الباحث القرآني

(p-٦٢)سُورَةُ النَّجْمِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ بِإجْماعِهِمْ إلّا أنَّهُ قَدْ حُكِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وقَتادَةَ أنَّهُما قالا: إلّا آيَةً مِنها، وهي ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الإثْمِ﴾ [النَّجْمِ: ٣٢]، وكَذَلِكَ قالَ مُقاتِلٌ؛ [قالَ]: وهَذِهِ أوَّلُ سُورَةٍ أعْلَنَها رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِمَكَّةَ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿والنَّجْمِ إذا هَوى﴾ هَذا قَسَمٌ. وفي المُرادِ بِالنَّجْمِ خَمْسَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّهُ الثُّرَيّا، رَواهُ العَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وابْنُ أبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجاهِدٍ. قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: والعَرَبُ تُسَمِّي الثُّرَيّا - وهي سِتَّةُ أنْجُمٍ- نَجْمًا. وقالَ غَيْرُهُ: هي سَبْعَةٌ، فَسِتَّةٌ ظاهِرَةٌ، وواحِدٌ خَفِيٌّ يَمْتَحِنُ بِهِ النّاسُ أبْصارَهم. والثّانِي: الرُّجُومُ مِنَ النُّجُومِ، يَعْنِي ما يُرْمى بِهِ الشَّياطِينُ، رَواهُ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّالِثُ: أنَّهُ القُرْآنُ نَزَلَ نُجُومًا مُتَفَرِّقَةً، قالَهُ عَطاءٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. (p-٦٣)والأعْمَشُ عَنْ مُجاهِدٍ. وقالَ مُجاهِدٌ: كانَ يَنْزِلُ نُجُومًا ثَلاثَ آياتٍ وأرْبَعَ آياتٍ ونَحْوَ ذَلِكَ. والرّابِعُ: نُجُومُ السَّماءِ كُلُّها، وهو مَرْوِيٌّ عَنْ مُجاهِدٍ أيْضًا. والخامِسُ: أنَّها الزُّهْرَةُ: قالَهُ السُّدِّيُّ. فَعَلى قَوْلِ مَن قالَ: النَّجْمُ: الثُّرَيّا، يَكُونُ "هَوى" بِمَعْنى "غابَ"؛ ومَن قالَ: هو الرُّجُومُ، يَكُونُ هُوِيُّها في رَمْيِ الشَّياطِينِ، ومَن قالَ: القُرْآنُ. يَكُونُ مَعْنى "هَوى": نَزَلَ، ومَن قالَ: نُجُومُ السَّماءِ كُلُّها، فَفِيهِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنْ هُوِيَّها أنْ تَغِيبَ. والثّانِي: أنْ تَنْتَثِرَ يَوْمَ القِيامَةِ. قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ وعاصِمٌ وابْنُ عامِرٍ هَذِهِ السُّورَةَ كُلَّها بِفَتْحِ أواخِرِ آياتِها. وقَرَأ أبُو عَمْرٍو ونافِعٌ بَيْنَ الفَتْحِ والكَسْرِ. وقَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ ذَلِكَ كُلَّهُ بِالإمالَةِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ﴾ هَذا جَوابُ القَسَمِ؛ والمَعْنى: ما ضَلَّ عَنْ طَرِيقِ الهُدى، والمُرادُ بِهِ: رَسُولُ اللَّهِ ﷺ . ﴿وَما يَنْطِقُ عَنِ الهَوى﴾ أيْ: ما يَتَكَلَّمُ بِالباطِلِ. وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: "عَنْ" بِمَعْنى الباءِ. وذَلِكَ أنَّهم قالُوا: إنَّهُ يَقُولُ القُرْآنَ مِن تِلْقاءِ نَفْسِهِ. ﴿إنْ هُوَ﴾ أيْ: ما القُرْآنُ ﴿إلا وحْيٌ﴾ مِنَ اللَّهِ ﴿يُوحى﴾ وهَذا مِمّا يَحْتَجُّ بِهِ مَن لا يُجِيزُ لِلنَّبِيِّ أنْ يَجْتَهِدَ، ولَيْسَ كَما ظَنُّوا، لِأنَّ اجْتِهادَ الرَّأْيِ إذا صَدَرَ عَنِ الوَحْيِ، جازَ أنْ يُنْسَبَ إلى الوَحْيِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب