الباحث القرآني
(p-١٥)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَقالَ قَرِينُهُ﴾ قالَ مُقاتِلٌ: هو مَلَكُهُ الَّذِي كانَ يَكْتُبُ عَمَلَهُ السَّيِّئَ في دارِ الدُّنْيا، يَقُولُ لِرَبِّهِ: قَدْ كَتَبْتُ ما وكَّلْتَنِي بِهِ، فَهَذا عِنْدِي مُعَدٌّ حاضِرٌ مِن عَمَلِهِ الخَبِيثِ، فَقَدْ أتَيْتُكَ بِهِ وبِعَمَلِهِ. وفي "ما" قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّها بِمَعْنى "مَن" قالَهُ مُجاهِدٌ.
والثّانِي: أنَّها بِمَعْنى الشَّيْءِ، فَتَقْدِيرُهُ: هَذا شَيْءٌ لَدَيَّ عَتِيدٌ، قالَهُ الزَّجّاجُ، وقَدْ ذَكَرْنا مَعْنى العَتِيدِ في هَذِهِ السُّورَةِ [قْ: ١٨]، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعالى: ﴿ألْقِيا في جَهَنَّمَ﴾ وفي مَعْنى هَذا الخِطابِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: أنَّهُ مُخاطَبَةٌ لِلْواحِدِ بِلَفْظِ الخِطابِ لِلِاثْنَيْنِ، قالَ الفَرّاءُ: والعَرَبُ تَأْمُرُ الواحِدَ والقَوْمَ بِأمْرِ الِاثْنَيْنِ، فَيَقُولُونَ لِلرَّجُلِ ويْلَكَ ارْحَلاها وازْجُراها، سَمِعْتُها مِنَ العَرَبِ، وأنْشَدَنِي بَعْضُهُمْ:
؎ فَقُلْتُ لِصاحِبِي لا تَحْبِسانا بِنَزْعِ أُصُولِهِ واجْتَزَّ شِيحا
وَأنْشَدَنِي أبُو ثَرْوانَ:(p-١٦)
؎ فَإنْ تَزْجُرانِي يابْنَ عَفّانَ أنْزَجِرْ ∗∗∗ وإنْ تَدَعانِي أحْمِ عِرْضًا مُمَنَّعا
وَنَرى أنَّ ذَلِكَ مِنهُمْ، لِأنَّ أدْنى أعْوانِ الرَّجُلِ في إبِلِهِ وغَنَمِهِ اثْنانِ، وكَذَلِكَ الرُّفْقَةُ أدْنى ما تَكُونُ ثَلاثَةٌ، فَجَرى الكَلامُ عَلى صاحِبَيْهِ، ألا تَرى الشِّعْرَ أكْثَرَ شَيْءٍ قِيلًا: يا صاحِبَيَّ ويا خَلِيلَيَّ. قالَ امْرُؤُ القَيْسِ:
؎ خَلِيلَيَّ مُرّا بِي عَلى أُمِّ جُنْدَبِ ∗∗∗ نُقَضِّي لُباناتِ الفُؤادِ المُعَذَّبِ
ثُمَّ قالَ:
؎ ألَمْ تَرَ أنِّي كُلَّما جِئْتُ طارِقًا ∗∗∗ وجَدْتُ بِها طِيبًا وإنْ لَمْ تَطَيَّبِ
فَرَجَعَ إلى الواحِدِ، وأوَّلُ كَلامِهِ اثْنانِ، وإلى هَذا المَعْنى ذَهَبَ مُقاتِلٌ، وقالَ: ﴿ألْقِيا﴾ خِطابٌ لِلْخازِنِ، يَعْنِي خازِنَ النّارِ.
والثّانِي: أنَّهُ فِعْلٌ ثُنِّيَ تَوْكِيدًا، كَأنَّهُ لَمّا قالَ: ﴿ألْقِيا﴾، نابَ عَنْ ألْقِ ألْقِ، وكَذَلِكَ، قِفا نَبْكِ، مَعْناهُ: قِفْ قِفْ، فَلَمّا نابَ عَنْ فِعْلَيْنِ، ثُنِّيَ، قالَهُ المُبَرِّدُ.
والثّالِثُ: أنَّهُ أمْرٌ لِلْمَلَكَيْنِ، يَعْنِي السّائِقَ والشَّهِيدَ، وهَذا اخْتِيارُ الزَّجّاجِ.
(p-١٧)فَأمّا "الكَفّارُ" فَهو أشَدُّ مُبالَغَةً مِنَ الكافِرِ. و"العَنِيدُ" قَدْ فَسَّرْناهُ في [هُودٍ: ٥٩]
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿مَنّاعٍ لِلْخَيْرِ﴾ في المُرادِ بِالخَيْرِ ها هُنا ثَلاثَةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: الزَّكاةُ المَفْرُوضَةُ، قالَهُ قَتادَةُ.
والثّانِي: أنَّهُ الإسْلامُ، يَمْنَعُ النّاسَ مِنَ الدُّخُولِ فِيهِ، قالَهُ الضَّحّاكُ، ومُقاتِلٌ، وذَكَرَ أنَّها نَزَلَتْ في الوَلِيدِ بْنِ المُغِيرَةِ، مَنَعَ بَنِي أخِيهِ عَنِ الإسْلامِ.
والثّالِثُ: أنَّهُ عامٌّ في كُلِّ خَيْرٍ مِن قَوْلٍ أوْ فِعْلٍ، حَكاهُ الماوَرْدِيُّ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿مُعْتَدٍ﴾ أيْ: ظالِمٌ لا يُقِرُّ بِالتَّوْحِيدِ ﴿مُرِيبٍ﴾ أيْ: شاكٌّ في الحَقِّ، مِن قَوْلِهِمْ: أرابَ الرَّجُلُ: إذا صارَ ذا رَيْبٍ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قالَ قَرِينُهُ﴾ فِيهِ قَوْلانِ.
أحَدُهُما: شَيْطانُهُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، ومُجاهِدٌ، وقَتادَةُ، والجُمْهُورُ. وفي الكَلامِ اخْتِصارٌ تَقْدِيرُهُ: إنَّ الإنْسانَ ادَّعى عَلى قَرِينِهِ مِنَ الشَّياطِينِ أنَّهُ أضَلَّهُ (p-١٨)فَقالَ: ﴿رَبَّنا ما أطْغَيْتُهُ﴾ أيْ: لَمْ يَكُنْ لِي قُوَّةٌ عَلى إضْلالِهِ بِالإكْراهِ، وإنَّما طَغى هو بِضَلالِهِ.
والثّانِي: أنَّهُ المَلَكُ الَّذِي كانَ يَكْتُبُ السَّيِّئاتِ.
ثُمَّ فِيما يَدَّعِيهِ الكافِرُ عَلى المَلَكِ قَوْلانِ.
أحَدُهُما: [أنَّهُ] يَقُولُ: زادَ عَلَيَّ فِيما كَتَبَ، فَيَقُولُ المَلَكُ: ما أطْغَيْتُهُ، أيْ: ما زِدْتُ عَلَيْهِ، قالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ.
والثّانِي: أنَّهُ يَقُولُ: كانَ يُعْجِلُنِي عَنِ التَّوْبَةِ، فَيَقُولُ: رَبَّنا ما أطْغَيْتُهُ، هَذا قَوْلُ الفَرّاءِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَكِنْ كانَ في ضَلالٍ بَعِيدٍ﴾ أيْ: بَعِيدٌ مِنَ الهُدى، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعالى: ﴿لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ﴾ في هَذا الخِصامِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّهُ اعْتِذارُهم بِغَيْرِ عُذْرٍ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ.
والثّانِي: أنَّهُ خِصامُهم مَعَ قُرَنائِهِمُ الَّذِينَ أغْوَوْهُمْ، قالَهُ أبُو العالِيَةِ. فَأمّا اخْتِصامُهم فِيما كانَ بَيْنَهم مِنَ المَظالِمِ في الدُّنْيا، فَلا يَجُوزُ أنْ يُهْمَلَ، لِأنَّهُ يَوْمُ التَّناصُفُ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَقَدْ قَدَّمْتُ إلَيْكم بِالوَعِيدِ﴾ أيْ: قَدْ أخْبَرْتُكم عَلى ألْسُنِ الرُّسُلِ بِعَذابِي في الآخِرَةِ لِمَن كَفَرَ.
﴿ما يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيَّ﴾ فِيهِ قَوْلانِ.
أحَدُهُما: ما يُبَدَّلُ القَوْلُ فِيما وعَدْتُهُ مِن ثَوابٍ وعِقابٍ، قالَهُ الأكْثَرُونَ.
والثّانِي: ما يُكَذَّبُ عِنْدِي ولا يُغَيَّرُ القَوْلُ عَنْ جِهَتِهِ، لِأنِّي أعْلَمُ الغَيْبَ وأعْلَمُ كَيْفَ ضَلُّوا وكَيْفَ أضْلَلْتُمُوهُمْ، هَذا قَوْلُ ابْنِ السّائِبِ واخْتِيارُ الفَرّاءِ وابْنِ قُتَيْبَةَ، ويَدُلُّ عَلَيْهِ أنَّهُ قالَ تَعالى: ﴿ما يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيَّ﴾ ولَمْ يَقُلْ: (p-١٩)ما يُبَدَّلُ قَوْلِي ﴿وَما أنا بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ فَأزِيدَ عَلى إساءَةِ المُسِيءِ، أوْ أنْقُصَ مِن إحْسانِ المُحْسِنِ.
{"ayahs_start":23,"ayahs":["وَقَالَ قَرِینُهُۥ هَـٰذَا مَا لَدَیَّ عَتِیدٌ","أَلۡقِیَا فِی جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِیدࣲ","مَّنَّاعࣲ لِّلۡخَیۡرِ مُعۡتَدࣲ مُّرِیبٍ","ٱلَّذِی جَعَلَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا ءَاخَرَ فَأَلۡقِیَاهُ فِی ٱلۡعَذَابِ ٱلشَّدِیدِ","۞ قَالَ قَرِینُهُۥ رَبَّنَا مَاۤ أَطۡغَیۡتُهُۥ وَلَـٰكِن كَانَ فِی ضَلَـٰلِۭ بَعِیدࣲ","قَالَ لَا تَخۡتَصِمُوا۟ لَدَیَّ وَقَدۡ قَدَّمۡتُ إِلَیۡكُم بِٱلۡوَعِیدِ","مَا یُبَدَّلُ ٱلۡقَوۡلُ لَدَیَّ وَمَاۤ أَنَا۠ بِظَلَّـٰمࣲ لِّلۡعَبِیدِ"],"ayah":"قَالَ لَا تَخۡتَصِمُوا۟ لَدَیَّ وَقَدۡ قَدَّمۡتُ إِلَیۡكُم بِٱلۡوَعِیدِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











