثُلَّةٌ مِنَ الأوَّلِينَ﴾ ﴿وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ﴾ هَذا مِن نَعْتِ أصْحابِ اليَمِينِ. وفي الأوَّلِينَ والآخِرِينَ خِلافٌ، وقَدْ سَبَقَ شَرْحُهُ [الواقِعَةِ: ١٣] . وقَدْ زَعَمَ مُقاتِلٌ أنَّهُ لَمّا نَزَلَتِ الآيَةُ الأُولى، وهي قَوْلُهُ: ﴿وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ﴾ وجَدَ المُؤْمِنُونَ مِن ذَلِكَ وجْدًا شَدِيدًا حَتّى أُنْزِلَتْ ﴿وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ﴾ فَنَسَخَتْها. ورُوِيَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ رُوَيْمٍ نَحْوُ هَذا المَعْنى.
قُلْتُ: وادِّعاءُ النَّسْخِ ها هُنا لا وجْهَ لَهُ لِثَلاثَةِ أوْجُهٍ.
أحَدُها: أنَّ عُلَماءَ النّاسِخِ والمَنسُوخِ لَمْ يُوافِقُوا عَلى هَذا.
والثّانِي: أنَّ الكَلامَ في الآيَتَيْنِ خَبَرٌ، والخَبَرُ لا يَدْخُلُهُ النَّسْخُ، [فَهُوَ ها هُنا لا وجْهَ لَهُ] .
والثّالِثُ: أنَّ الثُّلَّةَ بِمَعْنى الفِرْقَةِ والفِئَةِ؛ قالَ الزَّجّاجُ: اشْتِقاقُهُما مِنَ القِطْعَةِ، والثَّلُّ: الكَسْرُ والقَطْعُ. فَعَلى هَذا قَدْ يَجُوزُ أنْ تَكُونَ الثُّلَّةُ في مَعْنى القَلِيلِ.
{"ayahs_start":27,"ayahs":["وَأَصۡحَـٰبُ ٱلۡیَمِینِ مَاۤ أَصۡحَـٰبُ ٱلۡیَمِینِ","فِی سِدۡرࣲ مَّخۡضُودࣲ","وَطَلۡحࣲ مَّنضُودࣲ","وَظِلࣲّ مَّمۡدُودࣲ","وَمَاۤءࣲ مَّسۡكُوبࣲ","وَفَـٰكِهَةࣲ كَثِیرَةࣲ","لَّا مَقۡطُوعَةࣲ وَلَا مَمۡنُوعَةࣲ","وَفُرُشࣲ مَّرۡفُوعَةٍ","إِنَّاۤ أَنشَأۡنَـٰهُنَّ إِنشَاۤءࣰ","فَجَعَلۡنَـٰهُنَّ أَبۡكَارًا","عُرُبًا أَتۡرَابࣰا","لِّأَصۡحَـٰبِ ٱلۡیَمِینِ","ثُلَّةࣱ مِّنَ ٱلۡأَوَّلِینَ","وَثُلَّةࣱ مِّنَ ٱلۡـَٔاخِرِینَ"],"ayah":"فَجَعَلۡنَـٰهُنَّ أَبۡكَارًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق