الباحث القرآني
(p-٨٧)سُورَةُ القَمَرِ
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ بِإجْماعِهِمْ، وقالَ مُقاتِلٌ: مَكِّيَّةٌ غَيْرَ آيَةٍ ﴿سَيُهْزَمُ الجَمْعُ﴾ [القَمَرِ: ٤٥]، وحُكِيَ عَنْهُ أنَّهُ قالَ: إلّا ثَلاثَ آياتٍ، أوَّلُها: ﴿أمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿وَأمَرُّ﴾ [القَمَرِ: ٤٤٤٦]، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: «اجْتَمَعَ المُشْرِكُونَ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقالُوا: إنْ كُنْتَ صادِقًا فَشُقَّ لَنا القَمَرَ فِرْقَتَيْنِ، فَقالَ لَهم رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إنْ فَعَلْتُ تُؤْمِنُونَ؟" قالُوا: نَعَمْ، فَسَألَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ رَبَّهُ أنْ يُعْطِيَهُ ما قالُوا، فانْشَقَّ القَمَرُ فِرْقَتَيْنِ، ورَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُنادِي: "يا فُلانُ يا فُلانُ اشْهَدُوا"، وذَلِكَ بِمَكَّةَ قَبْلَ الهِجْرَةِ.» وقَدْ رَوى البُخارِيُّ ومُسْلِمٌ في "صَحِيحِيهِما" مِن حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ قالَ: «انْشَقَّ القَمَرُ عَلى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ شَقَّتَيْنِ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (p-٨٨)"اشْهَدُوا" .» وقَدْ رَوى حَدِيثَ الِانْشِقاقِ جَماعَةٌ، مِنهم عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وحُذَيْفَةُ، وجُبَيْرُ بْنُ مَطْعَمٍ، وابْنُ عَبّاسٍ، وأنَسُ بْنُ مالِكٍ، وعَلى هَذا جَمِيعُ المُفَسِّرِينَ، إلّا أنَّ قَوْمًا شَذُّوا فَقالُوا: سَيَنْشَقُّ يَوْمَ القِيامَةِ. وقَدْ رَوى عُثْمانُ بْنُ عَطاءٍ عَنْ أبِيهِ نَحْوَ ذَلِكَ، وهَذا القَوْلُ الشّاذُّ لا يُقاوِمُ الإجْماعَ، ولِأنَّ قَوْلَهُ: ﴿وانْشَقَّ﴾ لَفْظٌ ماضٍ، وحَمْلُ لَفْظِ الماضِي عَلى المُسْتَقْبَلِ يَفْتَقِرُ إلى قَرِينَةٍ تَنْقُلُهُ ودَلِيلٍ، ولَيْسَ ذَلِكَ مَوْجُودًا. وفي قَوْلِهِ: ﴿وَإنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا﴾ دَلِيلٌ عَلى أنَّهُ قَدْ كانَ ذَلِكَ. ومَعْنى ﴿اقْتَرَبَتِ﴾: دَنَتْ؛ ﴿والسّاعَةُ﴾ القِيامَةُ. وقالَ الفَرّاءُ: فِيهِ تَقْدِيمٌ وتَأْخِيرٌ، تَقْدِيرُهُ: انْشَقَّ القَمَرُ واقْتَرَبَتِ السّاعَةِ. وقالَ مُجاهِدٌ: انْشَقَّ القَمَرُ فَصارَ فِرْقَتَيْنِ، فَثَبَتَتْ فِرْقَةٌ، وذَهَبَتْ فِرْقَةٌ وراءَ الجَبَلِ. وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: لَمّا انْشَقَّ القَمَرُ كانَ يُرى نِصْفُهُ عَلى قُعَيْقِعانَ، والنِّصْفُ الآخَرُ عَلى أبِي قُبَيْسٍ- قالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَمّا انْشَقَّ القَمَرُ قالَتْ قُرَيْشٌ: سَحَرَكُمُ ابْنُ أبِي كَبْشَةَ، فاسْألُوا السُّفّارَ، فَسَألُوهُمْ، فَقالُوا: نَعَمْ قَدْ رَأيْناهُ، فَأنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿ "اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وانْشَقَّ القَمَرُ" .﴾
(p-٨٩)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإنْ يَرَوْا آيَةً﴾ أيْ: آيَةً تَدُلُّهم عَلى صِدْقِ الرَّسُولِ، والمُرادُ بِها ها هُنا: انْشِقاقُ القَمَرِ ﴿يُعْرِضُوا﴾ عَنِ التَّصْدِيقِ ﴿وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: ذاهِبٌ، مِن قَوْلِهِمْ: مَرَّ الشَّيْءُ واسْتَمَرَّ: إذا ذَهَبَ، قالَهُ مُجاهِدٌ، وقَتادَةُ، والكِسائِيُّ، والفَرّاءُ؛ فَعَلى هَذا يَكُونُ المَعْنى: هَذا سِحْرٌ، والسِّحْرُ يَذْهَبُ ولا يَثْبُتُ.
والثّانِي: شَدِيدٌ قَوِيٌّ، قالَهُ أبُو العالِيَةِ، والضَّحّاكُ، وابْنُ قُتَيْبَةَ، قالَ: وهو مَأْخُوذٌ مِنَ المِرَّةِ، والمِرَّةُ: الفَتْلُ. والثّالِثُ: دائِمٌ، حَكاهُ الزَّجّاجُ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَكَذَّبُوا﴾ يَعْنِي كَذَّبُوا النَّبِيَّ ﷺ وما عايَنُوا مِن قُدْرَةِ اللَّهِ تَعالى ﴿واتَّبَعُوا أهْواءَهُمْ﴾ ما زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ﴿وَكُلُّ أمْرٍ مُسْتَقِرٌّ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: أنَّ كُلَّ أمْرٍ مُسْتَقِرٌّ بِأهْلِهِ، فالخَيْرُ يَسْتَقِرُّ بِأهْلِ الخَيْرِ، والشَّرُّ يَسْتَقِرُّ بِأهْلِ الشَّرِّ، قالَهُ قَتادَةُ.
والثّانِي: لِكُلِّ حَدِيثٍ مُنْتَهًى وحَقِيقَةٌ، قالَهُ مُقاتِلٌ.
والثّالِثُ: أنَّ قَرارَ تَكْذِيبِهِمْ مُسْتَقِرٌّ، وقَرارُ تَصْدِيقِ المُصَدِّقِينَ مُسْتَقِرٌّ حَتّى يَعْلَمُوا حَقِيقَتَهُ بِالثَّوابِ والعِقابِ، قالَهُ الفَرّاءُ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَقَدْ جاءَهُمْ﴾ يَعْنِي أهْلَ مَكَّةَ ﴿مِنَ الأنْباءِ﴾ أيْ: مِن أخْبارِ الأُمَمِ المُكَذِّبَةِ في القُرْآنِ ﴿ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ﴾ قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: أيْ: مُتَّعَظٌ ومُنْتَهًى.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿حِكْمَةٌ بالِغَةٌ﴾ قالَ الزَّجّاجُ: هي مَرْفُوعَةٌ لِأنَّها بَدَلٌ مِن (p-٩٠)"ما" فالمَعْنى: ولَقَدْ جاءَهم حِكْمَةٌ بالِغَةٌ [وَإنْ شِئْتَ رَفَعْتَها بِإضْمارِ هو حِكْمَةٌ بالِغَةٌ] . و"ما" في قَوْلِهِ ﴿فَما تُغْنِ النُّذُرُ﴾ جائِزٌ أنْ يَكُونَ اسْتِفْهامًا بِمَعْنى التَّوْبِيخِ، فَيَكُونُ المَعْنى: أيَّ شَيْءٍ تُغْنِي النُّذُرُ؟! وجائِزٌ أنْ يَكُونَ نَفْيًا، عَلى مَعْنى، فَلَيْسَتْ تُغْنِي النُّذُرُ. قالَ المُفَسِّرُونَ: والمَعْنى: جاءَهُمُ القُرْآنُ وهو حِكْمَةٌ تامَّةٌ قَدْ بَلَغَتِ الغايَةَ، فَما تُغْنِي النُّذُرُ إذا لَمْ يُؤْمِنُوا؟!
{"ayahs_start":1,"ayahs":["ٱقۡتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلۡقَمَرُ","وَإِن یَرَوۡا۟ ءَایَةࣰ یُعۡرِضُوا۟ وَیَقُولُوا۟ سِحۡرࣱ مُّسۡتَمِرࣱّ","وَكَذَّبُوا۟ وَٱتَّبَعُوۤا۟ أَهۡوَاۤءَهُمۡۚ وَكُلُّ أَمۡرࣲ مُّسۡتَقِرࣱّ","وَلَقَدۡ جَاۤءَهُم مِّنَ ٱلۡأَنۢبَاۤءِ مَا فِیهِ مُزۡدَجَرٌ","حِكۡمَةُۢ بَـٰلِغَةࣱۖ فَمَا تُغۡنِ ٱلنُّذُرُ"],"ayah":"حِكۡمَةُۢ بَـٰلِغَةࣱۖ فَمَا تُغۡنِ ٱلنُّذُرُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق