الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَفِي عادٍ﴾ أيْ: في إهْلاكِهِمْ آيَةٌ أيْضًا ﴿إذْ أرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ العَقِيمَ﴾ وهي الَّتِي لا خَيْرَ فِيها ولا بِرْكَةَ، لا تُلْقِحُ شَجَرًا ولا تَحْمِلُ مَطَرًا، وإنَّما هي لِلْإهْلاكِ. وقالَ سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ: هي الجَنُوبُ. ﴿ما تَذَرُ مِن شَيْءٍ أتَتْ عَلَيْهِ﴾ أيْ: مِن أنْفُسِهِمْ وأمْوالِهِمْ ﴿إلا جَعَلَتْهُ كالرَّمِيمِ﴾ أيْ: كالشَّيْءِ الهالِكِ البالِي. قالَ الفَرّاءُ: الرَّمِيمُ: نَباتُ الأرْضِ إذا يَبِسَ ودِيسَ. وقالَ الزَّجّاجُ: الرَّمِيمُ: الوَرَقُ الجافُّ المُتَحَطِّمُ مِثْلُ الهَشِيمِ. ﴿وَفِي ثَمُودَ﴾ آيَةٌ أيْضًا ﴿إذْ قِيلَ لَهم تَمَتَّعُوا حَتّى حِينٍ﴾ فِيهِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّهُ قِيلَ لَهُمْ: تَمَتَّعُوا في الدُّنْيا إلى وقْتِ انْقِضاءِ آجالِكم تَهَدُّدًا لَهم. والثّانِي: أنَّ صالِحًا قالَ لَهم بَعْدَ عَقْرِ النّاقَةِ: تَمَتَّعُوا ثَلاثَةَ أيّامٍ؛ فَكانَ الحِينُ وقْتَ فَناءِ آجالِهِمْ، ﴿فَعَتَوْا عَنْ أمْرِ رَبِّهِمْ﴾ قالَ مُقاتِلٌ: عَصَوْا أمْرَهُ ﴿فَأخَذَتْهُمُ الصّاعِقَةُ﴾ يَعْنِي: العَذابَ، وهو المَوْتُ مِن صَيْحَةِ جِبْرِيلَ. (p-٤٠)وَقَرَأ الكِسائِيُّ وحْدَهُ: "الصَّعْقَةُ" [بِسُكُونِ العَيْنِ مِن غَيْرِ ألِفٍ]؛ وهي الصَّوْتُ الَّذِي يَكُونُ عَنِ الصّاعِقَةِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَهم يَنْظُرُونَ﴾ فِيهِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: يَرَوْنَ ذَلِكَ عِيانًا. والثّانِي: وهم يَنْتَظِرُونَ العَذابَ، فَأتاهم صَيْحَةٌ يَوْمَ السَّبْتِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَما اسْتَطاعُوا مِن قِيامٍ﴾ فِيهِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: ما اسْتَطاعُوا نُهُوضًا مِن تِلْكَ الصَّرْعَةِ. والثّانِي: ما أطاقُوا ثُبُوتًا لِعَذابِ اللَّهِ ﴿وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ﴾ أيْ: مُمْتَنِعِينَ مِنَ العَذابِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَقَوْمَ نُوحٍ مِن قَبْلُ﴾ قَرَأ أبُو عَمْرٍو إلّا عَبْدَ الوارِثِ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ: بِخَفْضِ المِيمِ، ورَوى عَبْدُ الوارِثِ، رَفْعَ المِيمِ، والباقُونَ بِنَصْبِها. قالَ الزَّجّاجُ: مَن خَفَضَ القَوْمَ فالمَعْنى: وفي قَوْمِ نُوحٍ آيَةٌ، ومَن نَصَبَ فَهو عَطْفٌ عَلى مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿فَأخَذَتْهُمُ الصّاعِقَةُ﴾ فَإنَّ مَعْناهُ: أهْلَكْناهُمْ، فَيَكُونُ المَعْنى: وأهْلَكَنا قَوْمَ نُوحٍ، والأحْسَنُ - واللَّهُ أعْلَمُ - أنْ يَكُونَ مَحْمُولًا عَلى قَوْلِهِ: ﴿فَأخَذْناهُ وجُنُودَهُ فَنَبَذْناهم في اليَمِّ﴾ لِأنَّ المَعْنى: أغْرَقْناهُ، وأغْرَقْنا قَوْمَ نُوحٍ. ﴿والسَّماءَ بَنَيْناها﴾ المَعْنى: وبَنَيْنا السَّماءَ بَنَيْناها (بِأيْدٍ) أيْ: بِقُوَّةٍ، وكَذَلِكَ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ، ومُجاهِدٌ، وقَتادَةُ، وسائِرُ المُفَسِّرِينَ واللُّغَوِيِّينَ: ﴿بِأيْدٍ﴾ أيْ: بِقُوَّةٍ. وَفِي قَوْلِهِ: ﴿وَإنّا لَمُوسِعُونَ﴾ خَمْسَةُ أقْوالٍ. (p-٤١)أحَدُها: لَمُوسِعُونَ الرِّزْقَ بِالمَطَرِ، قالَهُ الحَسَنُ. والثّانِي لَمُوسِعُونَ السَّماءَ، قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ. والثّالِثُ: لَقادِرُونَ، قالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ. والرّابِعُ: لَمُوسِعُونَ ما بَيْنَ السَّماءِ والأرْضِ، قالَهُ الزَّجّاجُ. والخامِسُ: لَذُو سَعَةٍ لا يَضِيقُ عَمّا يُرِيدُ حَكاهُ الماوَرْدِيُّ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿والأرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الماهِدُونَ﴾ قالَ الزَّجّاجُ: هَذا عَطْفٌ عَلى ما قَبْلَهُ مَنصُوبٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ مَحْذُوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: ﴿فَرَشْناها﴾، فالمَعْنى فَرَشْنا الأرْضَ فَرَشْناها ﴿فَنِعْمَ الماهِدُونَ﴾ أيْ: فَنِعْمَ الماهِدُونَ نَحْنُ. قالَ مُقاتِلٌ: ﴿فَرَشْناها﴾ أيْ: بَسَطْناها مَسِيرَةَ خَمْسِمِائَةِ عامٍ، وهَذا بَعِيدٌ، وقَدْ قالَ قَتادَةُ: الأرْضُ عِشْرُونَ ألْفَ فَرْسَخٍ، واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ﴾ أيْ: صِنْفَيْنِ ونَوْعَيْنِ كالذَّكَرِ والأُنْثى، والبَرِّ والبَحْرِ واللَّيْلِ والنَّهارِ، والحُلْوِ والمُرِّ، والنُّورِ والظُّلْمَةِ، وأشْباهِ ذَلِكَ ﴿لَعَلَّكم تَذَكَّرُونَ﴾ فَتَعْلَمُوا أنَّ خالِقَ الأزْواجِ واحِدٌ. ﴿فَفِرُّوا إلى اللَّهِ﴾ بِالتَّوْبَةِ مِن ذُنُوبِكُمْ؛ والمَعْنى: اهْرَبُوا مِمّا يُوجِبُ العِقابَ مِنَ الكُفْرِ والعِصْيانِ إلى ما يُوجِبُ الثَّوابَ مِنَ الطّاعَةِ والإيمانِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب