الباحث القرآني

(p-١١٥)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ﴾ قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، وعاصِمٌ، وأبُو عَمْرٍو، وابْنُ عامِرٍ: "سَنَفْرُغُ" بِنُونٍ مَفْتُوحَةٍ. وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ، وعِكْرِمَةُ، والأعْمَشُ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وعَبْدُ الوارِثِ: ["سَيَفْرُغُ"] بِياءٍ مَفْتُوحَةٍ. وقَرَأ ابْنُ السَّمَيْفَعِ، وابْنُ يَعْمَرَ، وابْنُ أبِي عَبْلَةَ، وعاصِمٌ الجَحْدَرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الوارِثِ: "سَيُفْرَغُ" بِضَمِّ الياءِ وفَتْحِ الرّاءِ. قالَ الفَرّاءُ: هَذا وعِيدٌ مِنَ اللَّهِ تَعالى، لِأنَّهُ لا يَشْغَلُهُ شَيْءٌ عَنْ شَيْءٍ، تَقُولُ لِلرَّجُلِ الَّذِي لا شُغْلَ لَهُ: قَدْ فَرَغْتَ لِي، قَدْ فَرَغْتَ تَشْتُمُنِي؟! أيْ: قَدْ أخَذْتَ في هَذا وأقْبَلْتَ عَلَيْهِ؟! قالَ الزَّجّاجُ: الفَراغُ في اللُّغَةِ عَلى ضَرْبَيْنِ. أحَدُهُما: الفَراغُ مِن شُغْلٍ. والآخَرُ: القَصْدُ لِلشَّيْءِ، تَقُولُ: قَدْ فَرَغْتُ مِمّا كُنْتُ فِيهِ، أيْ: قَدْ زالَ شُغْلِي بِهِ، وتَقُولُ: سَأتَفَرَّغُ لِفُلانٍ، أيْ: سَأجْعَلُهُ قَصْدِي، ومَعْنى الآيَةِ: سَنَقْصِدُ لِحِسابِكم. فَأمّا "الثَّقَلانِ" فَهُمّا الجِنُّ والإنْسُ، سُمِّيا بِذَلِكَ لِأنَّهُما ثِقْلُ الأرْضِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أنْ تَنْفُذُوا﴾ أيْ: تَخْرُجُوا؛ يُقالُ: نَفَذَ الشَّيْءُ مِنَ الشَّيْءِ: إذا خَلَصَ مِنهُ، كالسَّهْمِ يَنْفُذُ مِنَ الرَّمِيَّةِ؛ والأقْطارُ: النَّواحِي والجَوانِبُ. وفي مَعْنى الكَلامِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: إنِ اسْتَطَعْتُمْ أنْ تَعْلَمُوا ما في السَّماواتِ والأرْضِ فاعْلَمُوا، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. (p-١١٦)والثّانِي: إنِ اسْتَطَعْتُمْ أنْ تَهْرُبُوا مِنَ المَوْتِ بِالخُرُوجِ مِن أقْطارِ السَّماواتِ والأرْضِ فاهْرُبُوا واخْرُجُوا مِنها؛ والمُرادُ: أنَّكم حَيْثُما كُنْتُمْ أدْرَكَكُمُ المَوْتُ، هَذا قَوْلُ الضَّحّاكِ ومُقاتِلٍ في آخَرِينَ. والثّالِثُ: إنِ اسْتَطَعْتُمْ أنْ تَجُوزُوا أطْرافَ السَّماواتِ والأرْضِ فَتُعْجِزُوا رَبَّكم حَتّى لا يَقْدِرَ عَلَيْكم فَجُوزُوا؛ وإنَّما يُقالُ لَهم هَذا يَوْمَ القِيامَةِ، ذَكَرَهُ ابْنُ جَرِيرٍ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لا تَنْفُذُونَ إلا بِسُلْطانٍ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: لا تَنْفُذُونَ إلّا في سُلْطانِ اللَّهِ ومُلْكِهِ، لِأنَّهُ مالِكُ كُلِّ شَيْءٍ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. والثّانِي: لا تَنْفُذُونَ إلّا بِحُجَّةٍ، قالَهُ مُجاهِدٌ، والثّالِثُ: لا تَنْفُذُونَ إلّا بِمُلْكٍ، ولَيْسَ لَكم مُلْكٌ، قالَهُ قَتادَةُ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يُرْسَلُ عَلَيْكُما﴾ فَثَنّى عَلى اللَّفْظِ. وقَدْ جَمَعَ في قَوْلِهِ ﴿إنِ اسْتَطَعْتُمْ﴾ عَلى المَعْنى. فَأمّا "الشُّواظُ" فَفِيهِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّهُ لَهَبُ النّارِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. وقالَ مُجاهِدٌ: هو اللَّهَبُ الأخْضَرُ المُنْقَطِعُ مِنَ النّارِ. والثّانِي: الدُّخانُ، قالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. والثّالِثُ: النّارُ المَحْضَةُ، قالَهُ الفَرّاءُ. وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: هي النّارُ الَّتِي تَأجَّجُ لا دُخانَ فِيها، ويُقالُ: شُواظٌ وشِواظٌ. وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ بِكَسْرِ الشِّينِ؛ وقَرَأ أيْضًا هو وأهْلُ البَصْرَةِ: "وَنُحاسٍ" بِالخَفْضِ، والباقُونَ بِرَفْعِهِما. وَفِي "النُّحاسِ" قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّهُ دُخانُ النّارِ، رَواهُ أبُو صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وبِهِ قالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، والفَرّاءُ وأبُو عُبَيْدَةَ، وابْنُ قُتَيْبَةَ، والزَّجّاجُ، ومِنهُ قَوْلُ الجَعْدِيُّ يَذْكُرُ امْرَأةً: (p-١١٧) ؎ تُضِيءُ كَضَوْءِ سِراجِ السَّلِي طِ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ فِيهِ نُحاسا وَذَكَرَ الفَرّاءُ في السَّلِيطِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّهُ دُهْنُ السَّنامِ، ولَيْسَ لَهُ دُخانٌ إذا اسْتُصْبِحَ بِهِ. والثّانِي: أنَّهُ دُهْنُ السِّمْسِمِ. والثّالِثُ: الزَّيْتُ. والثّانِي: أنَّهُ الصُّفْرُ المُذابُ يُصَبُّ عَلى رُؤُوسِهِمْ، رَواهُ العَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وبِهِ قالَ مُجاهِدٌ، وقَتادَةُ. قالَ مُقاتِلٌ: والمُرادُ بِالآيَةِ: كُفّارُ الجِنِّ والإنْسِ، يُرْسَلُ عَلَيْهِما في الآخِرَةِ لَهَبُ النّارِ والصُّفْرُ الذّائِبُ، وهي خَمْسَةُ أنْهارٍ تَجْرِي مِن تَحْتِ العَرْشِ عَلى رُؤُوسِ أهْلِ النّارِ، ثَلاثَةُ أنْهارٍ عَلى مِقْدارِ اللَّيْلِ، ونَهْرانِ عَلى مِقْدارِ نَهارِ الدُّنْيا، ﴿فَلا تَنْتَصِرانِ﴾ أيْ: فَلا تَمْتَنِعانِ مِن ذَلِكَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب